03-03-2022
محليات
بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب متلفز بعد أسابيع من التوتر المتصاعد، إطلاق الهجوم العسكري على الاراضي الاوكرانية، أصدر وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب بياناً دان فيه اجتياح الأراضي الأوكرانية، ودعا روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فورا، وسحب قواتها منها، والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحل النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن الجانبين". ما أثار بلبلة، واعتبر البعض أنه "يفتقر الى الدبلوماسية"، ويخالف قرار لبنان بالتزام سياسة الحياد إزاء الدول الأخرى في أزماتها وحروبها. وأمس صوّت لبنان مع إدانة الغزو في مجلس الامن. فهل كان موقف لبنان صائباً؟ المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يقول لـ"المركزية": "تنصّل الجميع من بيان الخارجية وذلك نتيجة المصالح، حتى أن البعض اتهم بوحبيب أنه اتّبع توجيهات أميركية، علماً ان البيان صدر بالتوافق مع رئيسي الجمهورية ميشال عون والوزراء نجيب ميقاتي. وتعد الخطوة التي اتخذها بوحبيب شجاعة، لأن الكثير من الدول حتى حلفاء روسيا والمقربين منها كالهند والصين اتخذا موقفاً مشابهاً. المأخذ الوحيد هو ان لبنان قد يكون استعجل في إرساله، ولم ينتظر الاجماع العربي". ويضيف: "لبنان ليس طرفا في النزاع الروسي -الاوكراني، لكنه جزء من المجتمع الدولي وعضو مؤسس في الامم المتحدة ولذلك فإن المطلوب منه إدانة أي خرق لقوانينه، بغض النظر عن الدولة المعنية. خاصة وانه دولة صغيرة، واقعة ما بين جارَين قاسيين يحاولان ابتلاع ارضه وغزوه، أكان سوريا ام اسرائيل. ولا زال يعاني من احتلال اسرائيلي برا في مزارع شبعا وبحرا حيث يسعى لترسيم حدوده معها، ويطالب الامم المتحدة باعتماد القوانين الدولية لحل النزاع. لذلك فإن لبنان معني برفع الصوت دائماً لعدم خرق القوانين الدولية". ويتابع: " موقف لبنان لا غبار عليه، لأن قوة لبنان في قول الحقيقة، حتى لو كانت ستزعج الطرف الآخر، وموقفه جاء دفاعاً عن القيم الانسانية والاخلاقية لمفاهيم الشرعية الدولية. كما ان البيان دعا الطرفين الى الجلوس الى طاولة المفاوضات من اجل التباحث والوصول الى حل الخلافات العالقة بينهما، وهنا نأى لبنان بنفسه عن أي حل ولم يؤيد أخبار هذه الدولة او تلك. بوحبيب يختلف في تصريحاته كليا عما يحاول اللبنانيون الانقسام حوله والوقوف مع هذا الطرف او ذاك، نتيجة المواقف وخلط الاوراق وكأنها معركة ما بين الاميركي والروسي. النزاع الاوكراني -الروسي لا يمكن تصنيفه في المعايير الدولية الا تحت خانة غزو روسيا لدولة يسكنها 55 مليون نسمة وتبلغ مساحتها اكثر من نصف مناطق الشرق الاوسط. لذلك فإن الموقف الذي اتخذه بوحبيب جاء مراعاة للمصالح الدولية وليس بأوامر اميركية لأن الموقف اللبناني في النهاية لا يقدم ولا يؤخر، وإنما يعزز موقعه، فلبنان يقيم علاقات مع كلا البلدين ويستورد منهما القمح والزيت والحبوب وله طلاب وعائلات مزدوجة، لذلك لا يمكن ان يقف مع أي طرف فقط لأنه يدعم وجوده في المنطقة أكان الاميركي او الروسي". ويعتبر العزي ان "النأي بالمشكلة يكون من خلال التصويت في مجلس الامن كما فعلت الامارات العربية المتحدة، التي نأت بنفسها لأنها تمثل المجموعة العربية ولم تصوّت لسبب بسيط: الاول انها تريد، مع السعودية، ان تلعب دورا محوريا وتقوم بوساطة معينة لتصدير الغاز والنفط، والذي تمثّل باجتماع المجموعة العربية الذي عقد في القاهرة منذ يومين بإعلان موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الواضح والصريح خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إدانة الغزو والتوقف السريع للاعمال القتالية والاتجاه الى الحوار لأنه قد يؤمن التوافق والخروج من الازمة"، مشيراً الى ان "هذا الموقف تزامن أيضاً مع الحليف الفعلي لروسيا أي الصين التي اتخذت موقفا اكثر خشونة تجاه الروس وطلبت منهم التخلي عن عقلية الحرب الباردة وايقافها والجلوس الى الطاولة والتفاوض لأن استراتيجية الصين هي وفقا لتأمين السلام العالمي والتنافس الاقتصادي. وكذلك الهند، ودول كثيرة وقفت وجابهت عملية الغزو ولكن امتنعت لأسباب او لأخرى أن تكون طرفا في هذا الغزو". ويضيف العزي: "ما تريده الولايات المتحدة او روسيا من الصراعات الدولية وتوسيع مواقع النفوذ موضوع آخر. فقد صوتت روسيا في مجلس الامن ولم ترفع الفيتو الى جانب الولايات المتحدة في تصنيف "الحوثيين" تحت بند عقوبات الارهاب وهذا دليل واضح الى وجود مصالح لكل دولة. فهي تشد في نقاط وترخي في أخرى. بدوره، دعا المرشد الايراني الاعلى علي خامنئي الى وقف هذه الحرب والاستنزافات ولا جدوى منها لأنها خاسرة. من هنا فإن موقف لبنان صحيح، إذ لا يمكن النأي بالنفس في موضوع وان تكون في موضوع آخر جزءا من المشكلة، لأن الوقوف مع طرف ضد الآخر يحمّل لبنان عبئا لا يريده. الجميع يتبرأ من البيان ويحاولون تقديم بوحبيب كبش محرقة. إلا ان ما صدر عنه لم يكن زلة لسان ولم يرتكب خطأ. ويختم العزي: "يجب على كل سياسيي الدول ودبلوماسييها الدفاع عن القيم الانسانية ووفقا للاعراف الدولية وشرعة الامم المتحدة وبالتالي كون لبنان عضوا في هذه المنظمة ويحتاج الى حضانة دولية وعربية، فإن ما يحميه ليس التحالفات او إقحامه في معارك الآخرين إنما الموقف الواضح والصادق والطرح الجيد وعدم الغموض او تدوير الزوايا".
أخبار ذات صلة