09-07-2022
محليات
|
الجمهورية
وعلى ما تؤكّد مصادر مسؤولة لـ"الجمهورية"، بناءً على خلاصات تكوّنت لديها حول خفايا المناقشات والمداولات التي تجري على مختلف الخطوط المعنية بملف التأليف، فإنّ لا تواصل مباشراً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي منذ لقاء الجمعة الماضي بينهما، وجهود التأليف تجمّدت عند تقديم الرئيس المكلّف لتشكيلة حكومته، وتقديم رئيس الجمهورية لملاحظاته واقتراحاته التعديلية عليها. وحتى الآن، ومنذ ذلك الحين، لم توحِ أجواء شريكي التأليف بإمكان بلورة «خلطة حكومية» توازن ما بين تشكيلة ميقاتي وملاحظات عون.
وبحسب المصادر، فإنّ الأجواء لا تؤشر إلى إيجابيات على الإطلاق، إذ يبدو وكأنّ ثمة تسليماً غير معلن، بأنّ تشكيل حكومة للأربعة اشهر المقبلة ليس محل استعجال او حماسة، وهذا ما يعزز القول بأنّ ملف التأليف قد طُوي نهائياً، ولا مجال لحصول أي تقدّم فيه خارج الشروط والمعايير المطروحة. فضلاً عن أنّ هذا التقدّم، وفق ما تشي أطراف المعنيين بالتأليف، ليس رهناً بتنازلات متبادلة يُقدم عليها الرئيسان الشريكان، بل هو رهن بما يتنازل أي من الشريكين للآخر. وهذا لا يبدو وارداً لدى أي منهما. ويبدو جلياً أنّ العطل هنا يجري أخفاؤه باتهامات متبادلة بالتعطيل وعدم الرغبة في تشكيل الحكومة.
لا تسليم خارجياً بالتعطيل!
وإذا كان الداخل اللبناني بكلّ مستوياته السياسيّة وغير السياسيّة بات مسلّماً باستحالة تشكيل حكومة خلال الأشهر الأربعة المتبقية من ولاية رئيس الجمهورية، الّا انّ الإشارات الدولية التي ترد إلى كبار المسؤولين، ما زالت تشدّد على تأليف حكومة، وتحثّ على السعي إلى تحقيق اختراق تتولّد عنه حكومة في القريب العاجل، وفق ما كشف مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، حيث يلفت إلى البيان الأممي الأخير، وما تضمنه شكلاً من دعوة علنية تستعجل تشكيل الحكومة، وايضاً ما استبطنه من قلق متزايد على الوضع في لبنان، طالما انّه فاقد لسلطته الإجرائية، وغير قادر على اتخاذ الخطوات والقرارات التي تتلاءم مع ما هو مقبل على لبنان من تحدّيات.
وبحسب المرجع عينه، فإنّ بعض السفراء الغربيين، تحدثوا صراحة عن سيناريوهات دولية غير مطمئنة، ربطاً بالتطورات التي تتسارع، ولعلّ أخطرها الحرب الروسية - الاوكرانية، حيث تنذر هذه السيناريوهات بمزيد من التداعيات السلبية على مستوى العالم بأسره، والأكثر تأثراً بها هي الدول الضعيفة، ولبنان من ضمنها.
ويكشف المرجع، انّ كلام السفراء يعكس امتعاض المجتمع الدولي، والاتحاد الاوروبي على وجه الخصوص، من انّ المستويات السياسية في لبنان تعطي إشارات تعطيليّة تنعى احتمالات تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي يخيّب الدعوات المتتالية من أصدقاء لبنان، وتحديداً من قِبل الاميركيين والفرنسيين والعرب، إلى المسارعة في تشكيل حكومة، بعدما طويت صفحة الانتخابات، وبمعزل عن أي استحقاق آخر في لبنان. كما يعكس في الوقت نفسه تحذيراً متجدداً وصريحاً إلى كلّ المكوّنات والقيادات المسؤولة في لبنان، مفاده انّ أزمة لبنان هي في الأساس وضع شديد الصعوبة، وتتطلب الإسراع في إجراءات معالجة ما أمكن. وفي ظلّ الظروف الدولية باتت هذه الإجراءات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وبمعنى أدق، إجراءات تحصينية للبنان، وهذا ما تؤمّنه حكومة قادرة على ان تحكم وتتخذ القرارات. ذلك انّ أي تداعيات خارجية محتملة ستزيد حتماً من هذه الصعوبة.
ونُقل عن سفير دولة كبرى قوله ما حرفيّته: «وضع لبنان خطير جداً، ويجب ان تتشكّل الحكومة فوراً، بعيداً من أي اعتبارات او شروط تعطّل هذا المسار، نحن قلقون جداً على لبنان، ونخشى ان يبلغ بوضعه المتهالك ما بلغته بعض الدول من إفلاس كامل عجّزها عن توفير أدنى الأساسيات لشعبها. (من الأمثلة التي ساقها السفير المذكور، انّ سيريلانكا، وجراء الجفاف الكامل للعملة الصعبة، لم تعد قادرة على توفير المحروقات لشعبها، حيث بات البنزين ممنوعاً على السيارات المدنية، بل أصبح محصوراً فقط بالسيارات الصحية، وبنسبة تقلّ عن 10 في المئة لسيارات الشرطة.. وختم هذا المثال قائلاً: هل تريدون ان تصلوا إلى هذا الوضع؟).
السفير البريطاني: فشلوا
وفي هذا السياق، يندرج ما قاله السفير البريطاني ايان كولارد في رسالة وداعية وجّهها إلى اللبنانيين لمناسبة انتهاء مهامه في لبنان، حيث وصف فيها لبنان بـ»جوهرة الشرق»، معتبراً انّها «لا ترقى إلى مستوى إمكاناتها. يعاني الكثيرون منكم في ظلّ استمرار فشل أصحاب النفوذ في لبنان في خدمة مصالحكم - مصالح الشعب اللبناني».
وأكّد السفير البريطاني «التزام بريطانيا دعم استقرار لبنان وأمنه». ورأى «أنّ الاقتصاد اللبناني المنهار بحاجة ماسة إلى الدعم من خلال صفقة مع صندوق النقد الدولي». مشيراً إلى «انني في لقاءاتي مع السياسيين والمصرفيين، يبدو أنّ معظمهم لا يريد تقبل أنّ على لبنان القيام بكل ما هو مطلوب من أجل الحصول على حزمة إنقاذ دولية. لم يعد هناك استثناء للبنان بعد الآن».
وشدّد «أنّ على لبنان اعتماد القوانين اللازمة، وفتح الدفاتر من دون شروط مسبقة، وإعادة ضبط القطاع المصرفي. البديل هو اضطرار المزيد والمزيد منكم إلى اتخاذ المزيد من التدابير اليائسة من أجل البقاء». وقال: «الإصلاح، اليوم، هو المفتاح لحل مشاكل لبنان الاقتصادية، الآن ليس وقت السياسة. لم يكن اتخاذ قادتكم للقرارات الضروريّة أكثر أهمية من أي وقت مضى، مهما كان ذلك صعبًا. هم مدينون لكم بتقديم حوكمة وشفافية ومساءلة أفضل. يجب عليهم إظهار التعاطف والالتزام بتحسين حياة مواطنيهم في البلاد. يجب أن تتفوّق المصلحة العامة على المصلحة الشخصية».
حظ عاثر!
وفي الإطار نفسه، كشفت مصادر ديبلوماسية عربية لـ»الجمهورية»، بأنّ الاجتماع العربي الاخير في لبنان، عكس بالإجماع حرص أشقاء لبنان العرب على شقيقهم الأصغر، ودعوتهم إلى تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن، تشرع فورًا في إجراء الخطوات العلاجية والاصلاحية في شتى المجالات. وهذا ما تمّ إبلاغه إلى كل الرؤساء في لبنان. ونأمل في أن نرى لبنان وقد نهض من جديد، وعامل النهوض الأول والأساس يتوفّر بالمسارعة إلى التوافق على تشكيل حكومة تواجه التحدّيات».
ورداً على سؤال، اعتبرت المصادر الديبلوماسية العربية «انّ التطورات التي نلحظها في مسار تأليف الحكومة الجديدة، لم تعكس حتى الآن التوافق المطلوب على حكومة. نحن نتابع المواقف من هنا وهناك، وليس لنا نحن أن نلقي بالمسؤولية على طرف بعينه، بل نؤكّد على المسؤولية الجماعية للبنانيين لإنقاذ بلدهم».
ورداً على سؤال آخر، قالت المصادر: «رغم المواقف التي نلمس فيها تناقضاً واضحاً، نتمنى ان يحصل التوافق على تشكيل الحكومة. لكن ما نؤكّد عليه هو انّ الوقت يلعب في غير صالح لبنان، وعلى اللبنانيين ان يسبقوا هذا الوقت، ويدركوا انّهم هم وحدهم المسؤولون من يصنعون الفرص لإنقاذ بلدهم».
الّا انّ المصادر عادت واستدركت قائلة: «بالتأكيد نريد ان نرى حكومة، ولكن على ما نرى أنّ حظ لبنان عاثر في هذا الوقت، بالنظر إلى تزاحم الاستحقاقات وتداخل الاستحقاق الحكومي بالاستحقاق الرئاسي، فكلاهما يضغطان. ونحن نحث على فصل الاستحقاق الحكومي عن الاستحقاق الرئاسي، مع اننا نلمس أنّ ثمة اطرافاً لبنانية باتت تركّز بشكل أساس على الاستحقاق الرئاسي دون أي أمر آخر».
كيف ستقطع المرحلة؟
على انّ السؤال الذي يفرض نفسه على سطح هذا المشهد، هو كيف يمكن تقطيع هذه المرحلة؟
تؤكّد مصادر سياسية، انّ تشكيل حكومة جديدة، من شأنه أن يمهّد الأرضية لإدارة الأزمة، أقلّه من الآن وحتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالحدّ الأدنى من الحضور والخطوات في الملفات الأساسية. واما بقاء البلد في ظل حكومة تصريف اعمال، فمعناه الوقوع في مزيد من الإرباك التي تعجز حكومة تصريف الاعمال بالتأكيد عن إدارة هذا الارباك، وهو بالتالي وضع يقود الى ما هو أسوأ.
ولكن في كلا الحالتين، تؤكّد المصادر انّ هذه المرحلة تستوجب حضوراً فاعلاً لمجلس النواب، بحيث يمارس دوره التشريعي لمجموعة من الملفات الأساسية والحيوية، وخصوصاً تلك المدرجة في خانة الأولوية الملحّة والمرتبطة بعملية الإنقاذ.
في هذا الاطار، قالت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، انّ «التوجّه في هذه المرحلة، لتزخيم الانتاجية التشريعية، حتى في ظلّ حكومة تصريف اعمال، إن لم يتمّ التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة، فأقله يقوم المجلس بتحضير مجموعة ملفات أساسية امام الحكومة الجديدة، وإقرارها بقوانين تكون جاهزة امامها، لترتكز عليها في مهمتها الإنقاذية والاصلاحية. ويقع في صدارة هذه الملفات «الكابيتال كونترول» والسرية والمصرفية، إضافة إلى ما يتصل بخطة التعافي وممهدات الاتفاق المنتظر مع صندوق النقد الدولي».
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار