26-09-2022
مقالات مختارة
|
الأخبار
استكمالاً للأزمة الحكوميّة المنبثقة عن إشكالية تشكيل الحكومة ومدى امكانية حكومة تصريف الاعمال في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية خلال فترة الشغور الرئاسي، نُقل أخيراً عن مصادر الرئيس ميشال عون أنه «في حال عدم تشكيل الحكومة سيعمَد قبل يوم من نهاية ولايته إلى إصدار مرسوم بقبول استقالة الحكومة (وهو مرسوم يصدر عادة يوم صدور مرسوم تأليف الحكومة الجديدة)، لكنه سيصدره من دون تشكيل حكومة جديدة. وفي هذه الحالة، تصبح حكومة ميقاتي الحالية غير مكلفة بتصريف الأعمال، وبالتالي تفقد شرعيتها ولا يحقّ لأي وزير فيها القيام بأي عمل في وزارته، ما يعني تعطيل السلطة التنفيذية بصورة تامة، وإجبار هؤلاء على الإتيان إلى عون لتشكيل حكومة يوافق عليها هو، فيوقّع مرسوم تأليفها»..
إلّا أنّ هذا التحليل، برأينا، لا يستقيم مع المنطق الدستوري، وذلك للأسباب التالية:
- ينطلق اصحاب هذا التحليل من المادة 53 القديمة، قبل التعديل الدستوري الصادر عام 1990، عندما كان في مقدور رئيس الجمهورية اقالة الحكومة متى شاء، وإصدار تكليف للحكومة المُقالة او المستقيلة، عملاً بالعرف او التقليد المتبع آنذاك، يقضي في إمكان تصريف الاعمال خلال الفترة الفاصلة ما بين استقالة او اقالة الحكومة وتأليف حكومة أخرى، أمّا بعد صدور التعديل الدستوري، عبر المادة 69 من الدستور، فصارت حالات استقالة الحكومة واعتبارها مستقيلة محددة على وجه الحصر، وبصورة حكميّة، ومن دون تدخل إرادة أخرى لا سيما عند بدء ولاية رئيس الجمهورية أو بدء ولاية مجلس النواب، حينئذٍ يُصبح صدور مرسوم قبول استقالة او اعتبارها مستقيلة بحسب بالفقرة الخامسة من المادة 53 إجراءً شكلياً لا يُحدّد أو يحجب الكيان الدستوري للحكومة الفاقدة أصلاً للمسؤولية البرلمانيّة أو السياسيّة.
- وإن إستقر العرف على تأخير صدور مرسوم استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، إلى حين صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، وصدور تكليف من قبل رئاسة الجمهورية بوجوب تصريف الاعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذا الاستقرار كان امتداداً للتقليد المُتبع قبل اقرار التعديلات الدستورية الصادرة عام 1990، حيث كرّس المشرّع الدستوري، عبر هذه التعديلات، نظريّة تصريف الأعمال بنصٍ دستوري (نصّ المادة 64 الجديدة)، بمعزل عن بيان التكليف الصادر عن رئيس الجمهورية الّذي يُعلن عن وضعيّة دستورية ناجمة عن استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، انما لا يُنشئها كما كان يجري قبل التعديل الدستوري، ما يعني أن مفهوم «تصريف الاعمال» يجد أساسه ومفعوله في الدستور لا في تكليف رئاسي، وبالتالي إن إمتناع رئيس الجمهوريّة عن إصدار بيان «التكليف بتصريف الاعمال» لا يُسقط هذا الالتزام عن الحكومة عملاً بالفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور: «لا تمارس الحكومة قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال».
- إنّ تأكيد المشرّع الدستوري، في الفقرة الخامسة من المادة 53 من الدستور، في صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، هو من قبيل الاعلان الفعلي أو الحكمي للاستقالة وتالياً لإنهاء الحياة القانونية لحكومة مكتملة الاركان وليس لحكومة تصريف أعمال المُكرّس وقوعها بصراحة المادة 64 من الدستور، وعلى ذلك فإن التزام «تصريف الأعمال» يترتب منذ لحظة توافر حالات المادة 69 من الدستور، لا منذ صدور مرسوم قبول استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، وإلا لو كان الأمر على هذا المنوال، لأضاف الدستور هذه الصلاحيّة من ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية تماما كما فعل في المواد: 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59.
ويصمد هذا التحليل في تأكيد مجلس شورى الدولة، في قرار 522 تاريخ 5/5/ 1999، بأن صلاحيات الحكومة تقتصر على تصريف الاعمال منذ تاريخ اعلان تقديم الاستقالة.
- إنّ القول بجواز إمكانية رئيس الجمهورية في إنهاء «تصريف الأعمال» يُعطل مقتضيات الدستور، ذلك أن الفراغ غير متحقق في الحكم وفق منطوق المادتين 62، 64 من الدستور، فتصريف الأعمال ليس امتيازاً معطى للرئيس أو لسائر المؤسسات الدستوريّة، انما هو التزام اقتضاه مبدأ دستوري اساسي وهو مبدأ استمرارية المرافق العامة او المؤسسات الدستوريّة، فبدونه تُهدَّد حياة وديمومة الدولة، حيث جرى تأكيده في اجتهاد المجلس الدستوري من حيثيات ذات صلة بمفهوم الاستمرارية بالقول: إن انتظام أداء المؤسسات الدستورية هو اساس الانتظام العام في الدولة، ويقتضي قيام كل مؤسسة دستورية، ودون ابطاء، بالمهام المناطة بها، ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وان الفراغ في المؤسسات الدستورية يتعارض والغاية التي وجد من اجلها الدستور، ويهدد النظام بالسقوط ويضع البلاد في المجهول (المجلس الدستوري القرار رقم 7/2014 تاريخ 28/11/2014 بشأن الطعن بقانون تمديد ولاية مجلس النواب)، والأمر نفسه نجده في ما قضى به مجلس شورى الدولة بأن نظرية تصريف الاعمال هي نظرية معدة للتطبيق خلال فترة زمنية محددة انتقالية يجب ان لا تتعدى الاسابيع او حتى الايام. وان تمددها لفترة اطول لا بد ان ينعكس على مفهومها برمته حتى يستطيع تحقيق الهدف منها وهو تأمين استمرارية الدولة ومصالحها العامة ومصالح المواطنين. فإذا امتدّت هذه الفترة الانتقالية لعدة أشهر فانه يصبح من الواجب التعامل مع هذا الواقع بشكلٍ يسمح للحكومة تأمين استمرارية المرافق العامة وتأمين مصالح المواطنين التي لا يمكن ان تنتظر لمدة اطول، خاصة اذا كانت ممارسة تلك الحقوق ناتجة عن اعمال ادارية قانونية مستوفية لكافة الشروط المفروضة في القوانين والانظمة وهي تؤمن مصالح فردية مشروعة دون ان يكون لها الطابع التنظيمي العام او تحد من حق الحكومة المقبلة في ممارسة صلاحياتها الاستنسابية (م.ش. قرار رقم : 349/2014-2015 تاريخ 23/2/2015 طانيوس يونس ورفاقه/ الدولة).
بناءً على ذلك، لا يستطيع رئيس الجمهورية، بذريعة إمتناع الرئيس المكلف عن تشكيل سلطة دستورية، أن يُنهي مؤسّسة قائمة بذاتها، فالظروف الّتي تمرّ بها البلاد تستلزم أن تتداعى كلّ المؤسسات والصلاحيات في ما يخدم المواطنين لا بما يعيق هذه المؤسسات، ما يُلزم مجلس النواب المنبثق عن الشعب أن يتحمّل مسؤولياته إزاء هذه المسائل الدستورية بكثيرٍ من المنطق والتجرّد عن مصلحة هنا أو هناك، ويتخذ موقفاً حاسماً سواء في تعديل مواد الدستور أو في تفسيرها منعا للاختلالات بين الحين والآخر.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار