ومن المضحك المبكي، وصف النائب ميشال ضاهر الذي لم يُسمّ أحداً «خطة التعافي» التي وعدت الحكومة بإنجازها بـ «خطّة إمشي حافي»، للتعبير عن الحالة المزرية التي وصل اليها الشعب اللبناني حالياً. فيما ركّز النوّاب «التغييريون» على وصول 80 % من اللبنانيين الى خط الفقر، ولهذا سمّى 10 منهم السفير نوّاف سلام، وفضّل 3 منهم عدم التسمية. ولوحظ أنّ المنافس الأول لميقاتي على التكليف ليس سلام الذي سمّاه 25 نائباً، بل الـ «لا تسمية» أو الورقة البيضاء التي لجأ اليها عدد كبير من النوّاب وصل الى 46 صوتاً ، أي أكثر من ثلث المجلس النيابي الجديد. فيما سمّى النائب جهاد الصمد سعد الحريري، والنائب إيهاب مطر السيدة روعة حلّاب.
وتقول مصادر سياسية مطلعة، بأنّ النوّاب الذين لم يُسمّوا أحداً، إنّما دعموا ميقاتي بطريقة أو بأخرى، كونهم لم يجدوا بديلاً عنه، رغم ما قالوه عن أسباب عدم إعادة تسميته، وأبرزها أنّ حكومته «معاً للإنقاذ»، لم تتمكّن من تحقيق أي من وعودها الإنقاذية. فلو سمّى هؤلاء ميقاتي لكان جرى تكليفه بـ 100 صوت. وصحيح بأنّه يُخشى من أن يؤدّي هذا الأمر لاحقاً الى عدم إعطاء مجلس النوّاب الثقة للحكومة الجديدة، في حال تمكّن ميقاتي من تشكيلها قبل الإستحقاق الرئاسي المقبل، غير أنّ نوّاباً عدّة ممّن لم يسمّوا ميقاتي، بل سلام، تعهّدوا تسهيل تأليف الحكومة ومساعدة ميقاتي في مهمّته مثل نوّاب «اللقاء الديموقراطي». فيما قد تُشارك كتل أخرى في الحكومة الجديدة، وإن امتنعت عن تسمية ميقاتي مثل تكتّل «لبنان القوي» الذي التزم باللا تسمية، في حين سمّى نواب «الطاشناق» الثلاث ميقاتي، وكتلة «الجمهورية القويّة» التي لم تُسمّه كما لم تحسم أمرها بعد بالمشاركة في الحكومة الجديدة أو عدمها.
ورأت المصادر بأنّ الإستشارات النيابية المُلزمة قد ظهّرت مشهد الكتل النيابية أكثر فأكثر، إذ انضمّ النائب الجديد ميشال المرّ الى «التكتّل الوطني المستقلّ» الذي يضمّ النوّاب فريد الخازن، طوني فرنجية وملحم طوق، مقابل تأخّر انضمام النائبين فؤاد مخزومي واللواء أشرف ريفي الى كتلة «شمال المواجهة» التي تضمّ النائبين ميشال معوّض وأديب عبد المسيح. فيما بدا تضعضع نوّاب 17 تشرين الذين، وإن أتوا في وفد واحد الى الإستشارات، واضحاً بعد أن توزّعت أصواتهم على سلام و»لا تسمية»، على ما فعل النائبان نعمة افرام وجميل عبّود، رغم تشكيلهما لكتلة واحدة هي «مشروع وطن الإنسان»، كما النوّاب «المستقلّون» الذين اتخذ كلّ منهم خياره على حدة.
كذلك أظهرت الإستشارات، على ما أشارت المصادر نفسها، دخول إسم رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الى الساحة السياسية مُجدّداً، منذ أن أعلن تعليق عمله السياسي وعائلته في «تيّار المستقبل» في 24 كانون الثاني الفائت، وترك الساحة للشخصيات السنيّة الأخرى في البلاد، ما جعل أصوات سنيّة وازنة تصبّ لصالح ميقاتي في مهمّة التكليف. فضلاً عن ظهور إسم سيّدة للمرة الأولى في تسمية رئيس حكومة لبنان.
ولفتت المصادر الى أنّ ما بعد التكليف تبدأ المهمّة الأصعب، من خلال المشاورات النيابية التي يعقدها بعد ظهر يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين في مجلس النوّاب، وإن كان ميقاتي بات «خبيراً» بتشكيل الحكومات بسرعة كبيرة نسبة الى رؤساء الحكومات السابقين، إذ تطلّب الأمر مع بعضهم من 9 الى 11 شهراً للتشكيل. فالبعض يريد المشاركة في الحكومة الجديدة، فيما البعض الآخر قرّر عدم المشاركة فيها. وهناك مَن وعد بالمساعدة على تسهيل ولادتها رغم عدم المشاركة فيها، فيما قد تضع بعض الكتل العراقيل في وجه تشكيلها رغم مشاركتها فيها، ووعدها بالمساعدة في التأليف.
أمّا التوافق على نوع الحكومة فقد أصبح، بحسب رأي المصادر، من سابع المستحيلات مع تكاثر عدد الكتل واختلاف وجهات النظر، من دون وجود «أكثرية مطلقة»، إلّا التي قد تولد بحسب القطعة.. إلّا أنّ ميقاتي يبدو حاسماً في هذا الموضوع، إذ سبق وأن أعلن قبل تكليفه أنّه يُفكّر في إجراء بعض التعديلات في الأسماء والحقائب على حكومته الحالية، لعدم إضاعة الوقت، ولكي تتمكّن الحكومة الجديدة من إنجاز الأمور المطلوبة منها، في حال تألّفت سريعاً ونالت الثقة في مجلس النوّاب.
وذكرت المصادر عينها، أنّ المطلوب من الحكومة الجديدة، أياً كان نوعها، سياسية أو تكنوقراطية من «المستقلّين»، أو «تكنوسياسية»، أو حتى حكومة وحدة وطنية أن تعمل على: إنهاء وتوقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي- إقرار الكابيتل كونترول الذي لا يزال يتأرجح منذ أكثر من سنتين- المضي في تنفيذ خطة التعافي الإقتصادي، سيما وأنّ الوضع المنهار لم يعد يسمح بالمزيد من التأخير في معاناة المواطنين على مختلف الصعد- قانون رفع السريّة المصرفية- التدقيق الجنائي لمكافحة التهرّب الضريبي ومكافحة تبييض الأموال، وصولاً الى مواكبة الإستحقاق الرئاسي، والسعي لعدم حصول «شغور رئاسي».
وفي حال لم يتمكّن ميقاتي من التشكيل لسبب أو لآخر الى حين الإستحقاق الرئاسي، على ما ذكرت المصادر، فإنّ صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، ستكون مُناطة بمجلس الوزراء، بحسب المادة 62 من الدستور. ولهذا، فإذا كانت حكومة تصريف الأعمال لا تزال قائمة، فإنّ هذه الصلاحيات ستكون محدودة، ولن تستطيع أن تُمارسها الّا بالحدود الضرورية الدنيا. لهذا من الأفضل أن يتوصّل ميقاتي الى تشكيل حكومة جديدة، وإن كان سيعمد الى إجراء بعض التعديلات على حكومة تصريف الأعمال الحالية، كونه من الأفضل الإبقاء على بعض الوزراء في بعض الوزارات، لا سيما منهم الذين يعملون على مشاريع معيّنة، بهدف تسريع الأعمال والإنجازات خلال الأشهر الأربعة المتبقية من العهد.