05-03-2022
عالميات
لم تكتفِ موسكو باستمرارها في نهج حرق أخضر المدن الأوكرانية ويابسها وتدميرها فوق رؤوس ساكنيها، بل ذهبت إلى حدّ المخاطرة العسكريّة على حافة "الهاوية النوويّة" في محطّة زابوريجيا، حيث استهدفت نيران دبابة روسية المحطّة النووية الأكبر في أوروبا، ما أسفر عن اندلاع حريق في مبنى للتدريب. لكن لحسن الحظّ لم تتضرّر أيّ معدّات أساسية فيها ولم تُسجّل أي تغييرات في الوضع الإشعاعي، بفضل مسارعة فرق الإطفاء الأوكرانية إلى إخماد الحريق، في قصف متهوّر رأى فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لجوءاً من موسكو إلى "الرعب النووي"، متّهماً إيّاها بالسعي إلى تكرار كارثة تشيرنوبيل.
وإذ قال زيلينسكي في رسالة عبر الفيديو نشرتها الرئاسة الأوكرانية: "ليس هناك أي بلد آخر في العالم سوى روسيا أطلق النار على محطّات للطاقة النووية. إنّها المرّة الأولى في تاريخنا، في تاريخ البشرية. هذه الدولة الإرهابية تلجأ الآن إلى الرعب النووي"، أضاف: "أوكرانيا لديها 15 مفاعلاً نوويّاً. إذا حدث انفجار، فستكون نهاية كلّ شيء، ستكون نهاية أوروبا، سيتمّ إخلاء أوروبا"، معتبراً أن "تحرّكاً أوروبّياً فوريّاً فقط يُمكنه أن يوقف القوات الروسية"، إذ "يجب منع أوروبا من الموت بسبب كارثة نووية".
وفي السياق، حذّرت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد خلال اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي من أن القصف الروسي على أكبر محطة للطاقة النووية في أوكرانيا شكّل "تهديداً هائلاً لكلّ أوروبا والعالم"، معتبرةً أن العالم نجا من كارثة نووية، ووصفت الهجوم بأنه "غير مسؤول" و"خطر"، بينما نفى السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا أمام مجلس الأمن الدولي أن تكون روسيا قد هاجمت الموقع النووي، متّهماً أوكرانيا بإشعال حريق في هذه المنشأة.
وقبل اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول الناتو في اليوم التاسع من الغزو الروسي لأوكرانيا، دان الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي" ينس ستولتنبرغ عمليات القصف الروسية التي أصابت المحطة النووية، وقال: "الهجوم على محطة نووية يدلّ على الطابع المتهوّر لهذه الحرب وضرورة وضع حدّ لها". كما أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه الشديد في شأن المخاطر الناتجة عن الغزو الروسي على "الأمن النووي"، في وقت اقترح فيه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرّية رافاييل غروسي إجراء زيارة إلى تشيرنوبيل للتفاوض مع كييف وموسكو على مسألة ضمان أمن المواقع النووية الأوكرانية.
وجاء الاقتراح بعد ساعات من سيطرة القوات الروسية على محطة زابوريجيا النووية. لكن "الطاقم يتحكّم في مباني الطاقة ويضمن تشغيلها حسب اللوائح الفنية لسلامة تشغيلها"، على حدّ قول الهيئة التنظيمية للقطاع النووي الأوكراني، في حين نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن مسؤول غربي أن الجيش الروسي فَقَدَ قادة بارزين شمال العاصمة الأوكرانية كييف برصاص قناصة أوكرانيين، بينما تحتدم المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية قرب مدينة ماريوبول الإستراتيجية الواقعة على بحر آزوف.
وفي موقف بدا فيه الرئيس الروسي كمَن يدفن رأسه في الرمال أمام العالم الذي يُشاهد "آلة القتل" الروسيّة وهي تفتك بأرواح المدنيين في أوكرانيا، أكد بوتين خلال اتصال مع المستشار الألماني أولاف شولتز أن القوات الروسية لا تقصف المدن الأوكرانية، معتبراً الإتهامات بهذا الخصوص مفبركة، بحسب الكرملين الذي أوضح في بيان أن بوتين قال إن "التقارير عن غارات جوّية متواصلة على كييف ومدن كبيرة أخرى هي أنباء كاذبة تصبّ في إطار الدعاية"، مشدّداً على أن الحوار من أجل إحلال السلام في أوكرانيا غير ممكن إلّا في حال القبول "بكلّ المطالب الروسية". بالتوازي، تستعدّ كييف لعقد جولة جديدة من المفاوضات مع موسكو اليوم أو غداً.
أما ميدانياً، فتتواصل المعارك الضارية على أكثر من جبهة في ظلّ المحاولات الروسية الحثيثة لتحقيق تقدّم يعتدّ به على الأرض، خصوصاً على جبهة العاصمة كييف، بينما ارتفع عدد قتلى الغارة الروسية التي تسبّبت بمجزرة في مدينة تشيرنيغيف الخميس، إلى 47 قتيلاً. بالتزامن، تحدّث مسؤول أميركي لقناة "الحرة" عن مؤشرات الى ترك قادة وعناصر روس القتال في المعارك الدائرة في أوكرانيا، مشيراً إلى أن القتال لا يزال مستمرّاً في مدينة خاركوف، حيث دخلت "قوات روسية خاصة وعناصر استخبارات وعصابات مأجورة" المدينة.
وفي "هجرة معاكسة" لافتة، كشفت مجلّة "فورتشن" أن نحو 80 ألف أوكراني تركوا وظائفهم في دول أوروبّية مختلفة وعادوا إلى بلادهم من أجل المشاركة في القتال ضدّ الروس. ومن بين هؤلاء عمّال بناء وعاملون في مستودعات وسائقو شاحنات، معظمهم يعملون في دول مجاورة لأوكرانيا وكانوا قد استقرّوا هناك مع عائلاتهم خلال السنوات الأخيرة، في وقت سلّمت فيه الولايات المتحدة أوكرانيا أكثر من ثلثَيْ الأسلحة التي وعدتها بها في نهاية شباط الفائت، بحسب البنتاغون الذي اعتبر أن كييف تستخدم هذا العتاد بفعالية في إبطاء تقدّم القوات الروسية.
وفي الغضون، أكد أعضاء "حلف شمال الأطلسي" أن الحلف لن يُقيم "منطقة حظر جوّي" فوق أوكرانيا، مؤكدين استعدادهم لفرض عقوبات جديدة على روسيا لإجبارها على وقف الحرب. كما شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبّية أورسولا فون دير لايين أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتبنّي "عقوبات جديدة صارمة إذا لم يوقف بوتين الحرب التي بدأها"، فيما لم يستبعد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل اتخاذ قرارات في شأن مشتريات الغاز والنفط من روسيا والتي تسمح لها بتمويل الحرب. كذلك، أبدى وزراء خارجية دول "مجموعة السبع" في بيان نيّتهم فرض "عقوبات صارمة جديدة" على موسكو، ردّاً على العدوان الروسي ضدّ أوكرانيا، والتزامهم مواجهة "حملة التضليل" الروسية.