03-03-2022
عالميات
على وقع قصف القوات الروسيّة المدن الأوكرانية بشكل بربري، كما فعلت سابقاً في غروزني الشيشانية وحلب السورية، متّبعةً نهج "الأرض المحروقة"، ما أدّى حتّى الآن إلى تهجير نحو 900 ألف مدني من البلاد إلى دول الجوار منذ 24 شباط، وجّه المجتمع الدولي أمس "صفعة ديبلوماسية أممية" لـ"القيصر الروسي" فلاديمير بوتين، فتظهّرت العزلة التي تُعاني منها موسكو على الساحة الدولية بشكل جلي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين تبنّت قراراً "يُطالب روسيا بالتوقف فوراً عن استخدام القوّة ضدّ أوكرانيا" بغالبية أصوات 141 دولة، بينما عارضته 5 دول فقط، هي روسيا نفسها وحليفتها الوثيقة بيلاروسيا وكوريا الشمالية المعزولة عن العالم و"إريتريا وسوريا"، فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت، أبرزها الصين وكوبا وإيران.
وبينما قوبل القرار الصادر تحت عنوان "العدوان على أوكرانيا" بعاصفة من التصفيق الحار في القاعة، طالب موسكو بـ"أن تسحب على نحو فوري وكامل وغير مشروط جميع قواتها العسكرية" من أوكرانيا، ودان زيادة روسيا "حال تأهب قواتها النووية". كما استنكر القرار الذي طرحه الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع أوكرانيا وصدر بعد أكثر من يومَيْن من المداخلات، بـ"أشدّ العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا"، وأكد "التمسّك بسيادة واستقلال ووحدة أراضي" أوكرانيا بما فيها "مياهها الإقليمية"، داعياً إلى وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحافيين إن "رسالة الجمعية العامة قوية وواضحة. ضعوا حدّاً للعمليات الحربية في أوكرانيا، الآن! إفتحوا الباب للحوار والديبلوماسية، الآن!"، فيما صرّح سفير الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة أولوف سكوغ للصحافيين بأن "روسيا اختارت العدوان... العالم اختار السلام"، واصفاً ما حصل بأنه "تصويت تاريخي".
وشجب سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة سيرغي كيسليتسيا على منصّة الأمم المتحدة ما وصفه بأنه "إبادة جماعية" ترتكبها روسيا في بلاده، وحضّ المجتمع الدولي على التحرّك لعدم تكرار ما فعله هتلر، في وقت اتهمت فيه سفيرة الولايات المتحدة ليندا توماس غرينفيلد روسيا بنقل ذخائر عنقودية وأسلحة أخرى محظورة بموجب اتفاقية جنيف إلى أوكرانيا.
وفي الغضون، وبعدما لم تُسفر المحادثات الأولية التي أُجريت الإثنين عن نتائج ملموسة، أوضحت روسيا أن وقف إطلاق النار سيكون على جدول أعمال جولة ثانية من المفاوضات الروسية - الأوكرانية اليوم. وتوجه المبعوثون الأوكرانيون بالفعل إلى "مكان المفاوضات" في بيلاروسيا قرب الحدود مع بولندا لعقد جلسة ثانية من المباحثات، وفق الرئاسة الأوكرانية، بينما أبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن استعداد بلاده "لدعم الجهود الديبلوماسية" لأوكرانيا لضمان وقف لإطلاق النار مع روسيا، واصفاً تلويح بوتين بالقوة النووية بأنه "ذروة اللامسؤولية" و"خطوة استفزازية". كذلك، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه على "البقاء على اتصال" مع الرئيس الروسي بهدف "اقناعه بالتخلّي عن السلاح" و"لتجنّب انتشار واتساع النزاع قدر ما يُمكننا".
ميدانيّاً، يستحضر الهجوم الروسي الدموي على أوكرانيا لدى كثيرين صور الحرب العالمية الثانية، وحتّى الحرب السورية من حيث حجم الدمار الهائل، ما يُثير مخاوف من حرب كاسحة، مع مشاهد القصف المكثف والاتهامات بارتكاب "جرائم حرب" واستخدام أسلحة محظورة. وفي اليوم السابع من الهجوم الذي أطلقه بوتين، واصلت القوات الروسية هجومها على المدن الأوكرانية خصوصاً خاركوف، ثاني مدن البلاد.
وبعد عمليات قصف مكثّف على وسط المدينة أوقعت 21 قتيلاً على الأقلّ الثلثاء، استهدفت ضربات بالأمس مقار محلّية لقوات الأمن والشرطة، وكذلك جامعة هذه المدينة الواقعة على بُعد 50 كلم عن الحدود الروسية، بحسب أجهزة الطوارئ، التي تحدّثت عن سقوط 4 قتلى و9 جرحى. وفي العاصمة كييف، حيث يستعدّ السكان الذين ظلّوا فيها منذ أيام لاستقبال الجيش الروسي بالرصاص وقنابل "مولوتوف"، يسود هدوء نسبي بعد ضربات دموية الثلثاء استهدفت برج التلفزيون، قد يكون "الهدوء الذي يسبق العاصفة" التي تتهيّأ القوّات الروسيّة لاستقدامها فوق رؤوس أهالي كييف.
أمّا في جنوب البلاد، فقد أعلن الجيش الروسي أنه "سيطر بالكامل" على مدينة خيرسون، الأمر الذي نفاه البنتاغون، بينما تحدّث رئيس بلديّتها إيغور كوليخاييف عن "كارثة إنسانية"، طالباً مساعدة وسائل الإعلام لتأمين "ممرّ إنساني" من أجل إخراج الضحايا وإدخال الأدوية والأغذية و"إلا فالمدينة ستموت"، بحسب ما نشر على موقع "فيسبوك". كما حذّرت السلطات المحلّية وسكان ماريوبول من أن "الوضع يتدهور من ساعة إلى أخرى" في المدينة التي تضمّ الميناء الأوكراني الرئيسي على بحر آزوف، مع قصف الجيش الروسي وسط المدينة ومناطق سكنية، في حين أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها حيال تقارير تُفيد بحصول هجمات على مستشفيات وأهداف طبية خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي ظلّ التوتّر على طول الخطّ الفاصل بين روسيا وأوروبا الشرقية، قُتِلَ 5 عسكريين في تحطم مروحية إنقاذ عسكرية رومانية كانت في عملية بحث عن طائرة "ميغ 21" اختفت عن الرادار. علماً أن رومانيا عضو في "حلف شمال الأطلسي". كما دخلت 4 مقاتلات روسية المجال الجوي السويدي شرق جزيرة غوتلاند في بحر البلطيق، بحسب القوات المسلّحة السويدية. والسويد ليست عضواً في "الأطلسي"، لكنّها تتعاون بشكل وثيق مع الحلف.
وعلى خطّ العقوبات التي يُمطرها الغرب على "نظام بوتين" والمتعاونين معه، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا وبيلاروسيا طالت قطاعات التكنولوجيا العسكرية. وأوضح البيت الأبيض في بيان أن العقوبات الجديدة تهدف إلى إضعاف القدرات الدفاعية والقوة العسكرية الروسية لسنوات عدّة ومحاسبة بيلاروسيا على مساعدتها في الحرب على أوكرانيا. وستطال العقوبات 22 كياناً روسيّاً مرتبطاً بوزارة الدفاع، بما في ذلك شركات تُصنّع طائرات مقاتلة وعربات مشاة قتالية وأنظمة حرب إلكترونية وصواريخ وطائرات من دون طيار لصالح الجيش الروسي.
وفي سياق متّصل، هدّد الرئيس الأميركي جو بايدن بفرض عقوبات على واردات النفط الروسية إلى الولايات المتحدة، مؤكداً أن الأمر "ليس مستبعداً"، في وقت استبعدت فيه الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي 7 مصارف روسية من نظام "سويفت" المالي العالمي، إلّا أنها استثنت مؤسّستَيْن ماليّتَيْن كبيرتَيْن مرتبطتَيْن بقطاع المحروقات (سبيربنك وغازبروم بنك)، بسبب اعتماد عدد من الدول الأوروبّية بشكل كبير على الغاز الروسي. كما شدّد الاتحاد الأوروبي عقوباته على بيلاروسيا وأدرج 22 من كبار ضبّاطها على اللائحة السوداء.
أخبار ذات صلة