30-04-2022
مقالات مختارة
د. رودريك نوفل
<p>ناشط سياسي</p>
كما لو أنّه قُدّر للبنان أن يعيش دائماً المأساة من تلك الحالات الثنائيّة المتجددة من حالة إتفاق مار مخايل حيث تقع الكنيسة موقع الإتفاق في منطقة تابعة أمنياً لأحد أطرافه الذي غضّ النظر عن سرقة المكيّفات فيها الأسبوع الفائت كما حدث في كنيسة السيّدة، منطقة الحدت التي تبعد أمتار مشياً عن نفس المنطقة الأمنية لمار مخايل لحالة "أوعا خيّك" و قبلهما الحالة الأساس المسمّاة "الثنائي الشيعي" المرح الذي يعيش أخصامه تجاهه حالة إنكار… حتى زمن الإنتخابات حيث تجميع الأصوات و عمليات غسل دماغ الجماهير تكثر و تتكثف.
كما لو أنّه قُدّر للبناني أن ينتقل من مرحلة الإحتلالَين السوري و الإسرائيلي مروراً بمرحلة بلاد ما بين الصهرَين و إستكمالاً بمرحلة بلاد الثنائي المؤلَّف من الشيعيَيْن الذَين طبعاً لا يمثلان غالبية الشيعة الفعليّة بل غالبية الشيعة التي تنتخب و التي ستندثر و تضمحلّ لو إنتخب جميع الشيعة في البلد و الحال نفسها عند جميع الأحزاب التي تنجح بغياب الشعب و مقاطعته الإنتخابات. و ما زاد الطين بلّة هو هذا القانون الأعوَج الذي أنتجته السلطة التي تعيد إنتاج نفسها و قد شارك كل من صوّت له بإنتاجه لخيانة الوطن بالطرق الشرعية و الدستورية و القانونيّة و الديمقراطيّة التي ستُنتَج من مجموعة ديكتاتوريات يخيطها زعماء الطوائف و يلبسوها لجمهورهم عبر مسرحيّة تحت مُسَمّى "الإنتخابات". فالثنائي المرح لم يتقبل ترشيح أي لائحة منافسة له و الدليل أننا رأينا ما فعل لتعطيل إعلان لائحة معارضة في الصرفند، فهذا التصرف هو تابع لعدّة سوابق على مثال السبيل لا الحصر منها منع "بوسطة" الثورة من الدخول إلى الجنوب و إفتعال الشغب و المشاكل و العنف و الشيء نفسه حصل عندما حاول بعض المحتجّين التظاهر قرب عين التينة أو حتى بجانب مجلس النواب حيث تعرضنا لأكثر من مرّة لإطلاق نار من شرطة المجلس ناهيكم يا سادة عن الإستفادة من "فورة" شباب ١٧ تشرين و التلطي خلفها و إستعمال غطاء الثورة للتعدي على المحلات و سرقتها و إضرام النار فيها. كما إستفاد عناصر هذا الثنائي من حرق المصارف أيضاً و باكورة ما حصل هو التعدي العلني في وضح النهار على السيدات الثائرات لأنّهم لا يتحمّلون رؤية إمرأة معارضة حيث أنّهم همّشوا دورها السياسي و الريادي و تقصّدوا بعمدهم الضرب علناً إيصال رسالة تهديد للجنس اللطيف و ربما نجحوا بالجزء الكبير.
المتخلّف لا يعطي دَوراً للمرأة متناسياً أنها الأم و الأمّ هي الحياة و ما بعد الحياة الجنّة تحت أقدامهن! قساة القلوب ينسون الأخت التي هي الحنان و الطيبة! يذكرون فقط وليّ أمرهم و قوتهم الذين ولّوه عليهم بنفسهم صانعين من أشباه الرجال أنصاف الآلهة.
في دويلة ولاية الفقيه دور المرأة معدوم حيث أننا لا نراها مرشحّة في أي مجلس بلدي و لا في أيّة إنتخابات نيابيّة و لا حتى في المجلس السياسي و بطبيعة الحال غائبة عن الوزارة، أمّا في جمهوريّة ولاية النبيه هي شخصية الـ ٥١٪ في مصالح و أعمال و أرزاق الغير و مرّة واحدة عابرة في مجلس و وزارة عبر "عناية" الدكتورة بالنبيه و بالطبع مع إستثناء القريبات بالسفارات و الأسلاك الدبلوماسيّة و حتى في الكوادر التعليميّة.
في أوجه الشبه:
في دويلة ولاية الفقيه كما في دويلة ولاية النبيه يأتي الإجتهاد بالمعاني و المفردات أكثر من الإجتهادات "المفترضة" بالدين فالإحتلال عندهم هو حسب آخر تعريف للأمم المتحدة سنة ١٩٤٩ حيث يوقع صفة المحتل على أي جيش أو مجموعة من دولة تسيطر عسكرياً على دولة أخرى —طبعاً مع حالة إنكار للإحتلال السوري حيث شكروه قبل أن يخرج منذ ١٧ عاماً— فإذا سلمنا جدلاً بتعريف الأمم المتحدة الذي لم يتم تجديده و الإرتكاز عليه لتبيان و تعريف الإحتلال، علَينا أيضاً القبول بقرارات الأمم المتحدة و على رأسها ١٥٥٩ الذي ينصّ على تسليم السلاح و ليس الإستقواء به حيث نلاحظ يومياً إستعراض فائض القوّة عند الطرَفَين.
من ناحية أُخرى يرددون أنهم لبنانيّون و يأتمرون من لبنان و لا يشكلوا خللاً في التركيبة أو إحتلال متناسيَين أن نفس الصفات تنطبق على جيش لبنان الجنوبي سابقاً الذي كان يُعرف بإسم "جيش لحد" حيث كان عديده عناصر من لبنان تحمل الهوية اللبنانية يأمرهم ضابط لبناني و قد أطلقوا عليهم تسميّة "محتلّ".
نسي توابع ولايتَي الفقيه و النبيه أن إلمانيا إحتلّت فرنسا و حكمتها بواسطة حكومة فيشي التي ضمّت فرنسيين فقط و الجنرال بيتان الذي إعتبروه بطل من أبطال الحرب العالميّة الأولى ليَتَبَيّن أنّه محرّد خائن عميل خاضع لدولة محتلّة حيث أدخل "هتلر الطاغية" إلى باريس و كم يشبه هتلر بطغيانه طاغية دارت بعض العواصم العربية لفرض إحتلالها و لم تتمكن من إنهاء جولتها و العودة، فنهاية الطغاة على الأرض متشابهة… شوياً،
في تلك الدوَيلة يتناسَون تعريف الصليب الأحمر الدوَلي لكلمة إحتلال فهم يتناولون مفاهيم الصليب الأحمر كالـ"menu à la carte” و يستفيدون من خدماته بنقل أسراهم و إعادة رفاة أبنائهم و الإهتمام الطبي اليومي و على مدار الساعة بعائلاتهم كما بكل العائلات اللبنانيّة دون تفرقة حيث وَصَّفَ الصليب الأحمر سنة ٢٠١٢ أيّ قوّة مسلّحة في أي بلد تأتمر من بلد آخر و عَرَّفها بالإحتلال و هم يجاهرون علناً بإنتمائهم لإيران و إتباع أوامرها و الإستفادة من تموينها و تمويلها و تسليحها لهم.
نعم في تلك الدويلة يخافون فكر الرأي الآخر و يهددونه و تتم تصفيته كما حدث مع لقمان سليم و قد تجلّى ذلك بقلّة نسبة الترشيحات في المناطق التي تقع تحت سطوتهم، تلك السطوَة التي عِمادها سلاح متفلّت و عناصر غير منضبطة ركضت كالشرسة الشاردة من أحياء بيروت و جوارها يوم المظاهرة المليونية التي منعوها من البلوغ بقوّة العنف و بلطجة شرطة المجلس يوع التعبير عن الغضب في ٨ آب ٢٠٢٠ بعد ٤ أيّام فقط على إنفجار القرن حيث تم تعليق مشانق كرتونية و رمزية تحمل صوَر أنصاف آلهٰتهم و التي كان يأمل المليون الحاضر أن تكون مشانق حقيقيّة تريحه من محتلّي الكراسي و محتكري قرار البلد.
في الحقبة التي فرضت ولايَتَي و دوَيلَتَي الفقيه و النبيه سيطرتهما على الدولة طار البلد…
نعم لسوء الحظ!
طار البلد و طار معه أكثر من نصف مليون لبناني إلى جميع بقاع العالم هرباً من السطوة و تفتيشاً عن كرامةٍ فقدوها مع لقمة عَيشٍ و أمانٍ فبعد أن كان لبنان سويسرا الشرق، ها هم يعملون على تثبيت تصنيفه الجهنمي!
طار البلد بعد أن كان مستشفى الشرق و اليوم أضحَينا نشحذ البنج لمداواة ضرسٍ أو كسر عظم و أضحى مرضى السرطان مجموعات متظاهرة تحتج و تطالب بدوائها…
طار البلد بعد أن كان مصرف الشرق حيث سبق عصره كميل شمعون و جعل لبنان بعهده أوّل بلد عربي يقرّ السريّة المصرفية و صنع من لبنان خامس أقوى إقتصاد في العالم و من عملته دَيّن الدوَل و شغل بورصات العالم التي لم تكن تقفل قبل أن تقفل بورصته. هذا الرجل الذي تمنّى أن يُطلق عليه لقب "الخادم الأمين" بدل فخامة الرئيس فكان "فخامة الملك الخادم الأمين".
طار البلد بعد أن كان جامعة الشرق اصبحنا نفتّش عن قرطاسيّة للجامعة الوطنية التي طالت إدارتها الكثير من التهمات، كيف لا و هي خاضعة للمحاصصات و التنفيعات و التعيينات غبّ "الواسطات".
طار البلد بعد أن كان وجهة الشرق و قبلته الثقافية و العلمية حيث تم فيه طبع أوّل كتاب في العالم ليصبح معرض الكتاب فيه إيراني غوغائي سخيف.
طار البلد السياحي الأوّل في المنطقة لتصبح فنادقه مساحات للصدى يتردد فيها بكاء الوحدة.
طار البلد و دوره العربي الريادي الجامع الذي إكتسبه عبر التاريخ و رسّخه كميل شمعون الذي قيل فيه: "فتى العروبة الأغرّ" وصولاً للرئيس الحريري الذي إستشهد عربياً لبنانياً مقاوماً لإحتلالاً سورياً.
طار البلد و طارت معه أم الشرائع بيروت الفينيقيّة عاصمة الدوَل العربيّة.
بئس هذا الزمن الرديء، زمن سطوَة الدُوَيلة على الدَولة.
لكن يبقى الأمل، فبعد كل ضيق فرج و بعد كلّ ظلمٍ عدلٍ و حقٍّ لا يموت إذا بقي وراءه مُطالب فرهاننا الكبير على تصميم الشعب —لا زعمائه و لا أحزابه— الذي إذا أراد الحيَاة كما أظهر في ٤ آب ٢٠٢١ … سيستجيب القدر.