19-08-2022
مقالات مختارة
|
النهار
إن كان اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي برئيس الجمهورية ميشال عون بعد نحو شهر من القطيعة غير المعلنة، بثّ بعض الإيجابيات حيال حلحلةٍ ما قد تطرأ على الملف الحكومي المتعثر، فإن كل المؤشرات والمواقف المرافقة بدت كأنها تصبّ في الواقع في إطار تعويم الحكومة الميقاتية مع تعديلات طفيفة ربما جرى التداول فيها في اليومين الماضيين، فيما بدا في المقابل أن الملف الحكومي عاد ليتقدّم على الاستحقاق الرئاسي.
وما بين الكلام في الحكومة أو الكلام في الرئاسة المستحقة بعد نحو شهرين، أو الكلام الاقتصادي المستجد في الموازنة والدولار الجمركي، يبدو أن عملية ذَرّ الرماد في العيون مستمرة وبنجاح تام، بحيث تشغل الساحة الداخلية بعناوين كبيرة لا ترتكز في الواقع على أيّ معطى جدّي وواقعي في مقاربة الاستحقاقات الداهمة، بل تكرّس حال التخبّط التي تعيش تحت وطأتها البلاد وسط سوء إدارة فاضح للأزمات المتفجرة.
لم يكد الكلام يرتفع عن دولار جمركي تسعى الحكومة المستقيلة الى تسويقه بهدف تحسين جبايتها حتى قفز الدولار في السوق الموازية، وقفزت معه أسعار سلع، فيما تدرس شركات بيع السيارات، وهي الأكثر تأثراً بالسعر الجديد للدولار الجمركي الآثار التي سيرتبها على عمليات البيع، وهي قد بدأت تشهد ارتفاعات تدريجية في الأسعار. وكل ذلك بسبب عشوائية غير مسبوقة في التعاطي الرسمي مع مسألة حيوية كهذه المسألة، من شأنها، إذا أقرّت على عجل ومن دون دراسة آثارها الاقتصادية والاجتماعية، أن تؤدي الى مزيد من التشوّهات الاقتصادية.
لا يحتاج إقرار الدولار الجمركي الى قانون، كما لا يستدعي إدراجه في مشروع موازنة ٢٠٢٢ الجاري درسها بوتيرة سريعة في لجنة المال والموازنة من أجل إنجازها وإحالتها الى الهيئة العامة تمهيداً لإقرارها كإنجاز ثانٍ ضمن الإجراءات المسبقة التي يشترطها صندوق النقد الدولي. لكن ما يحصل من خلال ربطه بالموازنة وبمسألة تحديد سعر الصرف الذي ستُقيّم على أساسه أرقام الموازنة يشير الى حفلة تقاذف المسؤوليات بين الحكومة والمجلس النيابي، انطلاقاً من إدراك تام لدى الجهتين للآثار الجهنمية التي سيتركها رفع الدولار ١٣ مرة على المكلفين وعلى الاقتصاد وعلى الرواتب والأجور المقيمة على دولار يوازي ١٥٠٠ ليرة.
هكذا، تنشغل الساحة الداخلية بالدولار وتغفل الارتدادات الكارثية للعقم السياسي الذي يحكم المشهد ويرسم صورة قاتمة لآفاق المرحلة المقبلة. ذلك أن زيارة ميقاتي لبعبدا التي جاءت في الواقع تلبية لدعوة رئيس الجمهورية خلال اتصال المعايدة الذي أجراه ميقاتي بالرئيس لمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء، حيث قال عون لميقاتي "خلينا نشوفك" وهكذا كان، من دون أن تكون هناك حاجة الى رفع سقف التوقعات، باعتبار أن أيّاً من الرجلين ليس في وارد التراجع عن سقوفه.
وإن كانت دعوة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الى تشكيل حكومة بصلاحيات قد وضعت في سياق رغبة الحزب في تقديم الملف الحكومي على الاستحقاق الرئاسي، ما دفع الى حصول اللقاء بين عون وميقاتي، فإن مصادر سياسية تؤكد أن اللقاء يحتمل أكثر من خلفية، أولاها أن المخاوف من الفراغ الرئاسي بدأت تتعاظم، ويشعر الرئيس المكلف والى جانبه رئيس المجلس أن الفراغ في ظل حكومة تصريف أعمال سيرفع نسبة الاجتهادات الدستورية حول مفهوم تصريف الأعمال وتولي حكومة مستقيلة صلاحيات الرئاسة، ما سيؤدي الى تعطيل أي عمل ممكن في المرحلة المقبلة. وكما بات معلوماً، يركّز رئيس المجلس أولوياته اليوم على الاستجابة لمطالب صندوق النقد تمهيداً لتسهيل آليات التمويل والدعم للبنان من خلال البرنامج المزمع توقيعه مع الصندوق.
أما في حسابات ميقاتي، فهو يبدي مرونة زائدة في مقاربة الملف الحكومي، إذ بعدما كان التعديل يطال وزارة الطاقة، عاد وتراجع عنه واكتفى بتعديل حقيبتين هما وزارتا المهجرين والاقتصاد لأسباب مبرّرة، تاركاً لعون حرّية التسمية والاختيار. وهو بذلك يكون قد قطع الطريق على أي اتهامات تُوجّه إليه بالمماطلة، بعدما رمى الكرة مجدّداً في مرمى بعبدا وينتظر جواب الرئيس، علماً بأن ميقاتي يرغب في تسهيل عملية التأليف من أجل استعادة صلاحيات حكومة فاعلة ونافذة قادرة على ملء أي فراغ رئاسي محتمل.
ولكن ماذا عن بعبدا، وهل يرغب عون وفريقه في تعويم الحكومة، أم يدفع في اتجاه بقاء حكومة تصريف الأعمال التي توفّر له ذريعة البقاء في بعبدا؟ يعزز هذا الانطباع ما ينقل عنه أنه لن يترك القصر لحكومة مستقيلة، ما يعني عملياً، إذا صحّ هذا الكلام، أن عون يضع البلاد أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بتعويم الحكومة، وفي هذه الحال، يترجم حرصه على عدم تسليم البلاد للفراغ، أو يؤكد الانطباع برغبته الضمنية في البقاء في القصر، وفي هذه الحال، يرفض العرض الميقاتي. وفي كلتا الحالين، الكرة في ملعبه، وقرار الفراغ في يده!
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار