قلّ ان كانت بكركي صارمة بمواقفها الى هذه الدرجة، وقلّ ان سمّت الامور بأسمائها بهذا الوضوح من دون توريات او تلميحات ، كما هي تفعل اليوم. هذا الاسلوب تعتمده عند مقاربتها قضايا اساسية كبرى تعنى بلبنان الكيان (الذي أسسه الصرح عام ١٩٢٠) وبوجوده وبقائه. فبهذه اللغة الصريحة صيغ بيان المطارنة عام ٢٠٠٠ للمطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان، وبتطبيق الطائف، ومن روحيته ينهل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم لكتابة عظاته وتحديد مواقفه من الاستحقاق الرئاسي، لما ستكون لحصوله او تطييره، من اهمية مصيرية بالنسبة الى لبنان الوطن والنموذج والرسالة، وذلك بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ"المركزية".
امس، وبعد ان صوب منذ ايام على نظرية اشتراط التوافق المسبق على مرشح للدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي يعتمدها رئيس مجلس النواب نبيه بري، انتقد الراعي عقبةً جديدة توضع في دواليب الاستحقاق، وتكمن في شعارات التغيير.
فقال : الشعب ينتظر الخروج من أزماته المتراكمة واستعادة دوره تجاه ذاته ومحيطه، لكنه لا ينظر بارتياح إلى شعار التغيير، إذ يخشى تمويهه بين حدين: تغيير أسماء من دون تغيير شوائب النظام، وتغيير النظام التاريخي والديمقراطي من دون إسقاط نظام الأمر الواقع. فلا بد من إيجاد الحلول الصحيحة لخير لبنان وشعبه. وانتظر الشعب وينتظر الى أن تصوب المبادرات الأجنبية إلى جوهر الأزمات في لبنان. ولكن يبدو أنها غضت النظر ربما عمدا عن هذا الجوهر، فباءت تلك المبادرات بالفشل. وفيما يقدر شعب لبنان مبادرات الدول الصديقة، يهمه أن تصب هذه المبادرات في خلق مشروع حل لبناني متكامل يحسن علاقات اللبنانيين ببعضهم البعض، لا أن تحسن علاقات هذه الدول الأجنبية ببعض المكونات اللبنانية على حساب أخرى، ولا أن تحسن علاقاتها بدول إقليمية على حساب لبنان. الحل المنشود يقوم على وحدة الولاء للبنان، وعلى السيادة والاستقلال؛ وعلى الحياد واللامركزية الموسعة، ونظام الاقتصاد الحر؛ وعلى الانفتاح على المحيط العربي والإقليمي والعالمي، وعلى تطوير الحياة الدستورية انطلاقا من اتفاق الطائف بتنفيذه روحا ونصا".
ووفق المصادر، ليس الاعتراض الروحي هذا على مفهوم التغيير الذي يعتمده النواب ال١٣،حصرا، بل هو يرى ان ثمة دولا خارجية تقارب ايضا الانتخابات الرئاسية بالخفة عينها، حيث تطرح رئيسا من خارج الاصطفافات التقليدية، وتريده بلا لون او نكهة او رائحة، اي خال من الدسم السياسي السيادي الحريص على استقلال لبنان وهويته ودولته وتاريخه، تماما كما يفعل اليوم نواب التغيير في الداخل.
هذا التوجه لا يرضي الكنيسة المارونية، التي قالت بصراحة امس على لسان الراعي انها ترفض رئيسا من هذه الطينة الرمادية الباهتة، وهي بهذا الموقف تلتقي مع القوى والاحزاب والشخصيات السياسية المعارضة التي ترفض رئيسا "ابو ملحم". عليه، هل سيدرك اهل هذا الخط واهل التغيير كيف يصوبون البوصلة ليضعوا خطة متينة توصل رئيسا قويا فعلا وقولا، انقاذيا وقادرا وصاحب موقف، الى بعبدا ؟