07-09-2022
محليات
رياض سلامة أدار، ولا يزال يدير على ما يبدو، ثروات الطبقة الحاكمة ويتحكم بأرصدة كانت قد بلغت ما يزيد عن مئة مليار دولار.
… وبعد تحرك القضاء في أكثر من خمس دول أوروبية للتحقيق معه بتهم الفساد وتبييض الأموال، لا يزال رياض سلامة مقيماً في منتجع يمتلكه على شاطئ بلدة الصفرا في شمال لبنان. هناك حيث يمضي أوقاته في منزل يمتد على مساحة أكثر من ستة آلاف متر. المنزل المؤلف من أربعة فيلات ومطعم وجناح للزوار، صار على الأرجح ملجأه بعد أن ضاقت به المطارات الأوروبية التي طالما صال وجال فيها اثناء تنقّله بين منازله في باريس ولندن ومدن الساحل الفرنسي.
الفضيحة الموثقة الأخيرة كانت الوثيقة التي كشف عنها “درج” وهي عبارة عن طلب من قضاء إمارة ليختنشتاين للقضاء اللبناني للمساعدة في التحقيق بمزاعم فساد وتبييض أموال أقدم عليها حاكم مصرفنا المركزي. والجديد في هذه الوثيقة إشارتها إلى تحويل بقيمة 14 مليون دولار من شركة يملكها طه ميقاتي، شقيق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلى حساب شركة يملكها رياض سلامة! الوصف القانوني لهذا التحويل هو “رشوى” بحسب ما قال المحامي لؤي غندور، ذلك أننا أمام مسؤول رسمي في الدولة يحول مبلغاً إلى مرؤوسه!
كل من عرضنا عليهم الوثيقة جزموا بأن طلب ليختنشتاين وُضع في دُرج المدعي العام غسان عويدات، وأنه لن يجد سبيله إلى التحقيق. “لقد أصبحت الفضائح مملة”، قالت لنا صديقة مودعة، وأطلق ناشط حقوقي آخر ضحكة مدوية وأتبعها بدهشة عندما وصل في قراءة الوثيقة إلى الفقرة التي تشير إلى ميقاتي. وليس مرد الدهشة إلى كشف الوثيقة العلاقة بين الرجلين، إنما إلى عدم حرصهما على تورية العلاقة المالية بوسيط ثالث. فهما لا يشعران بضرورة الحذر على ما قال.
لا بأس،ـ إنها المافيا التي تخجل ولا تواري، فتعمل بـ”شفافية” تحت أنظار من نهبت أموالهم. وهي تقول وتكرر “إن اللبنانيين، ومن بينهم المودعين، عادوا وأوصلونا إلى المجلس النيابي، ما يعني أن من حقنا مواصلة نهب ناخبينا”. ثمة عائق صغير أمام هذه المعادلة يمثلها سقوط المصرفي مروان خير الدين، الرجل الأقرب إلى رياض سلامة، أمام النائب فراس حمدان في الانتخابات النيابية الأخيرة. لا بأس بذلك فـ”حزب الله” يتولى الآن تصويب هذا التعثر عبر طعن في نيابة حمدان تقدمت به كتلته النيابية. لا تقلق أيها الحاكم، المافيا بخير فواصل عملك من على شاطئ الصفرا.
لكن هذا لا يكفي لتفسير ظاهرة بقاء الحاكم في منصبه، والحصانة القضائية التي يتمتع بها. فقبل نحو سنة من اليوم لم تنف السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أمام صحافيين ما يتم تداوله عن أن بلادها لا تحبذ تبديل سلامة. وإذا كان القضاء في سويسرا وفي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأخيراً في ليختنشتاين، قد تحرك في قضايا لها علاقة بأنشطة فساد أقدم عليها الحاكم، فإن السلطات السياسية في هذه الدول ما زالت جزءاً من نظام الحماية التي يتمتع بها الرجل. فصل السلطات في هذه الدول أمر لا نقاش حوله، وسلامة على ما يبدو ما زال يلعب في المساحة التي تفصل بين السلطتين القضائية والسياسية في الدول التي باشر قضاؤها تحركه ضد سلامة
ما زالت الولايات المتحدة الأميركية على رأس الدول التي تحمي سلامة، وهي خلافاً لـ”حزب الله” الذي يمارس تقية في حمايته، لا تنكر ما تقوم به على هذا الصعيد. الدول الأوروبية الخمس أيضاً تمارس أدواراً فصامية حيال سلامة. قضاؤها يتحرك ضده وحكوماتها متمسكة به. هذا المكر هو امتداد لأدوار لطالما أدتها الحكومات الأوروبية عندما يتعلق الأمر بمصالح مالية.
الأزمة الأوكرانية كشفت حجم التعايش بين الدول الأوروبية وبين المافيات الروسية، إلى أن باشر فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا فاستيقظت السلطات الأوروبية وباشرت حجز أملاك زعماء المافيا الروسية ويخوتها الراسية قبالة المنتجعات والسواحل الأوروبية.
ثمة معادلة مشابهة بما يتعلق بالمافيا اللبنانية.
رياض سلامة أدار، ولا يزال يدير على ما يبدو، ثروات الطبقة الحاكمة ويتحكم بأرصدة كانت قد بلغت ما يزيد عن مئة مليار دولار. المصارف السويسرية والمنتجعات الفرنسية وجزر الحمايات الضريبية البريطانية، هي مساحة نشاط كبير لهذه الثروات. اذاً علينا أن نرتاب، وعلينا أن نفسر صمود سلامة بهذه المعادلة، ذلك أن المافيا اللبنانية لا تكفي وحدها لتأمين شروط هذا الصمود.
أخبار ذات صلة
قضاء وقدر
إليكم آخر مستجدات قضية سلامة !