01-03-2022
عالميات
تزداد العزلة الدولية على موسكو على أكثر من جبهة، أمميّة وديبلوماسيّة وملاحيّة وماليّة وتجاريّة وكرويّة ورياضيّة... وبات الروس مع بدء تلقّفهم تداعيات مغامرات "القيصر" فلاديمير بوتين المأزوم، بمثابة نزلاء في "سجن كبير"، حيث الأحوال المعيشيّة تزداد سوءاً بشكل دراماتيكي بفعل العقوبات الغربية القاسية التي أدّت إلى تدهور سريع في سعر صرف الروبل الروسي أمام الدولار، ما ظهّر أكثر فأكثر الشرخ في المواقف وسط الشارع الروسي مع تبلور نوع من "رأي عام" معارض لعدوان موسكو ضدّ أوكرانيا، حيث خرجت خلال الأيّام الأخيرة تظاهرات في مدن روسيّة عدّة مناهضة للحرب، اعتُقِلَ خلالها الآلاف، في وقت أطلق فيه أوليغارشيّون روس، بعضهم مقرّب من الكرملين، مواقف معارضة لسياسات بوتين التي هدّدت أعمالهم وقيّدت تحرّكاتهم في أنحاء العالم كافة.
وتحت وقع الضغط الداخلي في موسكو والقصف الروسي الكثيف على المدن الأوكرانية، ومع اشتداد المعارك الضارية للسيطرة على مدينة خاركوف العصيّة على القوّات الروسيّة، تفاوض الوفدان الروسي والأوكراني على الحدود الأوكرانية - البيلاروسية في منطقة غوميل، وعادا إلى بلدَيْهما "لإجراء مشاورات في عاصمة" كلّ منهما، بعد أن اتفقا على إجراء "جولة ثانية" من المحادثات، في وقت أبلغ فيه بوتين نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون شروطه التعجيزية لوقف غزو أوكرانيا، ومنها الإعتراف بالقرم كأرض روسية وإعلان حياد كييف وتخلّي الحكومة الأوكرانية عن "نازيّتها".
وفي حين تُحاول جهات عدّة التوسّط لوقف الحرب، كان آخرها الفاتيكان، إذ كشف المسؤول الثاني فيه الكاردينال بيترو بارولين أن الفاتيكان مستعدّ للمساعدة في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن "قوات الثالوث النووي الروسي بدأت بالمناوبات بطواقم معزّزة"، تنفيذاً لأمر بوتين، بينما أكّد مسؤول كبير في البنتاغون أن واشنطن لم ترصد أي تغيير ملموس في الوضع النووي الروسي، لكنّه قال: "لا نزال نُراقب ونرصد الوضع من كثب"، مضيفاً: "لا أعتقد أننا رأينا نتيجة ملموسة لقراره (بوتين). ليس بعد، في أيّ حال".
وفي الغضون، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أن بلاده ستمنع السفن الحربية لـ"الدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود" من عبور مضيقَيْ البوسفور والدردنيل، فيما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد قُبيل ذلك أن بلاده "لن تتخلّى لا عن روسيا ولا عن أوكرانيا، كما لن تتخلّى عن مصالحها القومية".
وفي مؤشّر إلى مدى شدّة العقوبات المفروضة على روسيا، أعلنت سويسرا المعروفة بتمسّكها بالحياد وبمصارفها التي يعدّ من عملائها العديد من كبار الأثرياء الروس النافذين، أنها ستُطبّق العقوبات الأوروبّية على روسيا. وفي هذا الإطار، عقدت الحكومة السويسرية اجتماعاً قرّرت فيه أن تُطبّق كامل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو، بما في ذلك على بوتين. كما اعتبر الرئيس السويسري إيغناسيو كاسيس أن "غزو موسكو غير مقبول أخلاقيّاً وسياسيّاً". ورحّب الاتحاد الأوروبي بقرار سويسرا.
وفي السياق، حظرت الولايات المتحدة التعامل مع البنك المركزي الروسي، في عقوبة غير مسبوقة بشدّتها تعكس عزمها على شلّه. وقبل افتتاح الأسواق الأميركية، كشفت وزارة الخزانة أنها تحظر بمفعول فوري أي تعامل مع المؤسّسة المالية الروسية، في وقت يُسجّل فيه الروبل انهياراً حرّاً. وعلى أثر الإعلان الأميركي، اتخذت كندا، التي ستمنع استيراد النفط الروسي، قراراً مماثلاً.
وعمليّاً، سيؤدّي هذا القرار الذي يتصل بعقوبات مماثلة فرضها العديد من حلفاء الولايات المتحدة، إلى الحدّ بشكل كبير من قدرة موسكو على استخدام احتياطياتها الكبيرة من العملات الأجنبية لشراء الروبل. كما أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أن طوكيو ستفرض عقوبات على الرئيس البيلاروسي المشكّك في شرعيّته ألكسندر لوكاشينكو وستُقيّد التعاملات المالية مع المصرف المركزي الروسي، فيما فرضت الولايات المتحدة أيضاً عقوبات على "صندوق الاستثمار المباشر الروسي"، وهو مؤسّسة مالية رسمية تستخدمها روسيا خصوصاً لجمع أموال في الخارج، ويُديرها كيريل دميترييف، المقرّب من الرئيس الروسي.
وكان لافتاً بالأمس، إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه سيفتح في أسرع وقت تحقيقاً في شأن الوضع في أوكرانيا، متحدّثاً عن ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضدّ الإنسانية" منذ العام 2014، في حين تلقى 12 عضواً في البعثة الديبلوماسية الروسية لدى الأمم المتحدة أمراً بمغادرة الولايات المتحدة قبل السابع من آذار، على ما أعلن السفير الروسي لدى المنظمة الدولية فاسيلي نيبينزيا خلال مؤتمر صحافي، بينما اتّهمت واشنطن الديبلوماسيين الروس الذين قرّرت طردهم بأنهم "عملاء استخبارات"، موضحةً أن التدبير كان قيد التحضير "منذ أشهر عدّة". ولاحقاً، وصفت موسكو القرار الأميركي بأنّه "تصرّف عدائي".
وفي الأثناء، وقفت روسيا في قفص الاتهام خلال "الجلسة الاستثنائية الطارئة" للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث شدّد الأمين العام أنطونيو غوتيريش على أن "المعارك في أوكرانيا يجب أن تتوقف"، في وقت حذّر فيه السفير الأوكراني سيرغي كيسليتسيا بتأثر من تدمير بلاده، وقال "إذا لم تنج أوكرانيا، فإنّ الأمم المتحدة لن تنجو". في المقابل، كرّر نظيره الروسي فاسيلي نيبينزيا أن بلاده "تُمارس الدفاع المشروع عن النفس"، فيما رأى السفير الصيني تشانغ جون أن العالم "لن يكسب شيئًا" من "حرب باردة جديدة" بين الولايات المتحدة وروسيا، "بل سيخسر الجميع". وفي ختام المداخلات التي يتخطّى عددها المئة والتي ستتواصل اليوم، ستطرح مسودة قرار بعنوان "عدوان روسيا المسلّح غير المبرّر على أوكرانيا" للتصويت.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عين الفاتيكان على مسيحيّي الجنوب