02-04-2022
مقالات مختارة
خالد أبو شقرا
خالد أبو شقرا
الحاجة إلى تحقيق إنجاز «يحفظ ماء وجه» الحكومة قبل استقالتها في 21 أيار، ويغطي على فشل العهد قبل انتهائه في تشرين الاول، دفعت المنظومة الى رفع منسوب الآمال بقرب الخروج من الأزمة. فمن يتابع التصريحات الرسمية يظن لوهلة أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أصبح بـ»الجيبة». ولم يعد ينقص التوقيع على برنامج الدعم، إلا القليل من «التشطيب» على بنيان «الإصلاحات» الهائل الذي قادته السلطة على غفلة من الجميع.
«لسنا نحن من نتحدث عن التقدم في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بل الصندوق نفسه»، قالها نائب رئيس الحكومة ورئيس الفريق اللبناني المفاوض سعادة الشامي. مدعّماً فرضيته بتغريدة لمديرة الصندوق بعد لقائها رئيس مجلس الوزراء، في قطر. حيث غردت كريستالينا جورجيفا على هامش «منتدى الدوحة» أن «اللقاء مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي كان جيداً. ويجري العمل على نطاق واسع لاستكمال برنامج الإصلاح الشامل. والصندوق لا يزال منخرطاً بشكل وثيق للمساعدة في معالجة أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة». ومما ساعد على نشر الأجواء التفاؤلية وجود وفد الصندوق في لبنان وإعلانه عن إحراز مزيد من التقدم في المحادثات والرغبة في التوصل إلى اتفاق مع السلطات اللبنانية». في خانة المحادثات هذه المؤشرات الإيجابية في الشكل وضعتها السلطة في «خلّاطها»، موحية مما انتجته من «نقاط عصير» بإمكانية بدء برنامج التمويل مع الصندوق قبل الانتخابات النيابية. لكن ما يفهم في الحقيقة من تصريح جيري رايس المتحدث باسم الصندوق أن «الأمور ما زالت في خانة المحادثات، التي وإن كانت تمضي في شكل جيد، فانه لا تزال هناك حاجة إلى عمل مكثف نظراً لعمق ومدى تعقيد التحديات التي تواجه لبنان. ومن الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات، وحتى بعد حصولها بأشهر طويلة»، بحسب الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان. «وذلك بالنظر إلى الأشهر الطويلة التي تتطلبها في العادة تشكيل حكومة جديدة، بعد تحول الحالية حكماً إلى تصريف الاعمال، فكيف إذا كانت هذه الحكومة ستستلم البلد في حال عدم التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بعد 31 تشرين الأول القادم. وعليه من المستبعد جداً أن يُقدم صندوق النقد على الإلتزام باتفاق تمويلي مع لبنان في ظل هذه الضبابية، وعدم القدرة على تنبؤ مواقف الاطراف السياسية التي قد تستلم الحكم بعد الانتخابات النيابية والرئاسية، وإن كانت ستكمل بمسيرة واتفاقيات الحكومية الحالية، أم ستنسفها وتبدأ من جديد كما حصل مع حكومة الرئيس حسان دياب». لا إصلاحات هذا في الشق السياسي، أما الأهم فهو ما يتعلق بالشأن الاقتصادي، حيث لم تُقدِم هذه الحكومة على إصلاح واحد «يكسر عين» صندوق النقد الدولي، ويشجعه على توقيع اتفاق ولو أولي مع الدولة اللبنانية. وإذا وضعنا جانباً طبخة التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، التي تشبه طبخة البحص، فهل عرفنا شيئاً عن ميزانية مصرف لبنان»، يسأل أبو سليمان. و»استتباعاً هل توصّلنا إلى اتفاق مبدئي أو أولي على خطة التعافي، من دون حتى أن ندخل بالتنفيذ، وأين هي موازنة 2022، وأين إقرار القوانين الاصلاحية مثل الكابيتال كونترول، وتعديل قانون السرية المصرفية، وتخفيض عجز الموازنة والاصلاح الضريبي وتوحيد سعر الصرف والسير بخطة الكهرباء... والقائمة تطول من متطلبات وشروط لم تنفذ منها الحكومة شيئاً، ومن غير الممكن أن تنجزها قبل الانتخابات النيابية، فعلى أي أساس ممكن أن يكون موقف الصندوق إيجابياً!». إدعاءات من نسج الأمنيات يتبين مما يحصل أن الحكومة تجهد لإرسال إشارات إيجابية بالتزامن مع وجود وفد صندوق النقد الدولي. وهي «مستقتلة» لتمرير «الكابيتال كونترول»، وإقناع الصندوق بالتوقيع على اتفاق مبدئي إنطلاقاً من نيتها الحسنة بالعمل على الإصلاحات. إلا أن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال امكانية بيع الصندوق الوعود الفارغة. فخلافاً لطريقة عمل البنك الدولي، فان صندوق النقد يطلب نتائج ملموسة على أرض الواقع وذلك بالنظر إلى حجم التمويل الكبير وطبيعته المختلفة. وبحسب أبو سليمان فانه «باستثناء إعطاء لبنان حقوق السحب الخاصة SDR مثلما أعطيت معظم دول العالم، فاننا لم نرَ أي دولار من الصندوق لغاية الآن. وعلى المقلب الآخر تخوض دول أوروبية حرباً قضائية على حاكم المركزي، الذي يتمتع بحماية حكومة هواها مصرفي. وإذا أضفنا إلى هذه المعطيات التأخر بتنفيذ قروض استجرار الطاقة من الاردن والغاز من مصر، يمكن الاستنتاج أن أحداً لا يعوّم هذه السلطة السياسية، أو حتى يعطيها شيكاً على بياض، وكل ادعاءاتها هي من نسج أمنياتها». «جزرة» الصندوق إتفاق النوايا الذي تدعي الحكومة إمكانية توقيعه مع صندوق النقد الدولي قبل الانتخابات النيابية يتطلب منها بحسب رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية د. منير راشد القيام بإجراءات أولية مسبقة (PRIOR ACTION)، وأن تكون جميع الاصلاحات جاهزة بالتفصيل، والموازنة للعام 2022 حاضرة. فيقوم عندها صندوق النقد الدولي بمراجعتها، ووضع مؤشرات أداء لها performance criteria. بهذا الشكل يمكن اختصار طريقة عمل صندوق النقد الدولي في إطار توقيع اتفاقيات التمويل مع الدول. اللغط الذي حصل والذي يتحمل جزءاً منه فريق عمل صندوق النقد الدولي، كان ايحاء البعثة للمسؤولين اللبنانيين، بامكانية التوصل لاتفاق في حال إقرار «الكابيتال كونترول»، من وجهة نظر راشد. «مع العلم أن قانون تقييد الرساميل هو واحد من الاجراءات المسبقة التي يطلب الصندوق تنفيذها. فهناك قبله توحيد سعر الصرف، ووجود موازنة شاملة لا تستثني مثلاً تمويل الكهرباء وخدمة الدين، وبنسب عجز مقبولة». ولكن الذي يحصل برأي راشد أن «بعثة الصندوق تستعمل مع الحكومة سياسة «الجزرة» بدلاً من «العصا» لدفعها نحو تحقيق بعض الاصلاحات المطلوبة، مع إدراك بعثة الصندوق المسبق أنها قد لا تكون كافية بالنسبة لمجلس إدارة الصندوق لتوقيع حتى اتفاق نوايا مع الجانب اللبناني. وبحسب معلومات راشد فان «وفد الصندوق الذي «حاف نعله» بالقدوم إلى لبنان منذ العام 2020 لم يحصل ولا مرة على تعهد واحد ملموس، لذا قد يكونون أوحوا هذه المرة بامكانية توقيع اتفاق مبدئي في حال إقرار الكابيتال كونترول. وذلك على الرغم من أن وجود قانون للكابيتال كونترول ليس شرطاً أساسياً يتقدم على بقية المطالب بالنسبة للصندوق. وهو في النهاية يجب أن يأتي كجزء من الاصلاح المالي وليس تدبيراً منفرداً. بمعنى أن يكون من ضمن الاتفاق على كيفية توزيع الخسائر وأن لا تتضمن الخطة مخالفات قانونية ودستورية، كالتي يحاولون تمريرها أو الوعد بها. فشطب الودائع على سبيل المثال لا يمكن أن يمر في البرلمان لانه يخالف الدستور». الحديث عن قرب توقيع اتفاق بغض النظر عن شكله وإطاره مع صندوق النقد قبل الانتخابات ليس له أساس من الصحة. وما حملة إطلاق الآمال التي يقودها المسؤولون اللبنانيون إلا نتيجة واحد من أمرين: إما تمويه البعثة الجانب اللبناني وعدم إدراك الأخير لما يحصل حقيقة. وإما تفسير المسؤولين إشارات الصندوق وإيحاءاته على ذوقهم «لنية في نفس يعقوب». والاحتمالان واردان.
أبرز الأخبار