07-03-2022
محليات
الأزمة المتصاعدة مع روسيا، والتي دفعت بسفيرها في لبنان ألكسندر روداكوف للردّ على بيان الخارجية اللبنانية الذي أدانت فيه العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ووصفه بأنه «لا يراعي العلاقات الودية بين البلدين»، ومن ثم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد روسيا، لا يعالجان بايفاد مستشارين همّهم الأساس إبرام الصفقات المالية والتجارية الخاصة.
كذلك فإن أزمة بهذا الحجم والخطورة لا تعالج مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو شخصية علاقات عامة في جزء منها خاص، ولا تأثير له في القرار الروسي الفعلي، ولا بتجاوز سفيري البلدين إن في بيروت (أي روداكوف) أو في موسكو شوقي بو نصار، إنّما عبرهما باعتبارهما الممرّ الإجباري والطبيعي لترتيب العلاقات بين البلدين ولتوضيح الالتباسات.
فالقانون الإداري في لبنان لم يعط الحق بتعيين مستشارين سوى للوزراء فقط، ويقتصر دورهم عادة على الإنابة مكان الوزير لاستقبال المواطنين أو صوغ منشور إعلامي وتنظيم احتفال وغير ذلك، من دون أن يكون لهم حق التدخل في توجيه أو صوغ القرار السياسي لا سيّما الاستراتيجي منه، أو حتى الاستشارة على قاعدة الاجتهاد من خارج النص، أي الدستور والبيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة والمسار التاريخي لعلاقة مع دولة ما، كما أن الوزراء في لبنان يمثلون أحزابهم وطوائفهم والموقف الفصل يعود إلى مرؤوسيهم.
ومع تقدّم الفساد واتّساعه، رست «بدعة المستشارين» بكثافة في المقرّات الرسمية، وهم ينحدرون من عالم المال والأعمال وحركتهم الاستشارية تتمحور حول المنفعة الخاصة لهم ولمرؤوسيهم التي لا تتعدّى الأسوار الشخصية إلى الفضاء الوطني.
موضوع المستشارين قد يكون على مقياس طبيعي في بلد كلبنان تهاوت فيه المؤسسات وتآكل فيه الاقتصاد وتتنافس فيه سرعة الصفقات والسرقات بشكل مفضوح، لكنه بالتأكيد لا يليق ومن غير الصحيح لأي فرد أو شخصية في دولة عظمى أن تفتح جزءاً من أبوابها لرجال الأعمال تحت ستار «المصالح السياسية»، وفي هذه الحال تتجاوز المسؤولية إلى ما هو أبعد من المحلي إلى الخارجي. على خلفية هذا الواقع المتكرر، يفرض تعاطي بعض الجهات في موسكو مع مجموعة في بيروت تُسمى «مستشارين في الشؤون الروسية» إشكالية غريبة مُبهمة تصبّ في استنتاج واحد، مفاده «نعم في إحدى غرف موسكو منتفعون أيضاً».
الدبلوماسية ورجالات الأعمال
ووفق مرجع وطني يراقب علاقات لبنان الدولية فـ»إن حركة الدبلوماسية والتعاطي القانوني الرسمي يتم بسياقاته الصحيحة مع الدول الكبرى، خصوصاً إذا ما كانت القرارات مصيرية، غير أن خرقاً وحيداً يتم عبر خط إحدى غرف الخارجية الروسية، حيث يُستقبل رجالات أعمال بعناوين استشارية معينة، خالية من أي صفات رسمية مُقرِرة وتُعطى لهم مساحات الخوض بشؤون عامة».
بدوره، يستغرب مصدر دبلوماسي حركة تلك الشخصيات ومبرّرات استضافتها كفاعلين وفعّالين في السياسة اللبنانية، ويسأل «وفق أي بند قانوني تُبنى العلاقات والمواقف بين الدول؟ كذلك يسأل على سبيل المثال لا الحصر: «هل للسادة، أمل أبو زيد، جورج شعبان وحليم بو فخرالدين وغيرهم كلمة الفصل، أو صفة حكومية أو دبلوماسية؟ وما هي حاجة وجود سفير للبنان في موسكو إذا كانت معايير «البزنس» تطغى على الدستور والأصول؟ ولماذا لا نرى مستشارين يتولّون العلاقات مع دول أوروبا واميركا؟ لماذا الاستثناء في بعض أماكن موسكو؟ ومن يتحمّل مسؤولية وتبعات ما يجري هناك»؟
ويؤكد المصدر أن العلاقات اللبنانية – الروسية يجب أن تكون أوضح وأعمق مما هي عليه اليوم، وإذا كان لبنان بكامله يتحمّل جزءاً كبيراً في إفشال العلاقات التي تنهض بالبلدين سياسياً واقتصادياً، فإن لبعض الموظفين في الخارجية الروسية مسؤولية أكبر. فروسيا العظمى لا يتناسب حجمها وموقعها ودورها مع زواريب لبنانية ضيقة ولا يمكن أن تُبنى الدبلوماسية والعلاقات من خلال أعمال ورجال أعمال».
لذلك، يعتبر المصدر الدبلوماسي «أن موقف وزارة خارجية لبنان من العملية العسكرية الجارية بين موسكو وأوكرانيا، هو تعبير عن رأي رئيسي الجمهورية والحكومة وليس محل إجماع لبناني، لا سيّما على صعيد مجلس الوزراء مجتمعاً، وانتهاك للبيان الوزاري في بند النأي بالنفس، الذي يجب أن يكون شاملاً كل القضايا القريبة والبعيدة ولا يخضع للاستنسابية، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب الذي قال إنه «تلقّى تهنئة من الرئيس ميشال عون على البيان ونسّق بشأنه مع الرئيس ميقاتي». ثم إن حدثاً عالمياً بهذا الحجم ليس «بمزحة عابرة» في أحد زواريب لبنان، وموقفاً رسمياً بهذا المستوى أيضاً ليس كسجال تيارات وحركات وأحزاب بالية بين المناطق. فالقرار اليوم سيُبنى لاحقاً عليه مقتضاه، وإذا ما كان هناك مراجعة لما صدر عن لبنان الرسمي فالأجدى تكليف سفير لبنان في موسكو للتوضيح أو صدور بيان مباشر من مجلس الوزراء، أو أقله نفي لما قاله الوزير بو حبيب نقلاً عن لسان الرئيسين عون وميقاتي، لأن وضع حركة المستشار أمل أبو زيد نحو شخصية ما في موسكو على أنها في إطار تنظيم الخلاف أو تصحيح اللغط الذي حصل - إن كان هناك لغط - فهو أمر معيب جداً وفاضح ولا يرتقي لمستوى روسيا ولا للعلاقات التاريخية معها، خاصة وأن المستشارين في لبنان يعملون لمنفعتهم ومصالحهم الشخصية والجهوية، على حساب المصالح العليا للبنان وكل فرد فيه، وبالتالي كل ما لا يتم عبر قنوات رسمية إدارية وزارية لا يُعول عليه روسيّاً، بل غير موجود..
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار