صحيح ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لم يسم رئيس مجلس النواب نبيه بري بالاسم، الا ان ما قاله في عظته أمس عن طرح "تأمين التوافق كشرط لانتخاب رئيس للجمهورية"، بدا بقوة، مصوبا نحو "الاستيذ".
الراعي وفي كلام واضح ومباشر ومن العيار الثقيل، سأل: بأي راحة ضمير، ونحن في نهاية الشهر الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، والمجلس النيابي لم يدع بعد إلى إي جلسة لانتخاب رئيس جديد، فيما العالم يشهد تطورات هامة وطلائع موازين قوى جديدة من شأنها أن تؤثر على المنطقة ولبنان؟ صحيح أن التوافق الداخلي على رئيس فكرة حميدة، لكن الأولوية تبقى للآلية الديمقراطية واحترام المواعيد، إذ إن انتظار التوافق سيف ذو حدين، خصوصا أن معالم هذا التوافق لم تلح بعد. إن انتخاب الرئيس شرط حيوي لتبقى الجمهورية ولا تنزلق في واقع التفتت الذي ألم بدول محيطة. لا يوجد ألف طريق للخلاص الوطني والمحافظة على وحدة لبنان بل طريق واحد، هو انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع لا بالاجتهاد، وبدون التفاف على هذا الاستحقاق المصيري. إن الدساتير وضعت لانتخاب رئيس للجمهورية، لا لإحداث شغور رئاسي. فهل الشغور صار عندنا استحقاقا دستوريا، لا الانتخاب؟
بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ"المركزية"، فإن هذا الموقف الصادر عن اعلى مرجعية روحية مسيحية في البلاد يشكّل ردا على حديث بري في جلسة مجلس النواب الاخيرة عن ضرورة تأمين حد ادنى من التوافق قبل ان يوجّه الدعوة الى جلسة الانتخاب. وبكركي اعلنت امس بصراحة، رفضها هذه المعادلة التي رأت فيها، وإن لم تقلها بالمباشر، وسيلة للهروب الى الأمام وتمديد عمر الشغور في الرئاسة الاولى.
وفي وقت لا تستبعد ان ترد عين التينة، بالمباشر او من خلال موفد ما او ربما عبر اوساطها، على كلام الصرح، لتوضحَ اهدافها من التأخير في الدعوة الى الجلسة، تشير المصادر الى ان الراعي لم يكتف برفض شرط "التوافق"، بل ذهب أبعد، نحو التحذير من ان في هذا السلوك إقصاء للدور المسيحي عن الساحة السياسية اللبنانية، حيث قال: إن أي سعي لتعطيل الإستحقاق الرئاسي إنما يهدف إلى إسقاط الجمهورية من جهة، ومن جهة أخرى إقصاء الدور المسيحي، والماروني تحديدا عن السلطة من جهة أخرى، فيما نحن آباء هذه الجمهورية ورواد الشراكة الوطنية. لذا، إذا كان طبيعيا من الناحية الدستورية أن تملأ حكومة مكتملة الصلاحيات الشغور الرئاسي، فليس طبيعيا على الإطلاق ألا يحصل الاستحقاق الرئاسي، وألا تنتقل السلطة من رئيس إلى رئيس.
تحت هذا السقف، تلفت المصادر إلى ان حملة بكركي لاستعجال الانتخابات، ستتكثف في قابل الايام وستنضم اليها في ضغطها هذا، القوى السيادية الوطنية عموما والمسيحية خصوصا. وعليه، لا تستبعد المصادر ان يقرر بري توجيه الدعوة لكن بعد انجاز عملية تشكيل الحكومة، ليبرّئ نفسه ويغسل يديه من تهمة التعطيل، تختم المصادر.