04-07-2022
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
نوال تصر
نوال نصر
قبل أن تجفّ دماء الطفلة جومانا، إبنة السنتين، التي راحت ضحية كارثة سقوط مبنى في طرابلس قبل أسبوع، قرعنا أبواب أحياء كثيرين، ممن ساهموا، عن قرب أو عن بعد، بإعداد حيثيات مشروع قانون هيئة إدارة الكوارث في لبنان. غاضبين بدوا لكنهم مستسلمون. تكلم معظمهم مع اشتراط عدم ذكر الأسماء. وواحد دلّ على واحدة كانت دينامو المشروع وهي دلّت على واحدٍ يتابع حتى اللحظة وجوب أن يكون للبنان هيئة تدير الكوارث، وهكذا دواليك، رحنا نسألهم واحداًَ واحدة: لماذا لم يرَ مشروع قانون إنشاء هيئة إدارة الكوارث في لبنان النور؟ لماذا لا ترى المشاريع التي توضع لحماية اللبنانيين، "من زمان وجاي"، النور؟
تضارب صلاحيات
فلنبدأ من الفكرة، ثلاثة مشاريع قوانين قُدمت، على مدى 21 عاما، من اجل إنشاء الهيئة التي لبنان بأمس الحاجة إليها. أول مشروع قدّمه الشهيد بيار الجميل. المشروع الثاني قدمه النائب (السابق) محمد قباني. أما المشروع الثالث فقُدم من قِبل نواب القوات اللبنانية. وجميعهم حكوا عن أهمية إنشاء تلك الهيئة.
فلنعد عشرة أعوام الى الوراء، في 18 تشرين الأول 2012 إجتمعت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه واللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس إقتراح قانون إنشاء هيئة لإدارة الكوارث المقدم من محمد قباني. ويومها حضرت مارغريت ولستروم، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الحد من مخاطر الكوارث سابقا. وكان ميشال موسى حاضراً أيضا. اليوم نحن في 2022. فماذا حصل في عشرة اعوام؟ يجيب عضو تكتل التنمية والتحرير النائب ميشال موسى: "هو اقتراح قانون ناقشناه في اللجان لكنه لم يصل الى خواتيمه. سعينا خلال النقاشات مع المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية من أجل وضع هيكلية معينة وتحديد الصلاحيات لمواجهة الكوارث التي قد تحصل وبينها الفيضانات والحرائق والهزات والزلازل". لم تسلك الهيئة طريقها الى الإقرار فهل هناك سبب، برأي موسى، مقنع؟ يجيب "كانت هناك وجهات نظر مختلفة حالت دون ذلك على الرغم من حثّ مؤسسات الأمم المتحدة على ذلك". هل لنا ان نعرف، بشكل أدق، سبب ذلك؟ يجيب "حصل خلاف حول تضارب الصلاحيات وعدم الإتفاق على التنظيم. وللأسف، الإختلاف في وجهات النظر يجعلنا نصطدم أحيانا بجدار موصد. أتمنى ان لا تحصل كارثة".
ميشال موسى أخطأ مرتين بما قاله لنا. أولاً، قال إن "الإختلاف في وجهات النظر أحيانا" وكان أحرى به القول دائماً. ثانياً، تمنى أن لا تحصل كارثة في لبنان العائم على كوارث. وطبعاً لن نحمله وحده مسؤولية عدم إقرار الهيئة بسبب الخوف من تضارب الصلاحيات و"هيدا إلي وهيدا إلك". وهو ما جعلنا نصل في لبنان الى الدرك الأسود القاتم والجميع يرفعون أيديهم وكأنهم براء من كل ما أصاب اللبنانيين.
فلنعد الى من كانوا في خضّم إعداد دفتر معالم مواجهة الكوارث في لبنان قبل أن يتحوّل الى مشروع قانون. القهر بادٍ على جميع من ساهموا بذلك. الغالبية منهم كانوا متعاقدين مع الأمم المتحدة وانتقلوا مع مرور الوقت الى إعداد مشاريع أخرى في أمكنة أخرى، ما دام لبنان يُقسّم حصصاً ومصالح ويحيا في ظلّ مناوشات دائمة حول "شو إلي وشو إلك" بغض النظر عن مصلحة اللبنانيين. فماذا كان سيُبدّل إنشاء هيئة إدارة الكوارث في لبنان أو لنقل ما عُرف لاحقاً بمشروع قانون بيار الجميل؟
يتحدث العارفون عن إشكالات كبيرة حدثت في مجلس النواب من أجل عدم تمرير المشروع لأنه يتسبب بتضارب في المصالح ويستتبع إلغاء عدد من المصالح والمكاتب التي أنشئت على مدى عقود سابقة ولُزمت الى قوى سياسية، لذلك، وكما في كل مرة، قرروا أن "يفضّوا المشكل" بين تلك القوى بإنشاء وحدة إدارة الكوارث ذات المهام المحدودة عوض إنشاء هيئة واسعة المهام.
دور اللواء فرنسوا الحاج
فلنتابع. العارفون، ممن شكلوا مفاصل المشروع في تلك المرحلة، يقسمون بأن القوى السياسية تعاملت مع الموضوع سياسياً وهذا ما اعاق التنفيذ "فهناك من رفض منذ البدايات ان تتولى رئاسة الحكومة إدارة الكوارث مع العلم أن المادة 64 من الدستور تنص على "أن رئيس مجلس الوزراء يتابع اعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة". في كل حال، كُتبت خطة إنشاء الهيئة بدقة، وفق معايير دولية، باتت مؤجلة بعد ان ضرب تسونامي، في العام 2005، المحيط الهادئ. يُحكى هنا، ان اللواء فرانسوا الحاج هو من ساهم في العام 2005، بعد التفجيرات التي حصلت واستشهاد الشيخ رفيق الحريري، في وضع مسودة الإستجابة الأمنية السريعة في هكذا نوع من الكوارث، محددا الجهات والأجهزة التي يفترض أن تكون حاضرة. رحم الله فرانسوا الحاج الذي استشهد هو أيضا في مشهد آخر كارثي ولم تولد الهيئة.
الهيئة مشروع إطار عام، تلحظ في خطتها مرحلة ما قبل حدوث الكارثة وخلالها وبعدها، من أجل توفير حسن إدارة كارثة قد تحصل. وكل الوزارات والمؤسسات في لبنان يفترض أن تكون مشاركة فيها، حتى وزارة العمل لها شأن في حال حصلت كارثة تستدعي جلاء العاملين الأجانب، فيقع على عاتقها هذا الشق، لذا يفترض أن تكون مشاركة. كل السيناريوات وضعت في الخطة. وكل وزارة أخذت دورها. ورُبطت جميعها في غرفة في السراي الحكومي. المرافئ والمطار ومجلس البحوث العلمية والجيش والامن العام والامن الداخلي والصليب الأحمر والدفاع المدني والهيئة العليا للإغاثة والكل الكل لهم دور في لحظات الكوارث، فيبدأ دور وزارة ما عند حدود إنتهاء دور وزارة أخرى، وينتهي دور مديرية ما عند بدء دور مؤسسة ما. لو أقرّت الهيئة لكانت كل الأمور تمشي مثل "كبسة زر". لو حصل ذلك بكلام آخر لكان أمكن على الأرجح إستيعاب نتائج كارثة تفجيرات المرفأ بشكل أكبر.
نتابع مع أصحاب الخطة: "تقرر أن تكون الهيئة تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء الذي يعطي الأمر بالتحرك فتقوم كل جهة، بالتنسيق المسبق، بدورها. إقرار خطة إنشاء الهيئة كان ضرورياً ليس في مواجهة الكوارث الطبيعية فقط بل الأزمات الكارثية الحالية أيضا. فقد أعدّت في تفاصيلها سيناريو لأزمة إنقطاع الطحين وفقدان الخبز، كما لأزمة فقدان الدواء والمياه والكهرباء وخطط الأمن الغذائي. هي قادرة، لو أقرّت، على وضع رؤية للأزمات واتخاذ القرار في وقته وإقرار الخطط الأمنية، والطوق الأمني، في لحظات حدوث الكوارث الأمنية. فلنأخذ مثلا إنفجار المرفأ الذي كان يفترض أن تتشارك في استيعابه كل المؤسسات لكن ما حصل، بغياب إقرار الهيئة، أن مجلس الوزراء أوكل العمل الى مؤسسة الجيش وحدها. هي قامت طبعاً بما تستطيع لكن، في المقابل، نزلت كل الجمعيات الخاصة، بشكل عشوائي، على الأرض، لأن الجيش لا يمكنه القيام بدور كل المؤسسات. وفي حين كانت الجثث غرقى بدمائها كان اللصوص، الذين تذرعوا أنهم يساعدون، يسرقون المصاغ والأثاث وكل ما تيسر أمامهم. إنه غياب التنسيق مع غياب وجود هيئة إدارة الكوارث".
لا دولة لا شيء. ونحن لا دولة لدينا. وبالتالي مهما نشطت الجمعيات فلن تستطيع إستيعاب نتائج الأزمات. هنا، يتطرق أحد من شاركوا في إعداد الخطة الى القول: في العام 2010، تكلمنا مع الرئيس سعد الحريري حول أهمية هذه الهيئة فقال لنا حرفيا: Go ahead وذلك تحديداً بعد حصول كارثة سقوط المبنى في السيوفي على من فيه. محمد قباني طرح من جديد المشروع، وذلك بعد نحو عشرة أعوام على تقديم بيار الجميل مشروع قانون به. ولكن، من جديد تعرقل والسبب كان سياسياً".
"الوحدة" و"الهيئة"
حالياً، هناك وحدة إدارة الكوارث في لبنان فبماذا تختلف عن هيئة إدارة الكوارث المنشودة منذ زمن؟ أحد الناشطين في الموضوع يقول: "دور الوحدة حالياً التعامل مع الكوارث الطبيعيىة، وتلك التي هي من صنع الإنسان، وليس التعاطي مع مسببات العدوان الأمني. نتعاطى مع الحرائق والعواصف والفيضانات. ولدينا غرف عمليات في السراي وغرف في المحافظات. وفي كارثة سقوط المبنى قبل أسبوع في طرابلس أوكل العمل الى غرفة عمليات الشمال. لكن، في حال حدثت حرائق في الغابات تستدعي الجهود الوطنية فتنشط غرفة العمليات في السراي الحكومي".
لا يهم برأي العاملين في الوحدة اسم الجهة التي تدير الكوارث: هيئة، إتحاد، وحدة، جمعية، مديرية... الأهم هو ان تكون قادرة على إدارة الكوارث وهذا ما لم يمنح الى الوحدة الموجودة حالياً، فهي ليست قادرة، بموجب منطوق تأسيسها، على معالجة أزمة الدواء الحالية على سبيل المثال. لو كانت الهيئة حالياً موجودة لأمكن محاسبة من يتسببون بموت مريض سرطان لأنه لم يجد دواء. في كل حال، حين يقال إدارة الكوارث يكون الكلام عن أربعة عناصر: التحضر، الإستعداد، الإستجابة والتعافي. في الإستجابة، يفترض تقييم النواقص ونقاط الضعف فيها. في التعافي، لبنان ضعيف جداً، وكارثة المرفأ تعتبر مثالاً، حيث كان يفترض ليس تقييم الضرر والتعويض على المتضررين وحسب بل إعادة بناء ما تهدم بطريقة أفضل كي لا نضطر الى مواجهة الكارثة من جديد. هذا كله لم يحصل لسببين: لأن كمية الأزمات والكوارث في لبنان كثيرة ولأن كل مؤسسة تعتقد أن مهمتها، إذا شاءت، شاملة. وهذا لا يجوز بموجب خطة هيئة إدارة الكوارث. فكل مؤسسة لديها مهمة حصرية تتابعها الى الآخر وتحاسب عليها. العمل في لبنان لسوء الحظ تغلب عليه الفوضى ولا محاسبة.
واحد وعشرون عاماً مرّت على مشروع إعداد هيئة إدارة الأزمات. وما زلنا نعيش الأزمات بالجملة والإستجابة: صفر. لماذا؟ لأن هناك "زعامات" في البلد تريد أن تظل متربعة على هيئات ومجالس تتصرف وكأنها أم الصبي فيها. وفي كل مرة تحصل أزمة تتذرع بأنها أرسلت كتاباً بها الى مرجعية أخرى في البلد. هكذا لا أمان ولا محاسبة ولا استجابة ولا تعافٍ.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
يا شعب لبنان العظيم... تباً لنا!
أبرز الأخبار