لن تكون نتائج جلسة مجلس النواب غدا الخميس لانتخاب رئيس للجمهورية مغايرة او مختلفة عن الجلسات السابقة الا ببعض التفاصيل الهامشية بما يثبت التقديرات المتعاظمة حيال فراغ رئاسي لن يكون في اقل الأحوال قصير المدى. ولعل الجمود الذي يطغى على المشهد السياسي من كل جوانبه منذ أيام، يعكس الشلل التام الذي أصاب الحركة السياسية في ظل واقع الانسداد الذي استسلم له الوسط السياسي برمته، والذي يخشى من ان يتمادى الى امد بعيد ما دامت المعطيات الداخلية والخارجية تستبعد أي تحرك فعال مؤثر من شأنه دفع القوى السياسية الى التوافق اما على الاحتكام لمبارزة انتخابية مفتوحة حتى انتخاب رئيس، واما التوافق العريض على مرشح يحظى بغالبية عابرة للقوى والاتجاهات. وتكشف أوساط سياسية بارزة في هذا السياق، ان واقع الانسداد الرئاسي راهنا يعود الى واقع تشابك سببين داخليين أساسيين بمعزل عن الظروف الخارجية التي لا تضع لبنان في أولوياتها الحالية حتى في ظل ازمة الشغور الرئاسي. اذ ان هناك مبدئيا معركة بين “الفريق الممانع” عموما وافرقاء المعارضة المتعددة الطرف من جهة مقابلة، يمنع التوازن السلبي أيا منهما حتى الان دون حسم المعركة لمصلحته، وهناك أيضا معركة قد تكون اشد وطأة داخل “التحالف الممانع” حول ترشيح #سليمان فرنجية او جبران باسيل لا يبدو ان امكان التوصل الى حسمها سيكون اقل سهولة ابدا من تعقيدات المعركة الأولى. وتضيف هذه الأوساط ان الفراغ الذي بدأ في ظل هاتين المواجهتين اللتين تحكمان ازمة الاستحقاق الرئاسي لن يضع اوزاره بسرعة في حين يخشى ان تزداد العوامل التي من شأنها تشتيت التحالفات بما يطيل امد الازمة.
وبالنسبة الى الجلسة الانتخابية المحددة غدا الخميس، لم تتوافر معطيات جديدة من شأنها ان تبدل مسار النتائج الروتينية التي تنتهي اليها الجلسات الانتخابية كل مرة منذ بدء انعقادها في أيلول الماضي. ومن المتوقع ان يتغيب عدد من النواب الموجودين خارج البلاد عن جلسة الخميس وهم من ضمن الأصوات المحسوبة لمصلحة مرشح المعارضة النائب ميشال معوض. أما التساؤلات الأساسية فدارت حول توجه نواب فريق 8 آذار وحلفائه، واي خيار يمكن أن تتخذه هذه الكتل في الجلسة المقبلة؟ وقد عُلم أن “الثنائي الشيعي” حاول جسّ نبض فريق “التيار الوطني الحرّ” في الأيام الأخيرة لجهة إمكان اختيار إسم رئيس “تيار المردة”الوزير السابق سليمان فرنجية والمضيّ به في الجلسات المقبلة، تزامناً مع بروز مؤشرات واضحة لجهة عدم تحبيذ “تكتل لبنان القوي” الاستمرار بالاقتراع بورقة بيضاء والبحث عن خطوة مغايرة بما في ذلك احتمال اختيار إسم معيّن. وتأكد أن طرح “الثنائي” لفرنجية لم يقابل بموافقة من “التيار الحرّ” الذي يرفض الاقتراع له. وفي السياق، أكّدت أوساط نيابية في “لبنان القوي” أن إسم فرنجية سيكون خارج نطاق البحث لناحية المشاورات داخل التكتل والتي تستمر بمناقشة امكان اختيار إسم يدعمه “التيار” رئاسياً أو الاستمرار بالورقة البيضاء في المرحلة المقبلة. وبذلك، تأكد أن الاحتمالات تتضاءل لجهة أن تشهد الجلسة المقبلة وما سيليها ظهور إسم فرنجية الذي لا يلقى قبولاً من تكتل “لبنان القوي” الذي يريد مناقشة إسم آخر واختياره.
“التكتل” وفرنجية
واعتبر “تكتل لبنان القوي” في بيان مساء امس انه “اذا كان البحث عن اسم المرشح الأفضل يتطلب حوارا وتواصلا ونقاشا جديا بين الكتل، فان التكتل غير مستعد ان يشارك في أي محاولة لاضاعة الوقت خدمة لحسابات أي طرف لاهداف شعبوية”. واكد ان “التصويت بالورقة البيضاء كان هدفه ولا يزال افساح المجال امام التوافق وليس تكريس العجز”. ودعا الكتل “الى ملاقاتنا في منتصف الطريق والاجابة على ورقة الأولويات الرئاسية التي حملناها اليها وبالتالي تحديد أسماء المرشحين الذين يمكن ان يجسدوا ما ننتظره ممن نريدهم ان يتبوأوا المركز الأول في الدولة”.
وبدوره اعتبر وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري ان حضور سليمان فرنجية مناسبة منتدى ذكرى الطائف “كان جريئا ويثبت ان فرنجية قادر على محاورة الجميع بكل حرية وشفافية، وقد شكل وجوده حدثا اعلاميا وسياسيا، وبما انه مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية يجب ان تكون له علاقة ولقاءات مع جميع المؤثرين في السياسة الللبنانية ومنهم المملكة العربية السعودية”.
وشدد على ان “فرنجية ليس مرشح “حزب الله”، بل هو مرشح لبناني يؤيده “حزب الله” واللعبة الرئاسية قد تطول ولا داعي لترشحه في الوقت الحاضر”.
وأفادت معلومات ان الاتصالات بين اطراف المعارضة تكثفت بكل مكوناتها واركانها واطيافها لوضع حد للنزف المستمر في المسار الدستوري الذي ينحو في اتجاه الاعتياد على الشغور في سدة الرئاسة الاولى وسير الحياة السياسية في شكل طبيعي، وافضت هذه الاتصالات بحسب المعلومات الى توافق ما يقارب الخمسين نائبا حتى البارحة على تنسيق الموقف حول اي جلسة تشريعية قد يدعو اليها الرئيس بري، انطلاقا من ان الاولوية، والحال هذه، هي للشروع فوراً في انتخاب رئيس للجمهورية، استنادا الى النص الدستوري القائل “إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر”·
ماكرون وميقاتي
في غضون ذلك ، صدر موقف فرنسي جديد شدد على الاسراع في انتخاب رئيس جديد في لبنان. وجاء هذا الموقف خلال لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون امس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، في شرم الشيخ على هامش قمة المناخ، حيث تم البحث في المساعي الفرنسية لمعالجة الاوضاع اللبنانية، وأكد الرئيس الفرنسي أولوية اجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية لانتظام عمل المؤسسات. وكان ميقاتي التقى صباحا الامينَ العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس وجرى البحث في ما اذا كانت الامم المتحدة يمكنها القيام بمسعى لدفع عملية انتخاب رئيس جديد للبنان. وفي حين نفى مكتب الرئيس ميقاتي اي تواصل مع اي مسؤول اسرائيلي في اجتماع موسع ضمن فاعليات قمة المناخ، القى كلمة أمام “مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ” اكد فيها “ان لبنان من البلدان الشديدة التأثر بتأثيرات تغير المناخ وقدّرت دراسات أعدتها وزارة البيئة أن التغير المناخي سيسبّب إنخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي”.
امن وقضاء
وسط هذه الاجواء، ووسط الحديث عن مخاوف امنية عقد وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي اجتماعا لمجلس الامن الداخلي المركزي واعلن ان “من واجب الاجهزة الامنية كافة حفظ الامن بواسطة كل الوسائل المتاحة”، مشيرا الى انه “في فترة الفراغ سنقوم كوزارة وأجهزة أمنية بكل ما يلزم لحفظ الأمن والنظام لأنه مطلب جميع اللبنانيين”. وأعلن “ان شعبة المعلومات تمكنت خلال العام 2022 من توقيف 8 خلايا إرهابية، ونحن نتقيد بمهنية التحقيق وسريته، وما نكشف عنه هو فقط لطمأنة اللبنانيين والأجهزة الأمنية ساهرة على تأمين حمايتهم”. كما شدد مولوي على “حرية الإعلام وحماية الممتلكات الإعلامية”، موضحا ان “ما حصل في محطة ام تي في بات في عهدة القضاء”. وأعلن ان “أعداد الجرائم ليست بازدياد مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي والوضع الأمني في طرابلس أفضل بكثير”. كما اكد ان “الوضع في مخيمات السوريين مضبوط بشكل جيد جدا”. وقال ان “ملف النافعة في عهدة القضاء وأنا لا أعرقل المسار القضائي” .
وفي هذا السياق أفادت مصادر قضائية “النهار” بأنّ عدد الموقوفين في ملف هيئة إدارة السير(الميكانيك) في الدكوانة والأوزاعي، والذي تحقّق فيه أولياً المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب وتُحيل من تأمر بتوقيفهم على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، الذي يستجوبهم تباعاً، بلغ 42 موقوفاً. وتصدر مذكّرات التوقيف اللازمة في حقّهم بجرم رشوة وإثراء غير مشروع وتزوير، وفق ادعاء القاضية الخطيب.
وكان وزير الداخلية استجاب لطلب القضاء بإعطاء الإذن لملاحقة رئيسة الهيئة هدى سلوم. وذكرت المصادر نفسها أنّ المحامية العامة الاستئنافية في الجبل ستستدعي سلوم إلى جلسة تبعاً للموافقة على الإذن للتحقيق معها