01-03-2022
مقالات مختارة
خالد أبو شقرا
خالد أبو شقرا
يوماً بعد آخر تتكشف شبهات الفساد التي أحاطت العلاقة بين بعض القطاع المصرفي اللبناني وحاكم البنك المركزي. مدفوعات، وتحويلات، وفتح حسابات في الخارج بعشرات ملايين الدولارات جرت في العقود الثلاثة المنصرمة. مبالغ نقدية طائلة يتمتع بها أصحابها، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد والمودعون الأمرّين.
أمام هذا الواقع تقدمت المؤسسة السويسرية «المحاسبة الآن» Accountability Now بالتعاون مع رابطة المودعين في لبنان، وبالتحالف مع بيروت مدينتي، لحقي، تقدم، لنا، والشعب يقاوم الفساد، بشكوى إلى هيئة الرقابة السويسرية على الأسواق المالية FINMA»، طالبوا فيها إجراء تحقيق معمق مع كل من بنك عودة - سويسرا، وبنك البحر المتوسط - سويسرا، ومصرف «جولياس باير». فهذه البنوك قد تكون انتهكت بحسب «الإئتلاف» موجباتها المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال لدى قيامها بمساعدة حاكم مصرف لبنان والمقربين منه، عبر استقبال الأموال التي يبدو أنه حصل عليها بشكل غير مشروع ومستقاة من الفساد.
تصب في مصلحة المودعين
الدعوى ليست الأولى، وقد سبق لرابطة المودعين ومؤسسة «المحاسبة الآن» التقدم بدعاوى مشابهة بحق مصارف يشتبه بتورطها بتحويل الاموال بطرق غير شرعية، وغسلها لصالح نافذين؛ إلا أن أهمية هذه الدعوى اليوم تتمثل في أنها مقدمة أمام مرجعية سويسرية FINMMA معنية بالحفاظ على سمعة قطاعها المالي»، بحسب المحامية في رابطة المودعين دينا أبو الزور. و»قد جرى بالفعل في الفترة الماضية أكثر من تحقيق لتبيان أسباب تحول بعض المصارف في سويسرا إلى ملاذ آمن لهذا النوع من الممارسات». وبرأي أبو الزور «إن كشف هذه العمليات وتفكيك العلاقات في ما بينها والوصول إلى خواتيم الدعاوى تصب كلها أيضاً في خانة المودعين اللبنانيين. إذ يصبح بالامكان المطالبة باسترجاع الأموال المهربة، والتي جرى اقتطاعها من حسابات المودعين لصالح قلة من النافذين والمستفيدين».
عناصر الدعوى متينة
مقابل التعقيدات الكثيرة التي تغلف هذا النوع من العمليات، عُززت الدعوى القضائية بحسب أبو الزور بـ»معطيات جدية مبنية على التحقيقات التي قام بها المدعي العام المالي في سويسرا، والذي طلب بموجبها التعاون القضائي مع السلطات اللبنانية. كما اعتمدت الدعوى على مجموعة من الوثائق والتحقيقات التي تبين مسار تتبع الأموال المحولة بين لبنان والخارج وبين مصرفي عودة – سويسرا، و»جولياس باير».
ومن هذه المعلومات:
- تحويل أكثر من 500 مليون دولار لصالح الحاكم رياض سلامة والمقربين منه عبر البنوك السويسرية.
- استحواذ مصرفَي عودة السويسري، وجولياس باير، على أسهم مملوكة من الحاكم في شركة خاصة، مقابل عدة ملايين من الدولارات دفعت له حصرياً. ولا يبدو أن كلا البنكين قد صرحا بشكل صحيح في ميزانياتهما عن قيمة «استثماراتهما»، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مبرر هذه المدفوعات.
- تحويل جولياس باير أكثر من 153 مليون دولار بموجب سندات خزينة تحت توقيع الحاكم وحده، في انتهاك لجميع القوانين والأنظمة. الامر الذي وصفه المدعي العام السويسري بأنه: «معاملة تم تنظيمها بطريقة لا تسمح بمراجعتها أو محاسبتها».
- تحويل بأمر من الحاكم مبلغ الـ 153 مليون دولار في نهاية المطاف إلى بنك عودة - سويسرا، على حساب مصرفي في لبنان. مصير هذه الصفقة لا يزال مجهولاً، تحت غطاء السرية المصرفية.
- لعب بنك ميد - سويسرا دوراً يظهر على أنه تبييض أموال ناتجاً عن فساد، وقد تمت الإشارة إليه مؤخراً من قبل الكونغو Hold Up Leaks، في أعقاب التحقيقات التي أجراها المدعي العام السويسري والتي أظهرت أنه تمت اعادة تحويل حوالى 207 ملايين إلى «النفقات الشخصية» لشقيق الحاكم رياض سلامة جزئياً الى حساب في بنك ميد.
لا تعاون لبناني
في الوقت الذي تشتعل فيه المحاكم الغربية بدعاوى محاربة الفساد واسترجاع الأموال المحولة عن غير وجه حق والمنهوبة، «ما زال القضاء اللبناني متخاذلاً في مكان معين. من دون أن يعني ذلك تعميماً على كل القضاة»، برأي أبو الزور. و»هذا ما بيّنه التردد في فتح الدعاوى ومتابعتها حتى النهاية في لبنان وابداء التعاون القضائي مع الخارج لكشف ملابسات هذه القضايا». والمطلوب بحسب أبو الزور من القضاء اللبناني إعطاء الإذن للتحقق من كل المستندات الموجودة في مصرف لبنان والمصارف من دون التذرع بالسرية المصرفية لمساعدة القضاء الدولي في تتبع الأموال. فالدعاوى التي تحصل في الخارج بغاية الأهمية ومن المفترض أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وذلك استناداً الى حالات مشابهة».
الدعاوى مستمرة في الخارج
من جهتها ترى المحامية في مؤسسة المحاسبة الآن Accountability Now زينة كرم أن «تعاون السلطات اللبنانية مرغوب فيه، لكنه ليس ضرورياً. والتحقيقات التي تجرى في أوروبا في هذه الملفات ناتجة عن جرائم يُحتمل أنها ارتكبت على الأراضي الأوروبية أو تتعلق بممتلكات غير مشروعة وجدت ملاذاً لها في أوروبا. وعليه سيتم إجراء التحقيقات الأوروبية بشكل مستقل، وهي ستستمر على الرغم من عرقلة التعاون، سواء من جانب البنوك أو من جانب العدالة أو من جانب الحكومة اللبنانية. وبحسب كرم فان محاربة الفساد والرغبة في وضع حد لحصانة السياسيين اللبنانيين الذين فضلوا أنفسهم بشكل شخصي على حساب الشعب، ليست معركة مرتبطة بالحاكم رياض سلامة فقط، إنما الغرض من الإجراءات المتخذة هو السماح بتجميد جميع الأصول غير المشروعة، من دون اعتبارات سياسية أو دينية أو طائفية، واستردادها للشعب اللبناني. وهذه هي الرغبة التي توجه أعمال المؤسسة».
مشكلة الفساد في لبنان أنه مؤسسي ومنهجي ومتوطّن. و»هذا يعني في الممارسة العملية، أنه لا توجد أعمال فساد منفصلة، يرتكبها فرد واحد بشكل مستقل»، تقول كرم. و»كل فعل مرتبط بفعل آخر. كل متحدث مرتبط بمتحدث آخر. كل شبكة مرتبطة بشبكة أخرى. وهذا بالتالي يخلق تآزراً طبيعياً بين جميع الإجراءات التي بدأت وبين الشكاوى المقدمة من قبل المؤسسة. ومن ثم فإن التحقيق الذي يجريه قاضي تحقيق في أوروبا سيؤدي بطبيعة الحال إلى فتح تحقيق جديد يشمل شخصيات أخرى».
الحقائق المفصلة التي قُدّمت في الدعوى إلى هيئة الاسواق المالية في سويسرا FINMA دقيقة، وقد أشارت «الهيئة» بالفعل إلى أنها تأخذ على محمل الجد أي مشاركة من البنوك السويسرية في التعامل مع الأصول غير المشروعة للسياسيين اللبنانيين. ولا سيما منها البنوك التي يعتقد بأنها تلقت أموالاً متأتية عن ممارسات الفساد لسياسيين ومصرفيين لبنانيين، وساعدتهم في عملية تبييض هذه الأموال، في خرق واضح لموجباتهم في مكافحة تبييض الأموال.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار