17-03-2022
عالميات
لم تحصل روسيا على ما أرادت في الميدان بالسرعة التي كانت تنتظرها وفق خطّة الكرملين للاستيلاء على أوكرانيا عبر "حرب خاطفة"، فبدأت بمعاقبة الشعب الأوكراني على وقوفه سدّاً منيعاً في وجه أطماعها التاريخية والجيوسياسية بضربه بشتّى أنواع القذائف والصواريخ من دون التمييز بين مواقع عسكريّة وأحياء سكنية ومستشفيات ومخابز وملاجئ... وتزداد الآلة العسكرية الروسية وحشيّة يوماً بعد يوم لتُسيّج المدن المحاصرة بزنّار من "الدماء والنار" لضرب كلّ مقوّمات الحياة ونحر الجسم المجتمعي الأوكراني ليفقد روح المقاومة والصمود.
فامتدّت "يد الإجرام" بالأمس لتضرب مسرح الدراما في مدينة ماريوبول حيث يختبئ مئات المدنيين، فضلاً عن إطلاق عناصر من القوات الروسية النار على مدنيين ينتظرون في طابور للحصول على خبز قرب محلّ بقالة في حي سكني في مدينة تشيرنيغيف، ما تسبّب بمجزرة راح ضحيّتها 10 أشخاص، إضافةً إلى قصف مبنى سكنيّ في المدينة أدّى إلى مقتل 5 أشخاص، بينهم 3 أطفال.
كلّ هذه التطوّرات دفعت الرئيس الأميركي جو بايدن إلى وصف نظيره الروسي فلاديمير بوتين للمرّة الأولى بأنه "مجرم حرب"، فيما أوضح البيت الأبيض أن بايدن كان "يتحدّث من قلبه" بعدما شاهد على التلفاز صوراً "للأفعال الهمجية التي يقوم بها ديكتاتور متوحّش عبر غزوه بلداً آخر"، مشيراً إلى أن وزارة الخارجية الأميركية "باشرت إجراءات قضائية" في شأن أفعال روسيا.
كما جدّد الرئيس الأميركي هجومه اللفظي لاحقاً، وكتب في تغريدة أن "بوتين يُلحق دماراً مروّعاً ورعباً بأوكرانيا، ويقصف شققاً سكنية وأجنحة توليد". وفي إشارة إلى تقارير أفادت بأن القوات الروسية أخذت أطباء ومرضى رهائن في مستشفى في ماريوبول، قال بايدن: "إنها فظائع، إنها إساءة للعالم"، بينما سارع الكرملين الذي لم يحتمل كلام الرئيس الديموقراطي القاسي إلى التنديد بتصريحاته التي اعتبرها "غير مقبولة ولا تُغتفر لرئيس دولة قتلت قنابله مئات آلاف الأشخاص في أنحاء العالم".
وفي وقت سابق، أعلن بايدن عن مساعدات عسكرية جديدة بقيمة مليار دولار وإرسال أسلحة ذات مدى أبعد إلى أوكرانيا، مؤكداً دعم الولايات المتحدة "غير المسبوق" لحليفتها في حربها الضروس مع روسيا. واختار البيت الأبيض زيادة مساعداته العسكرية إلى أوكرانيا معلناً أنها ستحصل على 800 نظام مضاد للطائرات من طراز "ستينغر" و9000 سلاح مضاد للدبّابات و7000 سلاح خفيف و20 مليون قطعة ذخيرة. كما ستُزوّد واشنطن كييف بـ100 طائرة مسيّرة، أشار بايدن إلى أنها "تعكس التزامنا بإرسال أحدث أنظمتنا إلى أوكرانيا".
وفي ما يتعلّق بنشر أنظمة بمدى أبعد، أوضح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب غريغوري ميكس أنها ستشمل أنظمة صواريخ أرض - جو من طراز "أس 300" سوفياتية الصنع، وقال عبر "سي أن أن": "أنظمة "أس 300" هذه والمدفعية الأبعد مدى، هي التي ستُساعد في إغلاق الأجواء" فوق أوكرانيا، في وقت شبّه فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رعب الحرب الروسية في بلاده بهجمات "بيرل هاربور" و"11 أيلول" خلال خطاب وجداني ألقاه أمام الكونغرس الأميركي، وتوجّه إلى بايدن قائلاً: "أن تكون قائد العالم هو أن تكون قائد السلام".
وفي المقابل، رأى بوتين أن عمليته العسكرية "ناجحة"، مشدّداً على أن موسكو لن تدع أوكرانيا تتحوّل إلى "منصّة" يتمّ الإنطلاق منها لتهديد روسيا. وقارن "قيصر الكرملين" العقوبات الغربية التي فرضت على بلاده واقتصادها ورياضييها وعالم ثقافتها بالاضطهاد الذي عانى منه اليهود، مندّداً بـ"السلوك الشائن وغير اللائق" للغربيين. كما تحدّث مرّة جديدة عن أنه لا يسعى إلى احتلال أوكرانيا، لافتاً إلى أنه شنّ الهجوم لأنّ "كلّ الخيارات الديبلوماسية" قد استُنفدت، في حين تحدّث مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مع الأمين العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، في أوّل اتصال رسمي رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الغزو.
وأكد سوليفان لباتروشيف "المعارضة الحازمة والواضحة للولايات المتحدة للغزو الروسي غير المبرّر لأوكرانيا"، متعهّداً "مواصلة تحميل روسيا كلفة هجومها ودعم الدفاع عن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها وتعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي". كما حذّر من "عواقب وتداعيات أي قرار روسي باستخدام أسلحة كيماوية أو بيولوجية في أوكرانيا"، فيما أظهرت صور عبر الأقمار الإصطناعية، التقطتها شركة "بلانيت لابز بي بي سي" وحلّلتها وكالة "أسوشييتد برس"، هجوماً أوكرانيّاً على مطار خيرسون الدولي وقاعدة جوّية أخرى تُسيطر عليهما روسيا، ما أدّى إلى نشوب حرائق في العديد من المروحيات والمركبات المتوقفة هناك.
وفي غضون ذلك، أمرت محكمة العدل الدولية روسيا بتعليق غزوها لأوكرانيا فوراً، معربةً عن "قلقها العميق" حيال استخدام القوة الروسية الذي "يُثير مشكلات خطرة جدّاً في القانون الدولي"، في وقت استبعد فيه مجلس أوروبا، الضامن لدولة القانون في القارة، روسيا رسميّاً من صفوفه، فضلاً عن إعلان المحكمة الأوروبّية لحقوق الإنسان، الذراع القضائي لمجلس أوروبا، تعليق النظر في كافة الإلتماسات المرفوعة ضدّ موسكو، بينما استكمل الاتحاد الأوروبي ربط شبكته للكهرباء بأوكرانيا، ملتزماً بوعده إبقاء الأضواء مُنارة فيها.
وكان لافتاً الكلام الواضح والصريح الذي عبّر عنه البابا فرنسيس للبطريرك الروسي الأرثوذكسي كيريل خلال اتصال عبر الفيديو بينهما، حيث قال إنّ "على الكنيسة ألّا تستخدم لغة السياسة، بل لغة المسيح"، داعياً إلى "توحيد الجهود للمساعدة في تحقيق السلام"، بحسب الفاتيكان، فيما ناقش كيريل الحرب ضدّ أوكرانيا كذلك مع رئيس أساقفة كانتربيري في الكنيسة الأنغليكانية جاستن ويبلي. وأوضحت الكنيسة الروسية أنهما ناقشا "الجانب الإنساني" للأزمة.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار