30-05-2022
محليات
|
نداء الوطن
لم تكد الانتخابات النيابية تخرج من دائرة الضوء، حتى عادت الانوار لتسلط على شكل الحكومة المستقبلية. المنظومة التي نجحت بالتجديد لنفسها نسبياً، لا تريدها إلا حكومة وحدة وطنية، جرياً على العادة التي عززها مؤتمر الدوحة. موقفها ينبع في الشكل من ضرورة تأمين الاجماع الوطني لتغطية القرارات الاقتصادية الصعبة الواجب اتخاذها. أمّا في المضمون، فان التستر خلف «جدار» مرحلة الازمات القصوى التي يمر بها البلد ما هو إلا «الدرع»، للاستمرار في تناتش ما بقي من خيرات وصلاحيات ونفوذ وضمان عدم المساءلة على قاعدة «دافنينو سوا».
يفسّر المشرّعون مفهوم حكومة الوحدة الوطنية بأنه إئتلاف واسع يضمن للكتل النيابية المتخاصمة حجز مقاعد لها في السلطة التنفيذية بغض النظر عن حجمها. وعادة ما يتم تشكيل هذا النوع من الحكومات في حالتين، إما في حالة الطوارئ القصوى الناتجة عن الكوارث والحروب والأزمات، وإما في حال تعادل حجم الكتل النيابية المتخاصمة، حيث لا يعود هناك أكثرية تستلم الحكم. وفي هذه الحالة تشارك أغلبية القوى السياسية في الحكم، وتذوب المعارضة حتى تكاد تختفي.
تُعزز المحاصصة
إسقاط النظرية على الواقع اللبناني ينطبق كـ»حفر وتنزيل». فالبلد غارق حتى «شحمة أذنيه» بأزمة اقتصادية صنفت من قبل البنك الدولي بانها الأعتى منذ 150 عاماً. والانتخابات النيابية لم تفرز أكثرية واضحة بل 3 اطياف أساسية. لكن في المقابل أثبتت التجربة أن هذا النوع من الحكومات كان الأسوأ على الاطلاق حيث حول الحكومة إلى مجلس نواب مصغر، عزز التقاسم والتحاصص وحماية المصالح الفئوية الضيقة، ومنع المحاسبة. فهل هذا الشكل من الحكومات يخدم خطة الخروج من الأزمة الاقتصادية أم يعرقلها؟
«إذا كان العمل داخل حكومة الوحدة الوطنية المحكومة بالتوافق مبني على الايجابية والنية الحسنة فمن الممكن أن يعطي نتيجة»، يقول النائب غسان حاصباني، الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير للصحة في حكومات سابقة. لكن مع التوقع بصعوبة تأمين التوافق استناداً إلى التجارب السابقة، فان سلبيات هذا النوع من الحكومات تكون أكثر من الايجابيات، ومساهمتها في الخروج من نفق الازمة تكون محدودة جداً للأسباب التالية:
- التقدم بالعمل عادة ما يكون بطيئاً.
- إقرار وتنفيذ أبسط الاصلاحات الاقتصادية والمالية يتطلب تأمين أدنى مستوى من التوافق للوصول إلى النتيجة المرجوة.
- تدخل في حكومات الوحدة الوطنية الحسابات السياسية لكل فريق.
- عادة ما يكون الافرقاء محكومين بمقاربتهم العقائدية أو المبدئية من الحلول الاقتصادية.
وعليه يظهر أن حكومات الوحدة الوطنية هي أبطأ أنواع الحكومات وأقلها فعالية للوصول إلى النتائج المطلوبة، هذا إن أحسنا الظنّ. أما إذا افترضنا السيناريو المجرّب في حكومات الوحدة الوطنية السابقة نستنتج أن «التموضعات السياسية التي يأخذها الأفرقاء في الحكومة، وعملهم للوصول إلى تحقيق مكاسب فئوية ضيقة، تصبح كلفة هذه الحكومة مرتفعة وفعاليتها قليلة»، من وجهة نظر حاصباني. «حيث لا يعود الهم محصوراً في محاولة كل فريق المحافظة على مكتسباته أمام بقية الافرقاء، إنما تتعداها في أحيان كثيرة للمطالبة بمكتسبات أكبر. فيتحول العمل الوزاري من تشاركي، إلى محاصصي، محصور في توزيع الادوار، وتقاسم المكاسب وابرام اتفاقات مسبقة غير مبنية في غالب الاحيان على المقاربات العلمية». وبحسب حاصباني «إذا وجد فريق مستقل داخل حكومة الوحدة الوطنية يحاول أن يعمل خارج إطار هذه اللعبة، يصبح منبوذاً من الافرقاء الآخرين. وبالتالي لا يبقى من حكومات الوحدة الوطنية، التي لا تمت بصلة لا للوحدة ولا للوطنية بشيء، إلا اسمها؛ فيما يكون مضمونها استمرار للمحاصصة بين الفئات المشاركة. وهو ما يقوّض كل جهود البناء والاصلاح والخروج من الإنهيار. وبأحسن الحالات تؤدي إلى تطور بطيء جداً بأدنى معايير الدولة».
تحدّ من المحاسبة
غياب كتلة برلمانية وازنة للمعارضة في ظل حكومات الوحدة الوطنية يحد من المحاسبة، ولكن لا يمنعها. فـ»سواء كانت حكومة وحدة وطنية أم حكومة أكثرية، فان المنطق يفترض الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى النواب أن يحاسبوا الوزراء بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية»، يقول حاصباني. وعلى الرغم من اعتبار البعض أن وجود المعارضة في ظل الحكم الاكثري يزيد من فرص المحاسبة، فهم يتناسون أن حكومة اللون الواحد تمتلك أغلبية برلمانية ممكن أن تدافع عنها. وهذا ما يحدو برأي حاصباني إلى اعتبار المحاسبة شرطاً واجباً على البرلمان بغض النظر عن شكل الحكومة. مع العلم أن «المسؤولية في الحكومات الاكثرية تكون واضحة. فالموضوع لا يتعلق بلون الحكومة بقدر ما هو مرتبط بالقدرة على الفصل بين السلطات». والجدير ذكره بحسب حاصباني أن «عملية المحاسبة لا تكون فقط من مجلس النواب، إنما من قبل الشعب أيضاً. حيث يحاسب المواطنون المشرعين في حال تقصيرهم في ظل الحكم الاكثري».
هل يعود نجيب ميقاتي على حصان أبيض أم أسود؟
لاهداف غير وطنية
من المرجح أن يكون الاصرار على قيام حكومة وحدة وطنية هو لاهداف غير وطنية، تتمثل بعمل البعض على تناتش ما بقي من البلد وما تبقى من سلطة للدولة على هذا البلد. وكأن هناك دوراً من المفترض أن تلعبه في المستقبل القوى المطالبة للاستمرار في تضييع الاصلاحات بالتناقض، من خلال الدفاع والهجوم بين بعضهم البعض بحسب المصالح الشخصية الضيقة. وفي هذه الحالة «لن تمثل الحكومة الوطنية استفادة على المستوى الوطني إنما استفادة على المستوى الفئوي»، يقول حاصباني. و»هذا الأمر غير جائز ولا يساعد في الخروج من الازمات عادة. ومما يزيد الضغط في هذا الاتجاه اعتبار البعض أن مشاركة الجميع في الحكومة تضمن للفريق المعاقب والمقاطع دولياً، أي «حزب الله» وحلفائه، الغطاء الدولي للاستمرار في مشروعهم. مع العلم أنه عادة ما يجري التعامل مع هذا النوع من الحكومات على أنها مسيطر عليها أو مدارة من قبل الافرقاء غير المرغوب بالتعامل معهم من قبل الخارج. وهذا ما يؤثر على عمل الحكومة ككل.
البديل موجود دائماً
البديل عن حكومتي الوحدة الوطنية وحكومة اللون الواحد هو حكومة التقنيين المستقلة عن السياسيين. أهمية هذا النوع من الحكومات أنها تخضع أكثر من سابقاتها للمحاسبة وليس لديها أجندة أو اعتبارات سياسية شعبوية. وبالتالي يمكن لها أن تأخذ قرارات صعبة من دون الخوف من انعكاسها على مصالح أفرادها الضيقة. وفي الوقت الحاضر وإن لم تتضح أكثرية واضحة قادرة على تشكيل حكومة، فان «البديل الانسب هو حكومة من الاقتصاديين والاخصائيين غير المتربطين بجهات سياسية، وقادرين على وضع الحلول من دون اعتبارات سياسية أو شعبوية حتى لو كانت حلولاً صعبة»، يضيف حاصباني، و»أن تكون لهم القدرة على تنفيذها بتقنية وحرفية عالية في وقت قصير، أي باختصار حكومة أزمة ومهمة، ومهمتها الانقاذ الاقتصادي».
أبرز الأخبار