08-03-2022
مقالات مختارة
صدمة كبيرة عمّت شركة فتال وموظفيها في لبنان إثر انتشار خبر مقتل رئيس مجلس إدارتها ومديرها العام هوبير فتال، بطعنات سكين تلقاها في الفيلا الخاصة به القائمة في منطقة المنصورية. لم يشأ عارفو هذا الرجل من المقربين والبعيدين تصديق خبر مقتله هو الذي كان فناناً خلاقاً وإدارياً ناجحاً محبوباً من موظفيه والجميع، وسرعان ما عادت الذاكرة بهولاء الى أحداث مؤلمة شهدتها عائلة فتال على مدى عقود متتالية وكأنها تراجيديا إغريقية ترسم بالدم مصير أبنائها..
بعد ظهر يوم الأحد الواقع فيه السادس من آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي نبأ مقتل هوبير فتال، لكن اكتشاف الجريمة تم صباح الأحد ولاحظ سكان الحي الهادئ في منطقة المنصورية عيلوت حركة كبيرة للقوى الأمنية أمام الفيلا التي يسكنها هوبيرت فتال، الواقعة وسط منطقة كثيفة الأشجار ومسيجة من كافة الجهات مع نظام حراسة متطور جداً بكاميرات المراقبة ومولد كهربائي يعمل على مدى 24 ساعة.
في الطريق الضيق المؤدي الى الفيلا المعزولة يمكن مشاهدة أكثر من لوحة تحذر من وجود الكلاب ويحرس الفيلا كلب من نوع «بيتبول»، عادة ما يبدأ بالنباح عند رؤية أي شخص يقترب من سياجها الخارجي الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول طريقة دخول المعتدي او المعتدين الى حرم الفيلا، ولماذا لم تتم مهاجمتهم من قبل كلب الحراسة؟
تحرك أمني سريع
تعود هوبيرت الخمسيني العازب ان يزور كل نهار أحد والدته التي تسكن في مبنى قريب ضمن المساحة الشاسعة التي تملكها عائلة فتال على تلة في المنصورية لتناول الغداء معها، لكنه تغيب عن موعده هذا الأحد. هل اكتشف الموظفون في الفيلا مقتله صباحاً وأبلغوا القوى الأمنية أم أن والدته ماري-كريستين هي التي افتقدت حضوره؟ الأمر لا يزال ملتبساً في ظل تكتم شديد وغياب لكل المستخدمين في المباني المتعددة التابعة لآل فتال. وكانت بلدية المنصورية قد حاولت، ما إن تبلغت بالخبر، الوصول الى مكان الحادثة لاستطلاع الأمر لكن طوقاً أمنياً كان قد ضرب حول المكان ومنع دخول أي كان اليه، كما ختمت البوابة الصغيرة المؤدية الى حديقة الفيلا بالشمع الأحمر ومنع عبورها من قبل أي كان وصودرت كاميرات المراقبة كلها.
وسريعأ أثمر عمل القوى الأمنية جهده فوفق آخر المعلومات أشار وزير الداخلية بسام المولوي أنه بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على وقوع جريمة القتل، تمكنت شعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن من كشف ملابساتها وتوقيف المتورطين فيها وهما من الجنسية السورية. وبحسب ما بات معروفاً فإن المغدور قد تلقى طعنات في عنقه و خاصرته بآلة حادة وأن سيارته مفقودة لكن لم يبلغ عن أي عمليات سرقة جرت داخل الفيلا. التساؤلات كثيرة ومن المبكر إيجاد أجوبة عنها، أية دوافع حدت بالقاتلَين الى ارتكاب جريمتهما وكيف دخلا البيت وخرجا منه من دون إثارة الشبهات او حتى إثارة الكلب؟ ألم يخشَيا كاميرات المراقبة وافتضاح أمرهما نتيجتها أم كانا ممن اعتادوا زيارة هذا المنزل لغرض ما؟
لعنة تتكرر
يُجمع الجيران على الإشادة بعائلة فتال، فالوالد برنار كان»قديساً» كما يقولون، شديد التواضع وصاحب أخلاق عالية، محبّ للأعمال الإنسانية يساعد الجميع ويتفاهم مع جيرانه على كل الأمور وكان القنصل الفخري لمنظمة فرسان مالطا في لبنان، وساهم في إنشاء مستوصف صحي وإنساني للمنظمة في منطقة عين الرمانة قدم خدمات كبيرة لأهل المنطقة وكل قاصديه. ويتأسف هؤلاء على رحيله بحادث سيارة وقع في مصر منذ حوالى 15 عاماً ذهب ضحيته الى جانب برنار فتال طوني سعادة الموظف والزميل الذي كان برفقته. ويتساءل البعض هل كان ذلك مجرد قضاء وقدر نتيجة انفجار إطار السيارة، كما قيل حينها، ام كان حادثاً مفتعلاً هدف الى التخلص من برنار فتال ومدقق الحسابات الذي كان برفقته بعد أن تسبب الحادث بكسور في العنق؟ فالقصة رغم إقفالها لا تزال في ذهن البعض غامضة تثير التساؤلات والشكوك. ويأتي مصرع هوبيرت العنيف اليوم ليضيف فصلاً الى مأساة آل فتال التي كانت قد شهدت فصلأ مؤلماً آخر مع رحيل الشقيق الأصغر جان في الأردن بفعل حادثة انتحار. وقد وجد الإبن الأصغر حينها جثة هامدة مع طلق ناري في رأسه. وتم إقفال المسألة على أنها حادثة انتحار لشخص عانى من بعض المشاكل الشخصية سابقاً لكنها ظلّت في نظر آخرين مدعاة للتساؤل والتشكيك.
من عاصروا الجيل الأسبق من آل فتال يخبرون أيضاً عن وفاة جورج فتال وهو أحد الإخوة الثلاثة الذين ورثوا الشركة عن الوالد جان فتال حيث قيل يومها أن الوفاة جاءت نتيجة سكتة قلبية، لكن سرت شائعات حينها عن أنها كانت نتيجة إنتحار. ولكن مهما يكن من أمر فإن المأساة لا تزال تضرب بيد قاتلة هذه العائلة التي وإن نعمت بالثروة والجاه والنجاح لم تحظ بالراحة والسلام والحياة الهادئة. ولا ينكر إثنان دورها التجاري الرائد في لبنان ورفعة الأخلاق التي يتحلى بها ابناؤها الذين باتوا يتوزعون اليوم على عدد من أبناء العمومة. فقد استطاعت عائلة فتال أن توسع إمبراطوريتها لتشمل فروعاً للشركة في سبعة بلدان تتوزع بين لبنان ومصر والأردن والإمارات والجزائر وكندا بعد أن احتفلت بمرور 120 عاماً على تأسيسها في العام 2017.
«ما في منو بالكون»نحاول أن نستطلع رأي بعض العاملين في الشركة حول أسباب يمكن أن تؤدي الى مقتل رئيسها ومديرها العام، لا سيما في هذه المرحلة التي يحكى فيها اليوم في لبنان عن مكافحة الاحتكار، وفي ظل موجة من ردات الفعل الحاقدة على مواقع التواصل الاجتماعي ترى في ما حصل عقاباً من القدر لمن يمارس احتكار الأدوية. لكن يجمع الكل على أخلاقية الشركة ومدرائها وبأنها لم تمارس يوماً الاحتكار بل كان المسؤولون فيها يسارعون الى البحث عن أي دواء مقطوع ولو لم يكن من الأدوية التي يستوردونها مباشرة ليتم تأمينه، كما يؤكد أحد الموظفين.
«ما في منه بالكون» هو الجواب الذي نناله على أسئلتنا، إنسان محب، آدمي، خواجة وقف مع موظفيه في الأزمة الاقتصادية وسعى الى تحسين ظروفهم قدر الإمكان. لا مبغضين له في الشركة بل على العكس متفاهم هو مع الجميع وعلى علاقة جيدة جداً مع أخيه وأبناء أعمامه الذين يتولى كل منهم مركزاً محدداً في الشركة، وكانوا قد انتخبوه ليتولى رئاستها بعد والده فأتي خصيصاً من فرنسا ليكمل المسيرة.
لا خلافات وسط العائلة ولا أي توتر يلاحظ بينهم، كل منهم يتولى مسؤولية إدارية معينة تمّ توزيعها بالتفاهم في ما بينهم، ولا تسري أية شائعات عن وضع مالي ما للشركة فهي تأثرت كسواها من الشركات في لبنان إثر الأزمة المالية أو جائحة كورونا، لكنها لا تزال تحافظ على مركز رائد بين أوائل الشركات التجارية في لبنان. لا يزال جرح غياب هوبيرت فتال حارقاً لكن أسئلة بدأت تدور في الخفاء من سيتولى إدارة إمبراطورية فتال بعد موت رئيسها؟ هل يكون الأخ الأصغر برتران ام أحد أبناء العمين جورج او خليل؟ الجواب لا شك سابق لأوانه. فالوقت اليوم للحزن والأسى الذي أصاب عموم العائلة وأعاد وأد اللعنة التي تلاحقهم منذ أكثر من جيل.
بين رائحة الموت وعطر الحياة
رحل هوبيرت فتال حاملاً معه سره الذي قد يكشف يوماً أو يبقى الى الأبد طي الكتمان. لا شك ان الغموض سيبقى محيطاً بالقضية وستكثر التساؤلات والشائعات وقد يردها البعض الى أسباب شخصية ترتبط بوضع هوبيرت وربما بماضيه وبنوعية الجريمة، فيما قد يربطها البعض الآخر بمآسي العائلة المتلاحقة التي تلامس حد اللعنة، لكن الأكيد أن التفلت الأمني الحاصل في لبنان وكثرة الطارئين والغرباء فيه باتت عوامل تستسهل الجريمة مهما علا شأن ضحيتها. لكن مهما يكن من أمر فجميع عارفيه أجمعوا على فقدان رجل إنساني معطاء محب للحياة منفتح على الناس ويجيد إدارة شركته على أفضل وجه، وقد سبق له انطلاقاً من روحه الخلاقة ودراسته الفنية أن أطلق عطره الخاص تحت اسم FHF لكن يبدو أن رائحة الموت والحقد أقوى من عطر الحياة والمحبة.
شركة فتال التي أذهلها الخبر كما صدمها من قبل خبر رحيل برنار فتال المفاجئ، أعلنت الحداد يوم الإثنين على رئيس مجلس إدارتها وطليعة الجيل الرابع من رؤسائها بعد أن نعته ونعاه كل موظفيه على صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل، في انتظار مراسم الدفن التي لم يحدد موعدها بعد ولكن يرجح أن تكون في كنيسة السريان الكاثوليك في منطقة المتحف حيث دفن والده من قبله.