02-08-2022
مقالات مختارة
|
النهار
لم يكن من عادته في يوم من الأيام، أن يطل رئيس مجلس النواب بموقف من قضية ساخنة لدى "حزب الله"، ما لم يكن منسجماً مع حليفه حولها. وهذا التوصيف ينطبق تماماً على قضية الترسيم البحري التي عادت الى الواجهة اليوم.
عشية وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت مساء الأحد الماضي، جمع الرئيس برّي عدداً من الصحافيين في مقره في عين التينة. وهو قال لهم إنه "يأمل الذهاب إلى الناقورة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل برعاية الأمم المتحدة، وتحت علمها، وبوساطة أميركية"، مؤكداً أن "العودة إلى الناقورة أفضل من الذهاب إلى مكان آخر". وخلص الى القول: "إن الكلام الذي سمعه اللبنانيون، يشير إلى أن الأمور غير بعيدة عن التوصّل إلى حل يعيد استئناف المفاوضات، وفقاً لاتفاق الإطار، أي التفاوض على ترسيم الحدود من دون الدخول في خطوط وحدود".
إذن، أطلق بري توقعات متفائلة بشأن العودة مجدداً الى طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، التي سبق للوسيط الأميركي أن أعلن أنها ستكون الخطوة التالية بعد اجتياز حاجز الموافقة على المقترحات الجديدة التي قيل إنها صارت جاهزة كي يتم التوصل على أساسها الى حل للنزاع البحري بين لبنان وإسرائيل.
على ما يبدو، سارع الأمين العام للحزب حسن نصرالله الى صياغة الـ"نعم" التي سمحت لحليفه زعيم حركة "أمل" بإطلاق موجة التفاؤل، فقال في أول إطلالة له في عاشوراء في يوم وصول هوكشتاين الى بيروت إنه "على ضوء نتائج المفاوضات غير مباشرة مع كيان العدو حول ترسيم الحدود البحرية، نحدّد كيف سنتصرّف في الآونة المقبلة". مضيفاً: "إننا لسنا طرفاً في التفاوض ولم نكلف أحداً للتفاوض عنا كحزب والمفاوضات مسؤولية الدولة وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية".
وهكذا، أعلن نصرالله بعد برّي العودة الى الناقورة التي تردّد اسمها كثيراً على خلفية قضيّة المطران موسى الحاج. وإن كان "حزب الله" لا يطيق أن يكون هذا المعبر الحدودي الساحلي بين لبنان وإسرائيل، نافذة لاستمرار التواصل بين رعايا الكنيسة المارونية على جانبَي الحدود، لكنه لا يرى ضيراً في أن يكون المعبر مكاناً يجلس فيه وفد لبناني مقابل وفد إسرائيلي، وإن بصورة غير مباشرة كي يناقشا التسوية النهائية للنزاع البحري.
ما الذي دفع نصرالله الى منح بري الضوء الأخضر كي يحضّر الأجواء للعودة الى طاولة المفاوضات في الناقورة، على الرغم من أن "حزب الله" صعّد الموقف بكل ما أوتي من مسيّرات وشرائط فيديو، ما أوحى أنه ذاهب الى حرب لا الى مفاوضات؟
ما يرجّح أن تصعيد نصرالله في الأسابيع الماضية، كان من قبيل تكبير الحجم قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات، هو قول نصرالله في وقت سابق إن أيلول هو موعد كي يبدأ حقل كاريش العمل بضخ الغاز المستخرج من هذا الحقل الإسرائيلي، وبالتالي لم تعد هناك سوى بضعة أسابيع كي يلحق "حزب الله" الى هذا "السوق" الذي سيكون فيه نهاية لهذا النزاع الذي تصرّف نصرالله حياله، وكأنه الورقة الأهم الأهم الباقية بجعبته كي يثبت أن لبنان تحت سيطرته.
على الجانب الآخر من النزاع، بدت إسرائيل واثقة من أن عرضها لتسوية هذا النزاع سيكون مغرياً فلا يرفضه لبنان. ووفق ما ذكرته صحيفة جيروزاليم بوست، فقد قدّمت الدولة العبرية "عرضاً جدياً للبنان، وتأمل إنهاء محادثات الحدود البحرية بنجاح"، حسبما قالت وزيرة الطاقة كارين الحرار لدى وصول مبعوث الطاقة الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت يوم الأحد. أضافت: "قدمنا اقتراحاً، اقتراحاً جيداً وجاداً للبنان، سيقدّمه هوكشتاين في زيارته". وخلصت الى القول: "أدعو لبنان الى اتخاذ خطوة مهمة جداً بالنسبة له نحو أن يصبح بلداً ينتج الغاز، من أجل حل أزمتَيه الاقتصادية والطاقة".
لا داعي للتوضيح، أن الوزيرة الاسرائيلية ليست كنظيرها اللبناني وليد فياض، الذي على الرغم مما يتمتع به من كفاءات تقنية، لم يعبّر في يوم الايام عن موقف بلاده من قضايا الطاقة التي يتقلّد حقيبتها في حكومة تصريف الأعمال الحالية. فالحرار تنتمي الى حكومة تحكم إسرائيل، فيما فياض ينتمي الى حكومة في بلد يحكمه "حزب الله".
إن آب الحالي، سيكون شهر المفاوضات في الناقورة. لكن هل سيكون شهر الحل للنزاع البحري؟
من جهة لبنان، لا أحد غير نصرالله يستطيع تقديم الجواب الذي سيكون في نهاية المطاف جواباً إيرانياً.
أما من جهة إسرائيل، فقد كشف موقع "والا" العبري، أنّ المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أرسلوا رسائل واضحة إلى لبنان عبر الأميركيين، مفادها أنه "إن لم يوقف حزب الله خطواته التصعيدية، فإن الجيش الإسرائيلي سيردّ على أيّ خرقٍ أمني جديد، ولن يكتفي بمجرد اعتراض الطائرات من دون طيار".
في الخلاصة، يقف لبنان على مفترق طريق يؤدّي إما الى انفراج في ملف مهم يتصل بأوضاعه كافة، وإما الى انفجار أو في أحسن الأحوال الى جمود يعيده ثانية الى بيت الطاعة الإيراني.
أخبار ذات صلة