10-11-2022
محليات
اضاف: "انطلاقا من هذه المسلمات الإيمانية، كان لتراثنا العريق أن يفصح في محطات شتى من مسيرته الحضارية، عن تعلق شديد بمفاهيم العدالة، وعن سعي دؤوب إلى ابتكار آليات عملية لتطبيقها تطبيقا نزيها على مقدار معرفة البشر وضعفهم، وذلك تحت عنوانين أساسيين هما: من جهة أولى مكانة القاضي وحصانته تجاه جميع الناس، ومن جهة ثانية تواضعه في العلم وانصرافه الكامل إلى إحقاق الحق. ولقد حفل تراثنا في هذا الخصوص بأخبار ومقولات وأمثال يمكن أن توجزها تلك العبارة الشهيرة التي قالها رسول ملك الروم إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا عمر، حكمت فعدلت فأمنت فنمت". وإلى اليوم لا تزال العدالة، وستبقى، قيمة إنسانية سامية، ورسالة يؤديها القضاء عندنا في لبنان، كسلطة دستورية مستقلة، يمارسها السادة القضاة سلطانا كاملا على ملفاتهم بحيث لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتدخل فيها، وذلك استمساكا بما وقر في نفوسهم من ذلك التراث البهي".
وتابع: "وإذا كانت مفاهيم الدولة في العالم الحديث، قد باتت تملي مبادئ وآليات جديدة للتنظيم القضائي، أو تطوير مبادئ وآليات موجودة، فينبغي لي ههنا أن أنوه بمشروع القانون المتعلق باستقلالية السلطة القضائية، المطروح قيد المناقشات على طاولة اللجان المختصة في المجلس النيابي، والذي آمل أن يصار إلى إقراره وإصداره في أقرب وقت ممكن، تجسيدا لمطالب اللبنانيين بهذا الخصوص. مع الإشارة إلى أن إقرار هذا القانون، إن كان يشكل فاتحة لاستعادة المواطنين ثقتهم بقضائهم ودولتهم، فإن هذه الثقة لن تترسخ في قلوبهم إلا متى حافظ القضاة بأنفسهم على حصانة الضمير. ولا يخفى عليكم أن الأزمة التي نعانيها في لبنان، تشكل حاجزا وحافزا على المباشرة قريبا إن شاء الله في عملية تحديث البنى القضائية، التي بتنفيذها سيحل جزء مهم من المطالب التي نادى الجسم القضائي خلال اعتكافه المستمر إلى الآن، ولا سيما تلك المتعلقة بالمستلزمات اللوجستية الضرورية لعمل المحاكم. وأنا بالمناسبة أجدد ما قلته في الجلسات المغلقة عن العمل الجاد الذي نقوم لإيجاد حلول ولو مؤقتة، تخفف المعاناة على القضاة، كي يعودوا إلى أداء رسالتهم السامية".
وقال: "في مطلع هذا الشهر دخل لبنان فراغه الرئاسي الخامس منذ الاستقلال. وفي مقارنة سريعة بين التواريخ نجد أن الفراغ الأول عام 1952 استمر أربعة أيام فقط، انتخب على إثرها رئيس جديد للبلاد. أما الفراغ الرابع فقد استمر سنتين وأربعة أشهر، في دلالة قاسية على تراجع قيمة الوقت الوطني الذي كان ينبغي لنا أن نستغله كاملا، ونستفيد من كل ثانية فيه من أجل العمل على الخروج من الأزمات والنهوض بالوطن. إن مقام رئاسة الجمهورية بما له من قيمة دستورية ووطنية وميثاقية، ومن دور كرسه اتفاق الطائف، يشكل عنوان انتظام عمل السلطات كلها، فلا يجوز أن يبقى خاليا، ولا ليوم واحد، لأن خلو سدة الرئاسة يعطب الحياة الدستورية، ويعيق تعافي البلاد".
اضاف: "من هنا دعوتي إلى الجميع ألا يطول زمن الفراغ وأن يصار إلى انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة جديدة، بسرعة تحمي البلد وتحفظ الدولة، فتنتهي حالة تصريف الأعمال التي هي بطبيعتها موقتة ومحصورة بالأمور التي تدخل في نطاق هذا المفهوم. وكل مقاربة أخرى لهذه القضية الوطنية الكبرى، ليست سوى حسابات سياسية شخصية ضيقة، لا يجوز التوقف عندها في هذا الظرف العصيب على المستويات كافة".
وأكد ميقاتي ان "ما تقوم به حكومتنا في الوقت الراهن هو العمل المطلوب دستوريا ووطنيا، ونحن نقوم بواجباتنا مع سائر الوزراء بكل ضمير حي لتمرير هذه المرحلة الصعبة في انتظار انتخاب رئيس الجمهورية. ولكن يبدو أن هواة التعطيل واضاعة الفرص لا يريدون، حتى ان نقوم بهذا الواجب، ويحاولون وضع كل العراقيل أمام مهمتنا الواضحة، وباتوا يجاهرون بارادة التعطيل والسعي لشل الحكومة. وهذا التعطيل والشلل، في مطلق الاحوال، لن يصيب الا شؤون البلد والمواطنين.
كما أن الايحاء للرأي العام بأن الحكومة راغبة في الحلول مكان رئيس الجمهورية، او تعمل لمصادرة صلاحياته ، تضليل ونفاق. وحري بمن يطلق هذه الاقاويل ان يقوم بواجبه الدستوري في انتخاب رئيس في المجلس النيابي ، لا أن يصر على تعطيل الاستحقاق".
وسأل: "أوليس من العدل المحض أن نكون منصفين بحق الوطن، فنعمل على انتظام الحياة الدستورية فيه؟ بلى! وما أصدق القائل: لن تكون إنسانا ما لم تكن عادلا. عشتم، عاشت العدالة والقضاء، وعاش لبنان".