27-06-2022
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
أتت استقالة كل من السيّد جو روفائيل والسيّدة ماتيلد خوري مؤخّراً من عضوية مجلس بلديّة بيروت لتطرح أكثر من سؤال حول التوقيت والأسباب. ذلك أنها جاءت بعد استقالة السيّد غابي فرنيني هو الآخر منذ فترة واعتكاف المهندس إيلي أندريا، نائب الرئيس، منذ سنوات. من يبحث أكثر يقع على وشوشات تفيد بأن الأسبوع المقبل سيشهد استقالات إضافية للأعضاء المحسوبين على القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وتتوالى الأسئلة: هل الدواعي شخصية أم سياسية؟ هل تكون الاستقالات لتفريغ المجلس البلدي من رافعته المسيحية أو تنفيذاً لأجندة معيّنة أو دفعاً باتّجاه انتخابات بلديّة رغم عدم ضمان حصولها في موعدها المقرّر؟ والسؤال الأهم: هل نحن بإزاء بوادر انشقاق المجلس البلدي إلى مجلسين، أحدهما ذات وجه مسيحي وآخر مُسلم؟
مصدر مطّلع على شؤون وشجون البلديّة أشار لـ"نداء الوطن" أن العمل البلدي - وهو إنمائي بامتياز - لا يمكن فصله عن العمل السياسي. وفي وقت يحقّ لجميع أعضاء المجلس الاعتراض على الأداء وغياب (أو تغييب) المشاريع الإنمائية عن بيروت، إلّا أن التوقيت مريب بحدّ ذاته. الاستقالات تأتي بعد انتهاء الولاية الأساسية للمجالس البلديّة. وفي وقت يؤكّد المصدر أن الاستقالة لا تعفي صاحبها من المحاسبة، شدّد على أن المجلس البلدي ليس المكان المناسب للنقاش حول التقسيم، في ما لو كان هو الغاية: "تقسيم بيروت يحتاج إلى قانون وقرار من مجلس النواب، وعلى الأطراف الممثّلة في المجلس النيابي التوجّه إليه لمناقشة المسألة هناك"، كما يقول.
لا تأثير للاستقالات على المجلس البلدي حتى الآن. غير أن التخوّف هو من تواليها دون حصول انتخابات مجالس بلديّة في المدى المنظور، ما سيؤدّي بمدينة بيروت وعدد كبير من العائلات والموظفين إلى المجهول. ففي زمن كان يؤمل أن تكون الحوارات ذات الصلة بالشروخ الطائفية قد أصبحت من الماضي، يرى المصدر ضرورة للبحث في تحديث القوانين ووضع برامج إنماء وتطوير للمحافظة على نسيج بيروت الفسيفسائي. بيروت بالرغم من مآسيها، لا يليق بها الخطاب الطائفي كما يحق لأبنائها العيش في رحاب مدينة نموذجية، كما نسمع من المصدر قبل أن نختم معه لنغوص أكثر في حيثيات الاستقالات.
حبل الاستقالات عالجرار؟
رئيس نادي الحكمة وعضو المجلس البلدي، السيّد إيلي يحشوشي، تطرّق في لقاء مع "نداء الوطن" إلى التدهور شبه التام الذي أصاب البلديّة مع بداية الأزمة، ما أدّى إلى تراكم المستحقات وانعكس تقصيراً بحق البيروتيين وتقاعساً في إنجاز الكثير من المشاريع المقرّرة. ورغم أن البلديّة هي الأغنى من حيث الإمكانيات بين البلديّات، إلّا أن العوائق، بحسب يحشوشي، كثيرة.
وفي وقت أوضح أن لا سلطة تنفيذية للبلديّة على أرض الواقع، بحيث تتحوّل كافة المشاريع إلى ديوان المحاسبة كما إلى المحافظ اللذين بيدهما قرار القبول أو الرفض، يشرح يحشوشي: "لم تكن الأمور تسير بصورة صحيحة حتى قبل العام 2019، لأن تنظيم العمل من قِبَل المحافظ السابق كان سيئاً جداً، إضافة إلى هدر وصل إلى حدود المليارات". يحشوشي أشاد بدور محافظ مدينة بيروت الحالي، القاضي مروان عبود، رغم أن الظروف عاكسته، بدءاً بتقهقر الوضع الاقتصادي وصولاً إلى جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، ما أدى إلى شلل في عمل البلديّة وبالتالي في عمل المحافظة أيضاً. وأضاف: "حتى مبلغ الـ50 مليار ليرة الذي أقرّه المجلس البلدي لمتضرّري انفجار المرفأ في الأشرفية والرميل والمدوّر والصيفي، لم يُفرِج عنه وزير الداخلية إلى الآن. أما رئيس البلديّة الحالي، المهندس جمال عيتاني، فمستاء من أن يوضع دوماً في الواجهة في حين أن المشكلة في مكان آخر".
لماذا إذاً الاستقالات وهل من غاية في التوقيت؟ لا شك أن ما حصل من تدهور استغلّه بعض من لهم علاقة بمسؤولين سابقين في البلديّة محاولين الاصطياد في الماء العكر للتحريض على الاستقالات بغية تحميل المحافظ المسؤولية، يشرح يحشوشي مضيفاً: "لو كانت الاستقالة تحلّ المسألة لاستقلنا جميعاً، لا جدوى من هذه التصرفات وما يحصل لا يولّد شعبوية. يجب أن يتماسك المجلس أكثر من أي وقت مضى لأن الناس تحتاجنا وقت الضيق، وتفريغ المجلس البلدي من أساسه يُعتبر جريمة".
هل صحيح ما يُحكى عن توجّه أعضاء آخرين ومنهم العضوان المحسوبان على القوات اللبنانية إلى إعلان استقالاتهم الأسبوع المقبل؟ "لا أظن أن جنون الأعضاء سيصل إلى هذا الحدّ. الخطورة هي في استقالة كافة الأعضاء المسيحيين كما يُخبر البعض، رغم أني أؤكد أنه سيبقى اثنان أو ثلاثة منهم على الأقل. شخصياً لست مقتنعاً بالاستقالة بشكلها العام إنما نقوم كقوات لبنانية بدرس خياراتنا، وعلى ضوئها يُتّخذ القرار النهائي. إذا كانت هناك أسباب مقنعة وموجبة تصب في مصلحة أهل بيروت فأنا جاهز لتقديم استقالتي".
بيروت وشبح التقسيم
ننتقل إلى السيّدة هدى قصقص، العضو المستقيل من المجلس البلدي بعَيد اندلاع 17 تشرين. وقد عزت في حديث لـ"نداء الوطن" استقالة بعض الأعضاء إلى نهاية ولاية المجلس، وعدم تمكّنهم من إحداث أي تغيير خلال فترة عضويتهم، إضافة إلى قرب الاستحقاق الانتخابي المقبل. قصقص، التي قدّمت استقالتها بسبب ممارسات المجلس البلدي غير الشفافة واللاتشاركية والبعيدة عن استراتيجية واضحة محورها المواطن، عادت لتستأنف عملها في البلديّة نظراً للأوضاع المزرية التي تواجه المدينة، وتلبية لواجب المساهمة في استمرار المجلس البلدي رغم التحديات، كما تضيف.
نسأل مجدّداً عن أي أسباب أخرى تقف خلف الاستقالات الحاصلة والمتوقّعة، فتجيب: "لقد أعرب النائب غسان حاصباني مراراً وتكراراً عبر وسائل الإعلام عن رغبته في أن تُقسَّم بلديّة بيروت طائفياً، وكان ذلك جزءاً من الخطاب الانتخابي للقوات اللبنانية التي تسعى في هذا الاتجاه، لكن هذا السعي، إن حصل، سيقصم ظهر العاصمة وهوّيتها كما أسس العيش المشترك بين أبنائها".
وإذ تنسب قصقص السبب الذي فجّر حالة التململ لدى أعضاء المجلس البلدي إلى انفجار مرفأ بيروت، والذي أخذ منحى طائفياً - مسيحياً خاصة وأنه أكثر ما أصاب منطقة الأشرفية، ورغم محاولات المجلس الحثيثة لصرف المبلغ المخصّص للمساعدات والتي باءت بالفشل، إلا أنهم وُضعوا في خانة المتّهمين بالتقاعس تجاه أبناء المنطقة. وهذا ما أدّى إلى الاعتكافات والاستقالات التي حصلت. وتتابع: "لديّ تحفّظات لا تُحصى ولا تُعدّ على أداء المجلس، لكن التهرّب من مسؤولياتنا هو أمر غير مقبول. الوضع مزرٍ أكثر من السابق، فالنظام الداخلي للبلديّة تشوبه الأخطاء، كما البيروقراطية والتوظيف السياسي، إضافة إلى تدخّل الأحزاب والقيادات السياسية والفساد المستشري في ظل غياب مفهوم الثواب والعقاب، وهذا ما أوصل البلديّة إلى ما هي عليه. هناك أخطبوط سياسي يتحكم بالبلديّة من الخارج، وأشباح ملطّخة بملفات الفساد".
صحيح أن البلديّات جميعها في مأزق، لكن البيروتيين هم الأكثر استياء كون بلديّتهم هي الأكثر تخاذلاً والأقل تخطيطاً، تقول قصقص التي تنهي مشيرة الى أنها ليست ضد استقالة المجلس شرط أن يخدم ذلك مصلحة الأهالي من دون أن يترك فراغاً يضاف إلى الفراغ الحالي: "لا أظن أننا سنشهد 12 استقالة لأعضاء مسيحيين، لكن الخطورة تكمن في التقسيم بين مسيحي ومسلم، رغم استبعادي حصوله كون الصوت البيروتي المسيحي يرفض هذا المنطق. ليس هناك أي بيروتي وطني مستعدّ للمشاركة في لعبة مناطق وطوائف على حساب مصلحة الوطن لأن البيارتة مدركون تماماً أن أي تقسيم سيضعنا أمام شبح حرب أهلية جديدة لا نريد أن نتذكّر أوجاعها".
على مفترق طُرُق
بين هذا وذاك، ماذا يقول رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت، المهندس جمال عيتاني؟ "نداء الوطن" حملت في اتصال معه الأسئلة المتداولة فلفت إلى أن "أهالي بيروت قاموا بتوكيلنا هذا المجلس لمدة ست سنوات فقط. لذا، وبصفتي رئيس لجنة رؤساء بلديّات لبنان، قمت بمطالبة رئيس مجلس النواب بعدم التمديد رغبة منا في إفساح المجال أمام دم شبابي جديد يعمل على إكمال المسيرة، لكن التمديد حصل للأسف، ما أدّى ببعض أعضاء المجلس إلى اتّخاذ قرار الاستقالة، باعتبار أنهم لم يتمكنوا، خلال فترة عضويتهم، من القيام بأي دور فاعل حيال أبناء العاصمة".
ويشرح عيتاني كيف أن المشاريع التي قامت بها بلديّة بيروت قبل الثورة، والتي عادت بإنتاجية مثمرة، شُلّت بأكملها في أعقاب الأزمات المتتالية: "كان في حساب البلديّة لدى مصرف لبنان مبلغ 900 مليار ليرة، ما كان يساوي وقتها 600 مليون دولار. أما اليوم فلا يساوي ذلك المبلغ أكثر من 30 مليون دولار، ما تسبّب بانهيار مالية البلديّة". ثم هناك القانون الذي يمنح المحافظ – الذي فضّل، بالمناسبة، عدم التعليق على الموضوع برمّته حين حاولنا التواصل معه - سلطة استنسابية لناحية تنفيذ المشاريع المقدّمة من المجلس البلدي من عدمها.
وهكذا كانت استقالات البعض بمثابة تعبير عن استيائهم وإحباطهم من عدم قدرتهم على خدمة أهالي المنطقة. أما الاستقالات الأخرى، بحسب عيتاني، فهي سياسية بامتياز: "سمعنا عن استقالات على الطريق، منها من الأعضاء المحسوبين على حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ والتي ستُقدّم الأسبوع المقبل، ولا أظن أن يكون ثمة علاقة لها بالاستياء من المجلس البلدي. لكني كنت أتمنّى على جميع الأعضاء أن يدركوا بأن بيروت بأمس الحاجة لمن يداوي جراحها". عيتاني اعتبر أن من بين الاستقالات ذات الطابع السياسي، هناك من قام بطرح فكرة إنشاء بلديّة مستقلة على غرار ما يحصل من تقسيمات طائفية ومذهبية في البلد. أما الآخرون فيُطالِبون بتغيير طريقة انتخاب المجلس البلدي، رغم أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كرّس عرف انتخاب 12 عضواً مسيحياً ومثلهم من الأعضاء المسلمين، ما استكمله الرئيس سعد الحريري بدوره. لكل حزب أفكاره ورؤيته في بناء المستقبل، من وجهة نظر عيتاني. فهناك من يطمح لوجود بلديّتين، ويستخدم الاستقالة كاستراتيجية لتأسيس بلديّة مستقلة. كما أن هناك سياسيين يحرّكون بعض الأعضاء المنتمين إلى أحزابهم لمبتغيات سياسية خاصة بهم. وينهي قائلاً: "خطّتنا هي ضمان سلامة أهالي بيروت. نقوم بالأفضل ضمن الإمكانيات المتاحة ومستمرّون في القيام بواجبنا لآخر نفس كي نسلّم الراية إلى من سيكمل الطريق من بعدنا، وبطريقة أفضل".
بالطبع، هناك من لا يوافق عملياً على هذا الكلام لقناعتهم أن الأمور لا يمكن أن تستمر على نفس المنوال. فالأخيرة مفتوحة على جميع الاحتمالات، كما يؤكّد مطّلعون، وقد تكون الاستقالات المقبلة، إن حصلت، أوّل الغيث. وما على بيروت في الأثناء سوى المزيد من الانتظار.
أخبار ذات صلة
محليات
انتخاب رئيس مجلس بلدية بيروت
أبرز الأخبار