09-07-2022
عالميات
|
INDEPENDENT عربية
محمد بدر الدين زايد
مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق
اندلعت اضطرابات غير مسبوقة في ليبيا هي الأكبر منذ إطاحة نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وامتدت إلى مدن ليبية عدة، ولم تقتصر على العاصمة طرابلس، بل أيضاً إلى مصراتة والبيضاء وطبرق، حيث جرى الاعتداء على مقر البرلمان الليبي، الذي لجأ إلى هذه المدينة الساحلية منذ انتخابه 2014، وطالبت التظاهرات كل الأجسام السياسية بالرحيل، وتسليم السلطة والتعجيل بانتخابات نيابية رئاسية.
وأحرق المتظاهرون، الذين أطلقوا على أنفسهم "بالتريس"، أي الرجال بالعامية الليبية، في طبرق، الإطارات خارج مجلس النواب واقتحموا المجلس ومن ثم أحرقوه وأحرقوا بعض مستنداته، كما شملت الاحتجاجات مواقع التواصل الاجتماعي، داعية إلى إلغاء قرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة برفع الدعم عن المحروقات، وداعين إلى تفويض المجلس الرئاسي لإعلان حالة الطوارئ، وحل ما سموه، كما سبق، الأجسام السياسية، التي تعرقل الوصول إلى اتفاق، ونادى بعض التظاهرات بضرورة تسليم سلاح الميليشيات، وخروج كل القوات والمرتزقة الأجانب، وبسبب مستويات العنف التي وقعت، اتجه معظم الشباب إلى تعليقها مؤقتاً، وأعلنوا التزامهم الحصول على موافقات أولاً، ومؤكدين، في الوقت نفسه، استمرار الحراك.
تعثر العملية السياسية
وقد فشلت جهود مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفانى ويليامز، المتواصلة منذ أشهر طويلة، في محاولة لتذليل المشكلات الدستورية، وحصلت خلالها على دعم واضح من مصر التي استضافت ثلاث جولات حوار بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، ثم نقلت جولة رابعة إلى جنيف، واختتمت بعد تمديدها، مدة يومين إضافيين، من دون جدوى، بسبب عدم تحقيق تقدم في مجال الخلاف الرئيس، وهو شروط الترشح، التي تدور حول مزدوجي الجنسية، لكنها بالأساس تتعلق بشرط إمكانية العودة إلى المنصب، وهي مسألة معروفة أنها تتعلق بمدى إمكانية ترشح المشير خليفة حفتر، وبالأدق قبول عودته لقيادة وحدات الجيش الليبي المتمركزة في الشرق وبعض الجنوب حالياً.
ومع ذلك، فقد أسفرت تلك الحوارات، سابقة الذكر، عن بعض التقدم في بعض النقاط، التي كان يمكن اعتبارها أساسية لو لم تكن حقيقة الحوار تدور حول النقاط التي ما زالت متعثرة، وكانت من أسباب عدم انعقاد الانتخابات ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أما ما جرى التوافق عليه فيشمل تحديد مقار المجلسين، وتخصيص عدد المقاعد في غرفتي السلطة التشريعية، وتوزيع الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء والحكومة المحلية، كما جرى التوافق، بحسب ويليامز، على الشكل المحدد للا مركزية، بما في ذلك ترسيم المحافظات وصلاحياتها وكيفية توزيع الإيرادات على مختلف مستويات الحكم، وزيادة نسبة تمثيل المكونات الثقافية.
مكامن الإشكال الليبي
ووفقاً لتركيز الأجندة الأممية، وكثيرين من المراقبين، وعدد كبير من الشخصيات الليبية، يتعلق الإشكال دوماً بمسألة ترشح حفتر، وما إذا كان يمكن السماح بعودته لموقعه في الجيش إذا أخفق، والسؤال بهذا المعنى لا يجيب عن حقيقة قانونية ودستورية يفترض ثباتها، وهو أن من سيكون رئيساً للجمهورية سيعين ويعزل من يشاء في المؤسسات الأمنية كلها، وهذا الخلل يغفل المشكلة، في كون جزء كبير منها، مسألة من يضمن قبول نتائج الانتخابات ويركزها في حفتر، مع أنه جزء وليس كل المشكلة، ولا يقترب من المشكلة الأشمل المزمنة منذ إطاحة القذافي، وهي كيف سيتم إجراء الانتخابات في ظل وجود الميليشيات؟ وكيف سيتم قبول نتائجها من هذه القوى العسكرية شبه النظامية، وحتى النظامية المنقسمة؟ وكيف سيتم التعامل معها بعد انتخاب رئيس جمهورية، أياً كان؟ وكيف سيتعامل معها؟ فبصرف النظر عن تقييم حفتر أو سيف الإسلام القذافي، محل الخلاف الكبير أيضاً، فلا أحد يريد الإجابة عن المشهد الشامل الذي أعاق التسوية السياسية منذ أعوام عدة، وهو الأمر الذي دفع البرلمان، بما له وما عليه، للجوء إلى طبرق، وإذا نظرنا إلى أن أكثر الرافضين، مجرد ترشح حفتر وكذلك سيف الإسلام القذافي، هي الميليشيات التي توظف شعارات سياسية دينية، ومعها تنظيمات وشخصيات سياسية محسوبة على هذا التيار، لوجدنا أن المشكلة تتجاوز حفتر إلى ما هو أبعد منه، وهنا نشير إلى ملاحظة لافتة في شأن التظاهرات والاضطرابات التي يمكن تفهم توجيهها لكل النخبة السياسية كمعرقلة لإيجاد مخرج، لكنها لم تلجأ إلى العنف الحاد إلا ضد مجلس النواب الليبي، لكن، أيضاً، من الواضح، وفقاً لبعض التعليقات، أن هناك اختراقات من قوى تميل للعنف ضد أهداف بعينها.
كما يجب ملاحظة أن دعوة المتظاهرين إلى تصدر المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفى المرحلة الانتقالية، أدت إلى اتهامات مضادة من رئيس البرلمان صالح بأنه هو المتستر خلف هذه التظاهرات وهذا العنف.
التباس أميركي
من ناحية أخرى، أثار السفير الأميركي ريتشارد نورلاند لغطاً واسعاً، عندما صرح في أعقاب فشل الحوار، الذي رعته الأمم المتحدة، عن إمكانية عقد الانتخابات الليبية في ظل وجود حكومتين في ليبيا، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى التي عينها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، ولم تتمكن من تسلم عملها، ولا حتى البقاء في العاصمة طرابلس، بسبب اندلاع الاشتباكات المسلحة بين أنصار الرجلين، ففضل باشاغا الانسحاب، بحسب قوله، لحقن الدماء ومحاولة إدارة عمله من سرت، وطبعاً، ليس هناك ما يمكن عمله فعلياً بهذا الصدد.
كما تحدث بيان السفير الأميركي نورلاند عن جهود جارية بدعم دولي لإنشاء آلية ليبية لتوفير الشفافية في ما يتعلق بإنفاق عائدات النفط، لتثير هذه التصريحات غضباً شعبياً واسعاً في أوساط ليبية عديدة، لكنها تكشف عن استغراق واشنطن في هدف واحد، هو تحييد النفط وإخراجه من الصراع الداخلي لضمان تخفيف الضغط عن الطلب العالمي، وإيجاد مصادر بديلة على وجه السرعة لحلفائها الأوروبيين للتعامل مع أكبر التحديات المواجهة الراهنة مع روسيا حالياً، وخشيتها من انهيار الجبهة المتحالفة معها ضد موسكو مع اقتراب موسم الشتاء المقبل.
فرص الخروج من المسار الدائري المغلق
يبدو لي أن ما نشير إليه بشكل دائم في المعضلة الليبية، وهو أمر مؤسف، عدم الاستجابة له، هي أن الجهود الأممية والدولية عموماً أخفقت مرتين، الأولى عندما تجاهلت صلب المشكلة في وجود الميليشيات المسلحة، وما أضيف إليها من مرتزقة أجانب من دون أن تعالجها بشكل جاد في أي مرحلة سابقة، والمرة الثانية، أيضاً، عندما خلقت كيانات وهمية بناءً على اتفاق الصخيرات، والمعضلة أن كل ما ينشأ في ليبيا لا يتوقف عن الإصرار على خلق المصالح الشخصية والتمسك بالسلطة، واستمر هذا النهج الليبي في إنهاء عمل حكومة الوفاق لفايز السراج، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الدبيبة، ومجلس رئاسي برئاسة محمد المنفى، مع بقاء المجلس الرئاسي للمشري الذي كان ضمن ترتيبات الصخيرات، ومع انتهاء ولاية كل هذه الهياكل التشريعية والتنفيذية ومعها مجلس النواب، وإن كانت الجهة الوحيدة القادرة على المد لنفسه وفقاً للقواعد الدستورية المعروفة بهذا الصدد، وفي جميع الأحوال، لا أحد في كل هذه الهياكل يبدي أي استعداد لتقبل التنازل عن السلطة وعن مصالحه الشخصية، ولا يبدي أي طرف استعداداً حقيقياً للسعي وراء مصلحة بلاده، واختلطت المفاهيم واشتبكت المصالح بما زاد تعقيد الأمور على الحد.
وقد أعلن المجلس الرئاسي عن مبادرة للإسراع بالانتخابات، ولم تظهر تفاصيل كافية بعد، كما عقد اجتماع موسع مع ممثلي عدد كبير من الأحزاب السياسية بشكل استكشافي، كما لم يفت سيف الإسلام تقديم مبادرة بعدم ترشح جميع الشخصيات المتنافسة في الساحة، محاولاً أن يبدو بمظهر المترفع، وهو يعرف ألا أحد من هؤلاء سيتطوع لعمل هذا.
كما بدأ بعض الدعوات لتدخل دولي ما، لكن الشاهد أن هذا التدخل الذي يتردد على استحياء لدى أطراف غربية وأخرى داخلية، قد يعقد الأمور ولن يحلها، ولن يكون التدخل الدولي فاعلاً ومنطقياً إلا إذا قادته شخصيات دولية غير غربية تتسم بالنزاهة والبعد عن مصالح شخصية، وتتجاوز حتى أي مصالح لبلادها، هذا إذا كان أحد في الغرب قد تعلم الدرس، وفهم أن تدخله السابق يضر اليوم بحاجته إلى مزيد من إنتاج النفط الليبي.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار