12-08-2022
مقالات مختارة
|
المفكرة القانونية
إيلي الفرزلي
إيلي الفرزلي
تتحضّر وزارة الأشغال لإطلاق مناقصة السوق الحرة في مطار بيروت، بوصفها أول مناقصة تُجرى وفق آليات قانون الشراء العام، الذي دخل حيزّ التنفيذ في 29 تموز 2022. فالمناقصة التي أطلقتها إدارة المناقصات وفشلت بسبب ورود عرض وحيد، لن تُعاد في الإدارة نفسها، بعدما لم يعد لها وجود قانوني، واستُبدلت بهيئة الشراء العام.
القانون الجديد ينص على أن تُجري الإدارة المعنية عملية الشراء بنفسها (مناقصة عادية، مناقصة مع تأهيل مسبق، طلب عروض أسعار، اتفاق بالتراضي، شراء بالفاتورة) على أن تمارس الهيئة دوراً رقابياً عليها، كما على كل عمليات الشراء التي تجري في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق والهيئات والبلديات والمرافق العامة، التي تديرها شركات خاصة لصالح الدولة، والشركات التي تملك فيها الدولة حصصاً فيها، وصولاً إلى مشتريات مصرف لبنان باستثناء طباعة وإصدار النقد وتحويلاته.
هذا الدور الرقابي الواسع للهيئة المستحدثة أثار عدداً من الاعتراضات، لاسيما من الجهات التي كانت مستثناة من إخضاع صفقاتها لهيئة المناقصات، والتي اعتادت إجراء الصفقات على هواها، خاصة أن ما كان يجري من صفقات في إدارة المناقصات لا يوازي 5% من الصفقات التي تموّل من المال العام.
المصرف المركزي يمانع رقابة هيئة الشراء العام … باسم استقلاليته
أول الاعتراضات على رقابة هيئة أتى من مصرف لبنان الذي راسل رئاسة الحكومة، في 5 تموز، معتبراً أنه مستثنى من رقابة الهيئة بحجة أن “تطبيق القانون 244/2021 بحذافيره يتعارض مع أحكام المادة 13 من قانون النقد والتسليف. كما يشير الكتاب إلى أن القانون “لم يذكر أن أحكامه تطبق على عمليات الشراء العائدة لمصرف لبنان في كل ما لا يتعارض مع النصوص الخاصة التي ترعى أعمال المصرف المركزي، كما هي الحال مثلاً في الفقرتين 4 و5 من المادة 3 من القانون”. وللذلك طلب من رئاسة الحكومة عرض الموضوع على أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء بغية اتخاذ الإجراءات المناسبة لتعديل القانون 244 من حيث إلغاء الفقرة 6 من المادة 3 منه (“تطبق أحكام هذا القانون على عمليات الشراء التي يجريها مصرف لبنان باستثناء طباعة وإصدار النقد وتحويلاته”)، لتفادي أي تعارض مع استقلالية وهيكلية مصرف لبنان.
وبخلاف رأي “المركزي”، فقد أكدّ رئيس هيئة الشراء العام جان العلية ل “المفكرة القانونية” أن المصرف، بحسب القانون، مُلزم برقابة هيئة الشراء العامّ، ولا يمكنه أن يجري أيّ صفقة من دون إبلاغ الهيئة. ويستند العليّة على الفقرة 6 من المادة الثالثة من قانون الشراء العامّ والتي تخصّ مصرف لبنان في أحكامها، فتشير بوضوح إلى تطبيق أحكام هذا القانون على عمليات الشراء التي يجريها المصرف، مستثنية منها طباعة وإصدار النقد وتحويلاته. أما اعتبار المصرف أن عمليات الشراء لديه تخضع لأحكام قانون النقد والتسليف، فتدحضُه المادة 114 من “الشراء العام”، إذ تشير في الفقرة الخامسة منها إلى “إلغاء أي نص مُخالف لأحكام هذا القانون أو لا يتّفق مع مضمونه”.
هذا الأمر يؤكد عليه العلية أيضاً، معتبراً أن مصرف لبنان أسوة بكل الجهات التي تتم مشترياتها من المال العام خاضع للقانون. كما يؤكد أنه من حيث المبدأ ليس مقبولاً فتح باب الاستثناءات على القانون. ويُوضّح العلية أن خضوع عمليات الشراء لدى المصرف لأحكام قانون الشراء العام لا يتعارض مع استقلالية المصرف وخصوصيته. فعلى سبيل المثال، أين التعارض بين إخضاع عمليات شراء السيارات أو اللوازم المكتبية أو القرطاسيّة أو ما شابه لقانون الشراء العام، لناحية إضفاء المزيد من الشفافية والمساواة، واستقلالية المصرف؟
وحتى الآن لا يعرف موقف الحكومة المستقيلة من كتاب مصرف لبنان الذي سيكون في موقع الخارج عن القانون في حال عقد أي صفقة من دون الالتزام بأحكام قانون الشراء العام.
عائق الموارد البشرية في البلديات
إلا أن مشكلة ثانية كانت واجهت تنفيذ القانون وتتمثل باشتراطه أن تتألف لجان التلزيم والاستلام من ثلاثة موظفين فئة ثالثة. فهكذا شرط لا يمكن توافره في عدد كبير من البلديات في لبنان، خاصة الصغيرة منها، والتي قد لا يتوافر فيها أي موظف فئة ثالثة. هذا الوضع خلق ارتباكاً في التطبيق، مع إمكانية عدم قدرة بعض الجهات على تنفيذ عمليات الشراء الخاصة بها. وقد عبّر الحزب الاشتراكي عن هذا الاعتراض من خلال تقديم اقتراح قانون مُعجّل “يرمي إلى إرجاء تطبيق قانون الشراء العام في لبنان على البلديات باستثناء بلديات مراكز المحافظات”، داعياً إلى إعطاء البلديات مهلة للاستعداد لتطبيق هذا القانون.
لكن العليّة، كما مديرة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لميا مبيض، أكدا، في الندوة التي عقدتها “مبادرة غربال” لإطلاق منصة “مناقصة” (تهدف إلى مراقبة تطبييق قانون الشراء العام)، أنه من السابق لأوانه الحديث عن تعديل. وفيما اعتبر العليّة أنه يمكن معالجة المشكلة الحالية من خلال تعميم يصدر عن وزير الداخلية، أشارت مبيّض إلى أنه لا يمكن الحديث عن تعديل قانون لم يُختبر تنفيذه بعد. واعتبرت أنه بعد مرور نحو سنة على تطبيقه، يكون طبيعياً إجراء تقييم له، وإذا ما تبيّن الحاجة إلى التعديل يمكن إجراؤه في حينها.
وعلى ما تؤكد مصادر مطلعة، فإنّ لا مشكلة فعلية في الشقّ المتعلّق بتشكيل لجان التلزيم. فالمادة 100 من القانون تشير إلى وجوب اقتراح الجهة الشارية، قبل تشرين الأول من كل سنة، لائحة بأسماء موظّفين من إدارتها من الفئة الثالثة ممن لديهم خبرة في مجال الشراء العام أو من المدربين عليه أصولاً (أجرى معهد باسل فليحان ولا يزال دورات تدريب في المناطق). بعد ذلك، تعمد هيئة الشراء العام إلى توحيد اللوائح بلائحة موحّدة توضع بتصرف الجهات الشارية في قاعدة البيانات الخاصة بالهيئة على المنصة الإلكترونية لديها. عندها، يحقّ للجهة الشارية تشكيل لجان أو لجنة التلزيم لديها من اللائحة الموحّدة على أن يكون أحد الأعضاء في كل لجنة على الأقل من خارج موظفي الجهة الشارية. وعليه، فإنّ أي جهة لا يوجد في ملاكها أي موظف فئة ثالثة يمكنها أن تستعين بثلاثة من اللائحة الموحّدة، طالما أن القانون يشير إلى وجوب أن تضم لجان الاستلام موظفاً واحداً على الأقل خارج الجهة الشارية، ما يعني إمكانية أن يصل العدد إلى ثلاثة.
المشكلة الفعلية تتعلق بتشكيل لجان الاستلام. فالمادة 101 من القانون لا تنص على الآلية نفسها المتعلقة بلجان التلزيم. النص يشير إلى وجوب أن تتألف كل لجنة من رئيس وعضوين على الأقل من داخل الإدارة، والذين سبق أن أرسلت الإدارة أسماءهم إلى هيئة الشراء العام، التي أوردت بدورها أسماءهم في اللائحة الموحدة.
وعليه، يتضح أن المطلوب أن يكون أعضاء اللجنة من دائرة الجهة الشارية من دون أي ذكر للائحة الموحدة. وهو ما يعني أن عددا كبيراً من البلديات لن يكون قادراً على تلبية هذا الشرط، على الأغلب لأنها لا تملك في ملاكها ثلاثة موظفين من الفئة الثالثة.
يُقرّ العلية أن هذه المشكلة تستدعي إقرار تعديل على القانون، لكنه مع ذلك يعتبر أنه لا بدّ من إيجاد حلّ إلى حين إقرار التعديل على قاعدة تسيير المرفق العام. إذ قد تضطر أيّ جهة إلى عقد صفقة، وبالتالي لا يمكن تعطيلها. ولذلك، تفيد المعلومات أن الإجراء المؤقت المقترح سيكون في إصدار وزير الداخلية تعميماً يسمح فيه بتأمين موظفين مخوّلين إما من البلديات المجاورة أو من مراقبي البلديات في وزارة الداخلية، على أن يتمّ الأمران بعد التواصل مع مديرية الشؤون البلدية في الوزارة. لا ينكر العلية أن هذا الإجراء غير قانوني ويمكن الطعن فيه، خاصة أنه ممن يرفضون التوسّع في تفسير كلمة إدارة. لكن مع ذلك، هو يرى أنه يمكن اعتماده كتدبير استثنائي يهدف إلى تسيير المرفق العام وعدم توقف مشتريات البلديات أو غيرها، مع إقراره بإمكانية الطعن بهذا التدبير أمام شورى الدولة.
إشكالات إدارية
عملياً لم يُنفّذ أي عقد على أساس القانون الجديد، كما لم تُقدّم أي إدارة لوائح بأسماء الموظفين الذين ترشحهم لتولي مهمة العضوية في لجان التلزيم أو الاستلام باستثناء مؤسسة باسل فليحان، التي سلمت وحدها الأسماء (مؤسسة تابعة لوزارة المالية).
أما على صعيد عمل الهيئة، فقد بدأت عملها بالفعل، إن كان من خلال عقد جلسات لشرح آلية تنفيذ القانون أو لجهة تدريب الموظفين، أضِف إلى البدء بالرقابة على المشتريات. وهو ما أجرته مؤخراً بطلبها دفتر الشروط الخاص بالمناقصة التي أطلقتها كهرباء زحلة لتقديم الخدمات الكهربائية ضمن حدود نطاق امتياز زحلة السابق. فبالرغم من أن المناقصة أطلقت قبل أسبوع من البدء بتطبيق القانون، ما لا يخضعها بالتالي لأحكامه، إلا أن ذلك لا يمنع الهيئة من إجراء الرقابة على الصفقة.
الطريق ستكون طويلة أمام تطبيق قانون الشراء العام، والعقبات لا شكّ ستزداد إن كان بسبب عدم رغبة المؤسسات التي لم تكن خاضعة لإدارة المناقصات أو بسبب اكتشاف ثغرات وجب علاجها. لكن مع ذلك يؤكد العلية أن الأجواء إيجابية وأن الكلّ يعلن تمسكه بتطبيق القانون وإن كان يطلب بعض الإيضاحات التي تتولى الهيئة الإجابة عليها. وهذا ما حصل، على سبيل المثال، في الاجتماع الذي عُقد أمس في وزار الداخلية وضمّ مندوبين عن قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة مع العليّة، أكدوا فيه حرصهم على تطبيق القانون.
10
11
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار