05-07-2022
مقالات مختارة
|
النهار
عقل العويط
عقل العويط
الصورةُ المرفقةُ بالمقال التي تمّ تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ خلال الأيّام الاخيرة، لا تنقل هذا المشهد المذكور أعلاه، لكنّه تومئ إليه إيماءً، مكتفيةً بما قلَّ ودلَّ، لتروي أحوال الناس وقد بلغت من الذلّ مبلغًا تنوء به – على عبقريّتها - روايةُ "الرغيف"، "رغيف" توفيق يوسف عوّاد، وينوء بها "جوع" فؤاد سليمان – على ثورته الإنسانيّة الملهمة - وكلّ الحكايات المماثلة.
في كلّ حال، ليس ثمّة حاجةٌ لصورةٍ أو لمشهدٍ كهذين الصورة والمشهد، ليعرف مَن لا يريد أنْ يعرف، أو ليحسّ مَن عنده حسّ (؟!)، أنّ ربطة الخبز لم تعد متوافرةً (بكرامة) في السوق (غير السوداء) أو ليعرف أنّ المواطن اللبنانيّ لم يعد في مقدوره أنْ يشتري من الخبز ما يسدّ بقمحه وطحينه المشكوك في نوعيّتهما أفواهَ أطفاله الجائعين.
الوجع الشعبيّ العام (وهو ليس شعبويًّا) بلغ عويُلُهُ آذانَ السماء، حيث لم يعد لـ"سماءٍ" عينٌ تقشع وقلبٌ يتوجّع.
لو كان الحكّامُ (عندنا) من صنف الحجارة الصمّاء، لَما كان ممكنًا أنْ نفهم (ونتفهّم) سبب صمتهم الخؤون حيال ما يجري من هولٍ. ذلك أنّ الحجارة – حتّى الحجارة – تتأثّر. تنفعل. تبكي. تئنّ. تتوجّع. تتلوّى. تُجَنّ. تتفتّت. تنفجر. وتنتحر.
... أمّا حكّامنا فلا. مستحيل. مش ممكن.
يصعب وصمُ هؤلاء الطغاة بوصف. يستحيل على أيّ وصفٍ أنْ "ينصفهم"، وأنْ يعطيهم "حقوقهم". ولا في المنام. أو في الخيال. أو في الافتراض.
الرغيف يعزّ وجوده بكرامة في السوق (غير السوداء)، في حين أنّ حكّامنا يتناتشون (في السوق السوداء) وعلنًا، وعلى أسنّة الرماح، وفوق السطوح، وعلى الشاشات، وفي الجرائد، وعبر وسائل التواصل، وزارات النهب والسلب والسرقة والمحاصصة والتهريب والاغتصاب والانتهاك، كلٌّ في اتّجاه. صاحب الفخامة (أيّ فخامة؟!) يُقال إنّه يريد "الطاقة" في الحكومة الجديدة. صاحب الدولة (أيّ دولة؟!) يُقال إنّه لا يريد أنْ يعطيه "الطاقة". يكفي هذا المثل – هذه العينة – هذا المشهد من الحال السياسيّة الواطية جدًّا جدًّا عندنا، لنأخذ فكرةً "دقيقةً" عن المصير، عن مصيرنا المتناهَش بين أنياب أهل السلطة هؤلاء، لا لنأخذ فحسب فكرة عن حال الرغيف الذليل، أكان بالربطة أم فلتًا. أكان في السوق البيضاء أم في السوق السوداء.
في كلّ حال، حرامٌ أنْ ننعت واقع السياسة عندنا بسوقٍ سوداء (احترامًا للسوق السوداء). السياسة اللبنانيّة بيتٌ رخيصٌ من بيوت الدعارة، درجة دنيا. بل إنّ الدعارة الجسديّة التي قد يُرغَم عليها الكائن، لأشرف مليون مرّة من دعارات السياسة والساسة، الشغّالة عندنا بملء الحرّيّة والعلنيّة والإرادة وبكامل القوى العقليّة لدى القادة والزعماء والأحزاب والأطراف أجمعين. والسلام.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
الأفران لن تعمل اليوم وتخوّف من تطور الإشكالات
أبرز الأخبار