وترى "الإيكونميست" أن الانهيار التام للعلاقات أمر غير مرجح تماما رغم "تآكل" صفقة "النفط مقابل الأمن" التي دعمت علاقة واشنطن بالرياض على مدى عقود.
وقال التقرير إنه "لا أحد يعرف ما الذي سيحل محلها" في إشارة إلى "النفط مقابل الأمن" التي رسخت علاقات الولايات المتحدة بدول الخليج العربي.
منذ 5 أكتوبر، عندما قررت منظمة البلدان المنتجة للنفط (أوبك) وحلفاؤها، المعروفة باسم "أوبك بلاس"، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا ابتداء من نوفمبر، تراجعت العلاقات بين الولايات المتحدة والرياض إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، وفقا للمجلة.
ويبدو أن الديمقراطيين في واشنطن مصممون على التخلي عن شريكهم طوال 77 عاما، كما يقول تقرير "الإيكونميست"، الذي أشار أيضا إلى أن دول الخليج غاضبة مما تعتبره "لهجة أميركا الساخرة التي لا تتحلى بالاحترام".
واتهم الرئيس جو بايدن السعودية بالانحياز إلى جانب روسيا، لأن الأسعار المرتفعة ستنعش خزانة فلاديمير بوتين قائلا: "ستكون هناك بعض العواقب" على المملكة.
كما أعلنت الإدارة الأميركية أنها "ستعيد تقييم" العلاقات بين واشنطن والرياض على خلفية هذا القرار الذي كان يفوق توقعات المحللين.
وردت وزارة الخارجية السعودية على تعهد بايدن، بإعادة تقييم العلاقات مع الرياض بعد قرار تحالف أوبك بلاس ببيان "غير عادي"، اتهم الولايات المتحدة بتشويه الحقائق، قائلا إن البيت الأبيض طلب تأجيل التخفيض لمدة شهر.
"عالقون بتعاسة"
وكانت السعودية تصر على أن القرار يأتي في إطار "اقتصادي بحت" ولا يتعلق بالسياسة، حيث يرى الديمقراطيون في واشنطن أن السعوديين يريدون مساعدة الجمهوريين في الانتخابات النصفية؛ لأن ارتفاع أسعار النفط يضر بالإدارة الحالية.
ووقفت دول الخليج الأخرى في صف السعودية وأصدر ت بيانات تدعم الرياض. وقالت الكويت والبحرين، وكلاهما عضوان في تحالف أوبك بلاس وشريكان للولايات المتحدة، إنهما يتفقان على خفض الإنتاج.
وحتى الإمارات، التي تختلف أحيانا مع السعودية بشأن سياسة النفط، قدمت دعما علنيا للرياض.
وعلى هامش مؤتمر عُقد في أبوظبي خلال وقت سابق من هذا الشهر، كان أحد المسؤولين التنفيذيين الإماراتيين في مجال الطاقة غاضبا من ردة فعل واشنطن على خفض إنتاج الخام.
ويعتقد المسؤول أن ذلك ينم عن خطاب من الحقبة الاستعمارية. وقال متذمرا: "من هذا؟ من هو جو بايدن؟ هذه هي مواردنا".
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، أن على الديمقراطيين أن "يستيقظوا" ويقبلوا أن الخليج بات "مستعدا لقول لا لأميركا".
علي الشهابي، المحلل السياسي السعودي المقرب من الديوان الملكي، تساءل عما إذا كانت المملكة ستنسحب من منظمة الأوبك، وتشكل تحالفا خاصا أصغر.
وقال: "يمكن أن تعمل السعودية بسهولة دون أوبك وتنسيق الإنتاج مع اثنين أو ثلاثة لاعبين رئيسيين بشكل خاص".
في سياق متصل، يقول مارتن إنديك، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط للرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تراجع عن التزامه لبايدن بتوفير نفط إضافي.
"كان هذا هو الالتزام الذي قطعه ولي العهد عندما كان الرئيس (بايدن) هناك. لكن كان هناك اتفاق على عدم الاعلان عن التفاصيل. لم يفوا بهذا الالتزام"، كما يقول إنديك في حديثه عبر الإنترنت لفعالية ترعاها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
ووصف إنديك عدم استعداد السعودية للنظر في الصورة الأكبر أو علاقتها مع الولايات المتحدة على أنها مسألة "إشكالية للغاية".
ويشير تقرير "الإيكونميست" إلى أن السعوديين وجيرانهم لا يرغبون في التنازل عن المليارات من العائدات لمساعدة حزب بايدن في الفوز ببضعة أصوات إضافية.
ويرغب معظم الأميركيين بعد عقدين من الحروب الكارثية في المنطقة في الابتعاد عنها. ويأمل بعض المسؤولين الخليجيين أن تؤدي رئاسة دونالد ترامب المحتملة عام 2025 إلى تقوية العلاقات مع واشنطن، ومع ذلك، فإن جناحه في الحزب الجمهوري ليس حريصا على حماية دول الخليج النفطية.
على الرغم من إحباطاتها من الولايات المتحدة، إلا أن دول الخليج ليس لديها بديل جيد، إذ لا يمكن لروسيا أن تقوم بدور الحامي والمورد للأسلحة.
ومع تعثر جيشه في أوكرانيا، يحتاج بوتين إلى أي أسلحة يمكن أن ينتجها اقتصاده الذي تعيقه العقوبات بتأثير معاركه الخاصة. كما لا تقدم روسيا سوى القليل من الآفاق للتجارة والاستثمار.
وتعتبر الصين شريكا أكثر فائدة، حيث لا تنزعج من مسائل حقوق الإنسان، كما أن بكين مصدر كبير للاستثمار، لكنها غير معنية بضمان أمن الخليج. والصين مثل روسيا، تحافظ على علاقات ودية مع إيران، الخصم اللدود لدول الخليج العربي.
لذلك، فإن أميركا ودول الخليج "عالقون مع بعضهم البعض بتعاسة" في الوقت الحالي على الأقل.