مقالات مختارة
|
نداء الوطن
خالد أبو شقرا
خالد أبو شقرا
لم يتطلب رفع الدعم كلياً عن البنزين أكثر من شهر ونصف الشهر على «روزنامة» مصرف لبنان. ففي 27 تموز الفائت، انتقل «المركزي» للمرة الاولى من تأمين الدولار بنسبة 100 في المئة لاستيراد البنزين وفقاً لمنصة «صيرفة»، إلى 85 في المئة. لتكر من بعدها سبحة التخفيضات أسبوعياً، حتى وصلنا بعد 45 يوماً إلى (صفر) دعم على المنصة، و100 في المئة بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية. الأمر الذي أدى إلى احتساب سعر صفيحة البنزين على أساس 35250 ليرة للدولار، ووصولها إلى 638 ألف ليرة، رغم تدني سعر النفط عالمياً عن 90 دولاراً. الجدير بالملاحظة أن السعر المحقق راهناً هو السعر نفسه، الذي سجلته الاسعار في 14 تموز الفائت عند ما كان سعر برميل النفط 100 دولار، ووجود الدعم بشكل كامل وفقاً لمنصة صيرفة.
البيع بالليرة
هاجس المواطنين الاول المتعلق بتحوّل بيع البنزين على المحطات إلى الدولار حصراً، نفاه ممثل موزعي المحروقات فادي أبوشقرا. إذ أكد أن «البيع سيبقى بالليرة اللبنانية، وبحسب جدول تركيب الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة». وهو الجدول الذي يأخذ في الحسبان سعر الصرف في السوق الموازية يوم الاصدار. وفي حال تغير سعر صرف الدولار صعوداً بعد صدور الجدول يتحمل صاحب المحطة الفرق، مثلما سيحقق الربح في حال تراجعه. وبحسب أبو شقرا فان «الإبقاء على جدول تركيب الاسعار لا يؤثر سلباً على آلية التسعير الحر، بل العكس، فهو يحمي المحطات الصغيرة ويضمن استمراريتها في مواجهة المنافسة التي قد تتعرض لها من المحطات الكبيرة في حال تحرير الأسعار بشكل كامل». فالاخيرة أقدر على تخفيض أسعارها نتيجة استفادتها من وفورات الحجم، وقدرتها على التحمل، أو حتى تقديم عروض مغرية كغسيل السيارات، واعطاء الهدايا مع كل تعبئة بنزين… وبالتالي ستجذب اليها المستهلكين وتؤدي إلى تهميش وإقفال المحطات الصغيرة.
انخفاض الطلب يقلل الضغط على الدولار
أمّا في ما يتعلق بزيادة حجم طلب أصحاب المحطات على الدولار فهو لن يختلف كثيراً عن الاسبوع الفائت، حيث كان ينبغي على المحطات تأمين 80 في المئة من الفريش دولار من السوق الموازية. كما أن الطلب على الدولار قد يتراجع بنسب أكبر نتيجة انخفاض الاستهلاك، حيث يلاحظ أبو شقرا «تراجع البيع بنسبة 40 في المئة عما كان عليه في ذروة الصيف عندما كان البلد مليئاً بالمغتربين والسياح». وعليه يقلل أبو شقرا من تأثير رفع الدعم على سعر الصرف.
عرضة للارتفاع الكبير
التحليل المنطقي لآلية العرض والطلب على البنزين، وكيفية انعكاسها على سعر صرف الدولار في السوق الموازية تتعطل في حال استئناف برميل النفط ارتفاعه عالمياً، وعدم تأمين البدائل الجدية للمواطنين. فعلى الرغم مثلاً من وجود دعم بنسبة 100 في المئة على أساس سعر منصة صيرفة المحدد بـ 24900 ليرة في 15 حزيران الماضي، وصل سعر صفيحة البنزين إلى 691 ألفا نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً. وإذا ما طبقنا سيناريو عودة سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً، فان سعر صفيحة البنزين سيبلغ في لبنان 978 ألف ليرة، هذا إذا افترضنا بقاء سعر الصرف في السوق الموازية عند حدود 35250 ليرة.
من جهة ثانية يبدو البنزين سلعة ذات مرونة خفيفة، فارتفاع أسعارها لا يؤدي إلى التراجع عن استهلاكها بنسب مماثلة نتيجة عدم وجود بدائل لها. فالمواطن مضطر إلى استخدام سيارته في ظل انعدام وسائل النقل العامة، وفقدان قطاع النقل الخاص للحد الأدنى من المواصفات المتعلقة بالنظافة والسلامة والانتظام. وهذا ما دل عليه عدم تراجع الطلب على البنزين بأكثر من 14 في المئة من العام 2021 ولغاية منتصف العام الحالي، على الرغم من ارتفاع الاسعار بنسبة وصلت إلى 400 في المئة.
الحل بالإصلاح
هذه الارتفاعات الجهنّمية المترافقة مع عدم توفير البدائل الجدية، لن تمتص ما تبقى من قدرة شرائية من رواتب المواطنين فحسب، إنما ستعقّد المفاوضات بين الدولة، بوصفها أكبر رب عمل، مع موظفيها. فبدل النقل المحدد بـ 95 ألف ليرة، والذي لا تستفيد منه أساساً كل المؤسسات العامة، لم يُقنع موظفي الدولة عندما كان سعر البنزين أقل من 600 ألف ليرة، فكيف الحال اليوم مع رفع الدعم كلياً. فـ»في حال عاد سعر النفط عالمياً إلى الارتفاع أو انهار سعر الصرف محلياً، سوف نشهد ارتفاعاً باسعار البنزين. وستكون تأثيراته بالغة الخطورة»، برأي عضو لجنة المؤشر د. أنيس بودياب. «خصوصاً مع عدم حلحلة إضراب موظفي القطاع العام، وعدم حسم الاتفاق على بدل النقل بشكل كامل مع القطاع الخاص». وعليه يرى بودياب أن «هذا التطور يفرض الذهاب سريعاً إلى إقرار الموازنة، بغض النظر عن مدى سوئها، أقله لكي تكون هناك تقديرات واضحة للنفقات والايرادات المتوقعة تسمح بوضع معالجات تدريجية لرواتب القطاع العام. كما تبرز الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لاقرار القوانين الاصلاحية المطلوبة من لبنان في الاتفاق المبدئي الذي وقعه مع صندوق النقد الدولي، والدخول في برنامج إنقاذي سريع، وإلا فان العواقب ستكون وخيمة». وهي لن تقتصر من وجهة نظر بودياب على استمرار الانهيار الاقتصادي الحر والمتفلت من أي ضوابط، إنما ستتعداه إلى «المخاطر المحدقة بالامن، والوضع الاجتماعي”.
رغم المخاطر المحدقة ما زالت سقوف الخطاب السياسي مقلقة إلى حد كبير. البلد عرضة لفراغين على مستوى السلطتين الاولى والثالثة، والخلافات بين الكتل السياسية تعرقل تمرير أبسط القوانين على مستوى السلطة الثانية. وعليه إن لم يبادر المسؤولون إلى إقرار الحلول المعروفة ووضع الاقتصاد على سكة الاصلاحات السليمة، فان البلد «قد يكون دخل أخطر مرحلة في الانهيار»، برأي بودياب. وعندها لا يعود لكلمة «لو» أي مكان.