عالميات
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف: "تدعم موسكو فكرة تنظيم اجتماع لوزيري خارجية تركيا وسوريا.. ونحن على استعداد للمساعدة في عقده إذا لزم الأمر"، مضيفا: "نرى أن الاجتماع سيكون مفيدا. نحن نتحدث عن إقامة اتصالات بين الجانبين، وحاليا تجري الاتصالات على المستويين العسكري والاستخباراتي".
ومنذ قمة "سوتشي" التي جمعت بوتين ونظيره التركي، رجب طيب إردوغان بدت روسيا كرابط وحيد ما بين أنقرة ودمشق يحاول الدفع باتجاه إعادة العلاقات بينهما، لاعتبارات يراها مراقبون تستهدف "الربح" من جهة، بينما تقود في منحى آخر إلى نوع من "المخاطرة" من جهة أخرى.
وحتى الآن لا تعرف بالتحديد الأهداف التي تريدها موسكو من هكذا نوع من التقارب، وعما إذا كانت ستنجح في إحداث أي خرق في العلاقة المتوترة منذ سنوات طويلة بين تركيا والنظام السوري.
ورغم ما رشح خلال الأسابيع الماضية، والمواقف التي أدلى بها المسؤولون الأتراك واعتبرت "متغيرة على نحو كبير"، ومن ثم الكشف عن اللقاءات الاستخباراتية بين الجانبين، إلا أن طبيعة الملفات "الخلافية والعالقة" بينهما قد تجعل من أي عملية مصالحة "صعبة في المدى القريب"، وفق مراقبون أتراك وسوريون وروس تحدث إليهم موقع "الحرة".
وبينما كان وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، قد أعلن في أغسطس الماضي، أن دمشق تريد "استحقاقات من أنقرة"، وأنه يجب على الأخيرة الانسحاب من سوريا وعدم البقاء "حتى في ميليمتر واحد" اعتبر نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، قبل يومين، أن هذه الكلمات "غير واقعية".
وقال جاويش أوغلو للصحفيين: "إنه ليس تصريحا واقعيا (في إشارة لتصريحات المقداد). إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم فلن يحكم النظام هناك وستهيمن المنظمات الإرهابية. هذا خطر علينا، وخطر على النظام. لذا فهي في الواقع مخاطرة على سوريا".
وذكّر الوزير التركي أنه أبلغ نظيره المقداد أنه "ومن أجل تحقيق السيطرة على هذه المناطق، يجب تحقيق المصالحة داخل البلاد".
وعلى اعتبار أن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق لن تكون بـ"الأمر السهل"، إلا أن هناك تساؤلات تطرح بشأن ما شهدته الأسابيع الماضية، من مواقف تركية متتالية، وخاصة من جانب المسؤولين الكبار، رجب طيب إردوغان ووزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو.
وبينما أعلن جاويش أوغلو في البداية عن "ضرورة تحقيق مصالحة بين النظام السوري والمعارضة، بطريقة ما"، جاءت تصريحات إردوغان الأخيرة والتقارير التي كشفت عن لقاءات أمنية أجراها رئيس استخباراته، حقان فيدان، في دمشق لتفضي عن مشهد جديد بعنوان: ما المتوقع غدا؟
ويرى محلل الأمن والسياسية الخارجية التركية، عمر أوزكيزيلجيك، أن البيانات التركية والتقارير الإعلامية حول مضمون الاجتماع الاستخباري وتصريحات إردوغان بشأن بشار الأسد تشير في جميعها إلى أن "تركيا تصعد من لعبتها في المحادثات مع دمشق".
ومن خلال القيام بذلك، فإن تركيا "تستدعي خدعة روسيا، وتختبر الأجواء مع دمشق وتستثمر في الانتخابات التركية"، بحسب تعبير الباحث.
ويقول لموقع "الحرة": "يخدم الخطاب التركي تجاه دمشق هدفين رئيسيين: الرد على الضغط الروسي، ومعالجة الاعتبارات السياسية الداخلية".
وقد جادلت أحزاب المعارضة التركية بأن المصالحة مع نظام الأسد ستسهل عودة اللاجئين إلى سوريا، وأن "عناد الحكومة التركية هو العقبة الوحيدة".
ويضيف أوزكيزيلجيك: "يبدو أن الناخبين الأتراك يقبلون هذه الحجة. لكن عندما يتعلق الأمر بنظام الأسد، لا أعتقد أنه سيكون على استعداد للقيام فقط بإيماءة سياسية تجاه الرئيس التركي، خاصة قبل 10 أشهر من الانتخابات".
في المقابل اعتبر المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري، أن هناك بالفعل "معلومات عن وجود تقارب سوري- تركي، سواء من خلال تصريحات، جاويش أوغلو، أو بعد الكشف عن الزيارة التي أجراها، حقان فيدان، إلى دمشق، لمناقشة القيادة الأمنية في سوريا، حول التعاون المشترك فيما بينهم".
ومع ذلك يقول الأصفري في حديث لموقع "الحرة": "هناك ملفات كثيرة عالقة وشروط سورية، تتلخص بنقطتين: أولا الانسحاب التركي من الجغرافيا السورية وأي تواجد له داخل الحدود. وثانيا الكف عن دعم المجموعات الإرهابية في شمال سوريا"، وفق وصفه.
"هذان الشرطان مدخل لبناء علاقة طبيعية"، كما يضيف الأصفري، مشيرا إلى ملفات أخرى كـ"اللاجئين"، والتي يمكن أن تكون في مرحلة لاحقة "بعد الانسحاب التركي إلى الحدود الدولية".
ومن جانب تركيا تسري تأكيدات على أن ما يجري في الوقت الحالي ينحصر فقط ضمن "نطاق التواصل الاستخباراتي"، وهو ما أكده أيضا، الاثنين، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف.
ولا توجد أي نية لرفع التواصل إلى المسار الدبلوماسي، حسب ما قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، فيما لم يرد أي تعليق من جانب النظام السوري حتى اللحظة.
وما بين هذه المواقف نشرت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية، السبت، تفاصيل ما وصفته بـ"كواليس اللقاءات الأمنية والاستخباراتية بين دمشق وأنقرة".
وتحدثت الصحيفة أن "هناك شروط مطروحة على الطاولة، مثل العودة الآمنة والكريمة، عودة الممتلكات للسوريين، استكمال عملية الدستور الجديد، إجراء انتخابات حرة ومستقلة".
وفي حين أنه من غير المتوقع عقد اجتماع رفيع المستوى على المدى القصير، تضيف الصحيفة أن "وحدات الاستخبارات تواصل حواراتها لخلق الأرضية اللازمة".
ولا يتوقع الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك، "حل المشاكل بين تركيا ودمشق في أي وقت قريب".
ويوضح فكرته بالقول: "من وجهة نظر نظام الأسد، تشكل المعارضة السورية تهديدا وجوديا، في حين أن وحدات حماية الشعب هي مشكلة محلية يمكن حلها من خلال دمج قواتها في الجيش السوري ومنح بعض حقوق الحكم المحلي للأكراد السوريين".
لكن وبالنسبة للأتراك "تشكل وحدات حماية الشعب أولوية قصوى في سوريا، في حين وبالنسبة لنظام الأسد فإن الأولوية هي المعارضة السورية المدعومة من تركيا".
ويضيف أوزكيزيلجيك: "لذلك، لا ينبغي توقع حدوث اختراق في أي وقت قريب. قد تفسح المحادثات على مستوى المخابرات الأرضية لنوع من المفاوضات الدبلوماسية، لكن من غير المرجح أن يقدم نظام الأسد تنازلات تجاه المعارضة السورية".
"إذا فشلت المحاولات التي قامت بها تركيا، فستظهر للجمهور التركي أولا أن حجج المعارضة التركية كانت غير واقعية وستقوي يد تركيا في مواجهة روسيا".
ويتابع الباحث: "بعد ذلك، سيكون من الصعب جدا على موسكو معارضة عملية عسكرية أخرى ضد وحدات حماية الشعب في سوريا، من خلال طلب التنسيق والتعاون بين أنقرة ودمشق".
بدوره يرى الأصفري أن "الحل في أن تحكم الدولة السورية سيطرتها على الحدود، خاصة أن تركيا تشكو من وجود متطرفين أكراد".
واعتبر الأصفري أن "وجود الجيش السوري كما كان سابقا في 2011 هي الضمانة الكبيرة لعدم الهجوم على الأراضي التركية. المصلحة مشتركة وأعتقد أن نرى خطوات كبيرة لاحقا".
بدوره يشكك، أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط "في أن العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد ستكتسب طابعا مختلفا نوعيا".
ويقول لموقع "الحرة": "في رأيي، حتى الآن، كان لدى القيادة التركية ما يكفي من الحديث عن اتصالات سياسية محتملة وثانوية مع نظام الأسد لاعتراض أجندة المعارضة. والحفاظ على المستوى المطلوب من التوقعات في دمشق وموسكو".
ويضيف الباحث: "من الناحية الاستراتيجية، ستكون إدارة إردوغان حريصة جدا على تغيير الاتجاه، مدركا أن المسار السوري مهم للغاية في العلاقات التركية الأمريكية".
في غضون ذلك كان لمحطة "سوتشي" الدور الأبرز في كل ما حصل ما بين أنقرة ودمشٌ، خلال الفترة الأخيرة، إذ أن "التغيّر في السياسة التركية" بدا لافتا عقب اللقاء الذي جمع إردوغان بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في الخامس من أغسطس الماضي.
وقد شهد اللقاء الثنائي طرح بوتين على إردوغان "مقاربة"، مفادها أن تركيا وفي حال تريد تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا يجب أن "تتحدث بخصوصها مع النظام السوري".
والاثنين، جاءت تصريحات ميخائيل بوغدانوف لتؤكد الرؤية الروسية، مبديا استعداد موسكو لتنظيم اجتماع ما بين "جاويش أوغلو والمقداد".
وقد عززت موسكو منذ فترة طويلة عملية التقارب بين أنقرة والنظام السوري، متفهّمة حتمية تعميق اتصالاتهما بسبب الوضع في شرق الفرات.
ويشير الباحث الروسي مارداسوف إلى أنه ومنذ الجولة 13 من محادثات "أستانة" كان المسار الوحيد الذي أبقى المشاركين معا "هو مواجهتهم مع قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي".
من ناحية أخرى، ومع الحرب في أوكرانيا، فإن "الكرملين مهتم بتقليل أي توترات محتملة قد تدفع روسيا إلى تعزيز قواتها بجدية في الاتجاه الجديد".
ويوضح مارداسوف قوله: "بهذا المعنى، فإن تنظيم حوار أوثق بين أنقرة والنظام السوري مفيد لموسكو، لأنه يحتمل أن يقلل من خطر الاشتباكات بينهما، وسط محاولات مستمرة لإضعاف قوات سوريا الديمقراطية".
ورغم هذا التوجه "الرابح"، إلا أن هناك "مخاطرة كبيرة بالنسبة لموسكو".
ويضيف مارداسوف: "في حالة التكامل الوثيق بين النظام السوري والإمارات ودمشق وأنقرة من جهة، والإمارات وتركيا من جهة أخرى سيظهر الأسد المزيد والمزيد من الاستقلال".
وبينما "تتفهم موسكو هذا الخطر"، لكنها و"بالنظر إلى أنها لم تتعلم أبدا كيفية بناء علاقات تحالف قوية حقا، فإن الكرملين سوف يغض الطرف عن ذلك، مطمئنا نفسه بأن أحد أهدافه هو إضفاء الشرعية على نظام الأسد"، وفق ذات المتحدث.
أخبار ذات صلة
عالميات
هل خذل بوتين بشار الأسد؟