06-10-2022
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
خلقت الأزمة بتعقيداتها المتشعبة «مذهباً» جديداً في الحكم ينادي بـ»الإصلاح للإصلاح»، بتطبيق حرفي لنظرية «الفن للفن». فعلى غرار النظرية الأخيرة التي قطعت الصلة بين الفن والمجتمع، ودفعت بروادها إلى تجاهل مطالب عصرهم، تتجه السلطة لإنجاز «فرض» القوانين والتشريعات الاصلاحية لمجرد أنها مطلوبة منها. وذلك بغض النظر عن توقيتها المتأخر، وانعكاساتها المستقبلية، والانتقادات المنطقية التي تطالها، والعجز عن تنفيذها بفعالية على أرض الواقع.
على رأس هذه القوانين الاصلاحية يأتي مشروع قانون «إطار لإعادة هيكلة القطاع المصرفي»، الذي أودع الحكومة بعد إنجازه من «المركزي»، ولجنة الرقابة على المصارف، حيث من المتوقع أن تتبناه الحكومة «عالعمياني»، وتحيله إلى مجلس النواب. وهناك تستعر الخلافات و»يستأسد» اللوبي المصرفي في مهاجمته، بأنياب المصالح الشخصية ومخالب التحجج بحقوق المودعين. فيسقط القانون، ونظل نراوح مكاننا إلى أبد الآبدين.
القوانين لا تشرّع الضرر
القانون الذي يتضمن ما يطلق عليه باللغة الانكليزية مصطلح banking resolution law، تصفية البنوك، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي « Restructuring the banking sector» يعني بمفهومه الواسع تقرير السلطات أن البنوك متعثرة ولا يمكنها المرور باجراءات الافلاس العادية دون الاضرار بالمصلحة العامة والتسبب في عدم الاستقرار المالي فتقرر حل أو تصفية البنوك». إلا أنه بالمنطق «يستحيل إقرار هذا الاجراء بقانون»، بحسب رئيس «الجمعية الاقتصادية اللبنانية»، والمدير السابق في صندوق النقد الدولي، د. منير راشد، «لانه ببساطة، لا يمكن للقانون أن يشرّع إلحاق الضرر بشريحة كبيرة من المواطنين المتمثلين بكل المودعين».
إعادة التوازن للنظام المالي المطروح كمشروع قانون يجب أن يأتي بعد تحقيق سلة من الاصلاحات وفي مقدّمها «تحرير سعر صرف العملة الوطنية بشكل كلّي»، من وجهة نظر راشد، فـ»القانون المراد تشريعه سيمحو البنوك بعد شطب رساميلها. خصوصاً أنه يعتبر أن استعمال رساميل البنوك هو الخطوة الاولى في تحمل الخسارة. ويشرع من الجهة الاخرى محو 80 مليار دولار من الودائع. وعليه فان قانون حل البنوك واعادة هيكلتها هما تشريعان سابقان لأوانهما لايجاد الحلول للأزمة. خصوصاً أن تشريع هذه الاجراءات في قانون يقطع الطريق على رفع الدعاوى من أجل تحصيل الحقوق. وهذا اخطر ما في القانون».
إجراءات مسبقة
قبل الشروع بمثل هذه الإلتزامات التي على لبنان اتخاذها من أجل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يرى راشد أن «هناك مجموعة من الاجراءات المسبقة التي يجب اعتمادها»، ومنها:
- إعتماد سعر الصرف العائم، Floating exchange rate. من شأن هذا الاجراء أن ينهي التعامل بـ»اللولار»، وتحويل كل التعاملات المالية بين الدولة و»المركزي» والمصارف التجارية والمواطنين على أساس سعر صرف السوق الحقيقي، فتسحب الودائع من المصارف بالدولار أو بالليرة على سعر صرف السوق، وتسدد في المقابل الإلتزامات على السعر نفسه. وفي حال كانت الليرة غير متوفرة بالكميات المطلوبة، تعطى المبالغ بواسطة بطاقات الاعتماد أو دفاتر الشيكات. وهكذا تنتفي الحاجة إلى المطالبة بسحب كامل الودائع دفعة واحدة وتعود الثقة تدريجياً بين المواطنين من جهة، والنظام المصرفي والدولة من الجهة الثانية. إلا أن هذا الاجراء يتطلب السماح للمصارف بشراء الدولار من الجمهور، وذلك بعدما أقصاها مصرف لبنان بالتعاميم عن مثل هذا الفعل، لأن من شأن شرائها الدولار على السعر الحقيقي بالليرة من الذين يرغبون ببيعه، اعادة تكوين مبالغ بالعملة الاجنبية يمكن تحويلها للخارج لبقية المودعين الراغبين.
- إعادة جدولة الودائع بدلاً من تشريع قانون تقييد الودائع capital control. فالودائع في المصارف التجارية تمثل أصولاً للمودعين، وخصوماً على المصرف. وعندما تتم جدولتها على أساس ما كانت عليه في العام 2018 على سبيل المثال، أي تسييل جزء منها في الحساب الجاري والابقاء على المتبقي مجمداً إلى حين، يخف الضغط على المصارف وتصبح قادرة على الوفاء بمطلوباتها.
- الوصول إلى موازنة متوازنة. وهذا الشرط لا يمكن تحقيقه من دون تعويم سعر الصرف. الامر الذي يؤدي إلى زيادة الرواتب تلقائياً في مقابل زيادة ايرادات الدولة، نظراً لكونها تسدد على قيمة حقيقية وليس مختلقة أو وهمية.
لا وجود لـ»الفجوة»
في حال تحقيق مثل هذه الشروط «تنتفي الحاجة إلى تصفية البنوك»، برأي راشد. أما في ما يتعلق بالفجوة النقدية المقدرة بـ 72 مليار دولار بحسب الخطة الحكومية، فهو يرفض اعتبارها فجوة، بل «ديناً أو أصولاً للمصارف، على المصرف المركزي. وعلى الاخير أن يعيد هذه المبالغ بغض النظر إن كان قد استخدمها بشيء مفيد، أو ضيّعها على الدولة. ومن جهة أخرى هناك دين على المصارف من قِبل الدولة، متمثل بسندات الخزينة و»اليوروبوندز»، وعليها إرجاعها إلى المصارف. إنطلاقاً من هنا يعتبر راشد أن «مبلغ 72 مليار دولار هو التزام على مصرف لبنان والدولة، وعليهما إيجاد التوليفة المناسبة لارجاع هذا الدين. حيث من الممكن إعادة جدولته وتقسيطه على مدار السنوات اللاحقة. وفي هذه الحالة تحل المشكلة تلقائياً. وإذا كان هناك من مصرف لا يزال عاجزاً عن إعادة الاموال للمودعين من خلال رسملة نفسه وإعادة جدولة ديونه وهيكلة إدارته، فيعطى مهلة 6 أشهر قبل تصفيته أو عرضه للبيع أو الاستحواذ عليه من قبل مصرف أكبر. وبهذه الطريقة تنتفي المشكلة. وهذه العملية يفترض بها أن تجري بشكل طبيعي، كما حدث في الماضيين القريب والبعيد مع كل من «بنك المدينة» و»جمّال»... وغيرهما».
راشد الذي يشدد على أن أول اجراء يجب اعتماده هو تعويم الليرة، يعتبر أن «عدم تحرير سعر الصرف يعود إلى جهل فوائده. فتحرير سعر الصرف، يحل 80 في المئة من المشاكل التي نتخبط فيها بشكل تلقائي. والغريب أننا كمواطنين ومودعين نقبل بسعر صرف السوق للشراء، ولا نقبل به لتحصيل حقوقنا. وهذه قمة التناقض التي تؤدي إلى اختلال التوازن بكل شيء في البلد. وعندما ينعدم التوازن يكون السقوط حتمياً.
إعادة الهيكلة التي وضعت على نار حامية، تثير الخشية من احتراق الطبخة. ليس لان إقرار القانون بالوضع الذي وصل اليه لبنان لم يعد مفيداً، إنما بسبب التمييع وتعمد حرق المهل التي قد ترافق مثل هذا الاجراء المصيري.
أخبار ذات صلة
محليات
الخليل: لا مشروع قانون