منهكين ومحملين بالأطفال كما الأغراض، وصل عشرات النازحين من مدينة ماريوبول جنوب شرق أوكرانيا أمس الثلاثاء إلى بر الأمان في مدينة زابوريجيا التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، بعد أن ظلوا لأسابيع مختبئين في تحصينات
أسفل مجمع مصنع أزوفستال للصلب، المحاصر من قبل القوات الروسية.
فقد خرج من حافلات استقرت في ساحة انتظار مركز تجاري في زابوريجيا بجنوب شرق أوكرانيا، أناس تبدو عليهم علامات الإنهاك، بينهم أطفال صغار ومسنون مثقلون بحمل الحقائب، بعد أن فروا من ماريوبول، مسقط رأسهم الذي تعرض لدمار شامل.
"قلنا وداعا للحياة"
وروى العديد منهم هول الدمار والقهر والحصار الذي عاشوه على مدى أسابيع في المدينة. وقالت فالنتينا سيتنيكوفا البالغة من العمر 70 عاما، والتي كانت تحتمي بمصنع آزوفستال لمدة شهرين مع ابنها وحفيدتها البالغة من العمر عشرة أعوام، "قلنا وداعا للحياة، ولم نعتقد أن أحدا يعرف أننا هناك".
كما أضافت، أن 17 أسرة أخرى بصحبة أطفالها احتمت معها بالمصنع لكن ملجأهم المحصن انهار من حولهم عندما قصفت روسيا المنطقة، لافتة إلى أن الجنود الأوكرانيين انتشلوهم من تحت الأنقاض قبل ثلاثة أيام، بحسب ما نقلت رويترز. وتابعت وهي تبكي "كانت حفيدتي تقول لي إني خائفة خائفة، فأرد عليها لا بأس سنخرج من هنا بطريقة ما".
فيما أكدت ألينا كوزيتسكايا التي قضت أسابيع مختبئة في قبو مع حقائبها، تتحيّن فرصة للهرب "لا أصدق أنني فعلتها، نحتاج فقط للراحة".
كل شي انهار
أما تاتيانا بوشلانوفا، (64 عاماً) التي لا تزال في ماريوبل، فروت ما حل بالمدينة المدمرة، مؤكدة أنها باتت معتادة على القصف الروسي حتى أنها لا تجفل عند انفجار القذائف. وقالت من أمام أحد المباني المحطمة، وهي تكفكف دمعها "تستيقظ في الصباح وتبكي..وفي المساء تبكي..لا أعرف إلى أين أذهب... كل شيء انهار، كل شيء تحطم".
كما ضافت "القصف لا يتوقف. لا أعرف كيف سأبقى هنا في الشتاء.. دون سقف.. دون نوافذ.. ".
"نسيهم الجميع"
في حين ذكّرت كسينيا تشيبيشيفا البالغة من العمر 29 عاماً، والمتزوجة من أحد مقاتلي كتيبة آزوف المتحصنة في أزوفستال، بمصير مئات الرجال والمقاتلين الأوكران العالقين بالمعمل الضخم، قائلة "نخشى أن يُترك الرجال هناك بعد إجلاء المدنيين.. لا نرى أي بوادر للمساعدة".
بينما أكدت امرأة أخرى أنهم بلا طعام أو ماء أو ذخيرة، قائلة " لقد نسيهم الجميع".
"شهادات مفجعة"
من جهته، أوضح باسكال هوندت رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أوكرانيا "أن الشهادات التي تلقتها البعثة مفجعة"، مضيف". كنا نأمل أن يتمكن عدد أكبر من الناس من الانضمام إلى هذه القافلة والخروج من الجحيم".
كما أكد أن "هناك الكثير ممن يرغبون حقا في المغادرة، لكنهم حوصروا بسبب الأعمال القتالية". وشدد على ضرورة التخفيف من معاناة المدنيين العالقين في المدينة التي باتت تحت السيطرة الروسية، قائلا "ينبغي إجراء العديد من عمليات الاجلاء بشكل عاجل"
200 مدني في آزوفستال
يذكر أنه لا يزال هناك أكثر من 200 مدني في مصنع آزوفستال للصلب بحسب ما أفاد أمس فاديم بويتشنكو رئيس بلدية ماريوبول، مع تواجد نحو 100 ألف مدني إجمالا في المدينة التي دمرها الحصار والقصف الروسي على مدى أسابيع.
فيما تحول مجمع آزوفستال الصناعي مترامي الأطراف ومخابئه وأنفاقه إلى ملاذ للعديد من المدنيين والمقاتلين الأوكرانيين.
وكانت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر نسقت عملية اجلاء من المدينة، لإخراج النساء والأطفال والمسنين من مصنع الصلب، بدأت في 29 أبرل الماضي، و استغرقت خمسة أيام. وقالت منسقة شؤون الإغاثة بالأمم المتحدة المعنية بأوكرانيا أوسنات لوبراني "بفضل تلك العملية، استطاع أخيرا 101 من النساء والرجال والأطفال والمسنين مغادرة المخابئ أسفل مجمع صلب آزوفستال ورؤية ضوء الشمس بعد شهرين من الحصار".
ومنذ انطلاق العملية العسكرية الروسية على أراضي الجارة الغربية في 24 فبراير الماضي، شكلت ماريوبول المطلة على بحر آزوف هدفا استراتيجيا لموسكو، كون السيطرة عليها ستفتح ممراً برياً لتنقل القوات الروسية بين الشرق الأوكراني وشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو لأراضيها عام 2014.