مباشر

عاجل

راديو اينوما

راشد: أصول الدولة... من الشعب وإلى الشعب تعود

28-02-2022

مقالات مختارة

خالد أبو شقرا

خالد أبو شقرا

None

قدرت الخسائر الناتجة عن الأزمة المالية بنحو 69 مليار دولار كما في ايلول الماضي، وهي أساساً الفارق بين ما تبقى في مصرف لبنان من عملات أجنبية وما عليه من التزامات تجاه المصارف التي هي عملياً ودائع للناس وظفتها البنوك في شهادات ايداع وودائع في البنك المركزي. هناك نزاع الآن حول من يتحمل هذ الخسائر التي ستتوزع في نهاية الأمر بين المصارف ومصرف لبنان والدولة والمودعين لا سيما كبارهم. وبين الحلول المطروحة استخدام أصول الدولة. 

يبدو ان لا مهرب من استخدام بعض أصول الدولة لردم جزء من الفجوة، وهذا من جملة مقترحات أخرى لوضع قطار الاقتصاد على سكة الاصلاحات والتعافي. لكن النتيجة النهائية تبقى رهن الطريقة المعتمدة. مثل انشاء صندوق سيادي قدرت المصارف قيمته بنحو 40 مليار دولار او اصدار سندات مقومة بأصول الدولة يحصل مودعون على مردود منها لآجال طويلة، او الخصخصة او مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وغيرها من الأساليب التي هدفها تعظيم الايرادات من الأصول العامة والتي يخصص جزء منها لرد الودائع. 

لكن الأصول المعول عليها في حالتها الراهنة لا يتجاوز متوسط قيمتها 17 مليار دولار بحسب دراسة "خصخصة الأصول اللبنانية العامة - لا يوجد حل سحري للأزمة". وخصخصتها تتطلب وجود دولة قانون ومؤسسات وقضاء مستقل، وهذان العنصران غير متوفران، ولن يتوفرا في المدى القريب بالمعطيات السياسية للسلطة حالياً. 

إذاً، كيف السبيل للاستفادة من الأصول العامة؟

من خلال الـ "Corporatization" (أو التشركة) يجيب رئيس "الجمعية الاقتصادية اللبنانية"، والخبير السابق في صندوق النقد الدولي الدكتور منير راشد. فهذا المصطلح المركب يعني "تكوين الشركات". و"هذه العملية تتم من خلال تحويل وإعادة هيكلة أصول الدولة، من هيئات حكومية ومؤسسات عامة ومصالح مستقلة إلى شركات مساهمة. كما ينطوي هذا التعريف على اعتماد وتطبيق ممارسات إدارة الأعمال التجارية، وفصل الملكية عن الإدارة من خلال إنشاء هيكل مساهمة. الأمر الذي يبعد الملك العام عن "حيتان المال"، والمستثمرين الأجانب وصناديقهم العملاقة، ويبقيها بيد مالكيها الأصليين أي المواطنين"، برأي راشد، "مع فرق وحيد يتمثل بان هذه الأصول تصبح مدرة للمداخيل وتتمع بادارة حديثة ورشيدة وتقدم أفضل الخدمات. فهل من عاقل يرفض هذا الطرح؟".

كيفية السبيل الى ذلك؟ 

"الانتقال من النظرية إلى التطبيق سهل وبسيط"، يقول راشد، "وهو ينطوي على مرحلتين أساسيتين: 

المرحلة الأولى، تقتضي بخصخصة إدارة هذه المرافق من خلال مناقصات عالمية شفافة. وذلك على عكس الطريقة المعتمدة حالياً التي تبقي باب التدخلات السياسية مفتوحاً. واشتراط تحويل المرفق إلى شركة مساهمة مدرجة في البورصة الوطنية، بورصة بيروت، خلال فترة زمنية محددة. 

الثانية، تحويل رأسمال الشركة إلى أسهم مدرجة في البورصة بعد طرحها في السوق للاكتتاب العام. على أن تكون الأفضلية للمودعين في المصارف. حيث تعطى الأشهر الستة الأولى بعد إطلاق الاكتتاب للمودعين بالليرة أو اللولار. ويتم وضع حد أقصى لتملك الأسهم وخصوصاً لغير المودعين، والأجانب". 

تتطلب هذه العملية قبل كل شيء تحرير سعر الصرف. فمن دون هذا الإجراء لا يمكن أن يكتب للخطوة النجاح، من وجة نظر راشد. ويصبح سعر الصرف يتحدد في السوق بناء على العرض والطلب فقط. 

تحقيق 6 نتائج

مع توريق المؤسسات العامة وخصخصة إداراتها على أساس الحوكمة الرشيدة والشفافية المطلقة تتحقق 4 أهداف أساسية بأسرع ما يتخيل الكثيرون.

أولاً، يستعيد المواطنون عموماً والمودعون خصوصاً الثقة. حيث يصبح أمامهم خيار تحويل ودائعهم إلى أسهم ذات قيمة مرتفعة، فاما يحتفظون بها ويستفيدون من مردودها، وإما يبيعونها ويستردون قيمة ما من ودائعهم. 

ثانياً، نتيجة الثقة ينخفض الطلب على الدولار تلقائياً ويتحسن سعر الصرف. ولا تعود هناك من مشكلة بسحب الودائع بالليرة، لانها تسحب على سعر الصرف الحقيقي في السوق وليس على معدلات مختلقة لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

ثالثاً، لا يعود هناك من حاجة إلى امتلاك مصرف لبنان محفظة احتياطيات كبيرة بالعملات الصعبة. وتنخفض الحاجة للاحتفاظ بالتوظيفات الإلزامية في مصرف لبنان، وبالذهب المقيم حالياً بـ 16.6 مليار دولار والذي يمكن تسييل جزء منه لتسديد حقوق المودعين. 

رابعاً، يتقلص بشكل تلقائي حجم القطاع العام وتتخلص الحكومة من العجز المزمن في الموازنة، الناتج أساساً عن الورم الوظيفي في الادارات. وتحقق الدولة إيرادات كبيرة من العائدات الضريبية (دخل وTVA، وعلى الأرباح بشكل مباشر...) الناتجة عن ارتفاع أرباح الشركات. 

خامساً، تتحسن نوعية الخدمات سواء كان في الكهرباء أو الاتصالات أو النقل الجوي والبري... وغيرها الكثير من المرافق العامة، ويحصل المواطن على أفضل خدمة بأحسن سعر. 

تشكل هذه العملية الطريقة المثلى للاستفادة من الثروات الوطنية المهدورة. والأمثلة عن المردود الذي ممكن أن يجنيه لبنان من Corporatization كبيرة، بحسب راشد. فشركة طيران الشرق الأوسط تمتلك حقاً حصرياً على مجموعة من الخطوط الجوية وهو ما يجعل من قيمة كل خط من هذه الخطوط مرتفعة. 

حقوق غير المودعين أكثر من محفوظة

مع كل حديث عن الاستفادة من الملك العام يتحرك فريق، مصوراً العملية بأنها انتهاك لحقوق المواطنين وهدراً لموارد الأجيال اللاحقة. والأمران خاطئان، من وجة نظر راشد. فـ"المواطنون من غير المودعين يستفيدون تلقائياً من تحسن الخدمات، وانخفاض كلفتها عليهم، وتراجع سعر الصرف وارتفاع متوسط الدخل وازدياد فرص العمل. ومع تحسن المداخيل يصبح بامكانهم الاستثمار في شراء الأسهم. مع التشديد على أن هذه الأملاك تصبح فعلاً لا قولا ملك الشعب وتحت إدارته. كما أنه من الممكن "الابقاء على 15 إلى 20 في المئة من الأسهم في المؤسسات، على ان تخصص عوائدها للمساعدة الاجتماعية للفقراء بشكل سنوي"، يقول راشد. و"يصبح وكأنهم يملكون الاسهم من دون أن يشتروها". 

ولمن يشك أن هذا الطرح يخسر المواطنين، نسأله: هل خطة الحكومة الحالية القائمة على الليلرة قابلة للتطبيق؟ علما بان أكبر وديعة ستعود بالدولار ستكون بقيمة 150 الف دولار، مقسطة على 15 عاماً. وفي هذه الحالة يستمر الانكماش الاقتصادي ويستحيل تحقيق أي نمو فعلي. ولو كانت الحلول المقترحة سابقاً أو حالياً ملائمة لكانت حازت الحكومة على بركة صندوق النقد الدولي. إنما كل الذي يطرح لا يمس إلى الواقع بصلة، وهو لم ولن ينال أي موافقة من الجهات الخارجية وفي مقدمها صندوق النقد. 

التنازل عن إدارة القطاع العام آخر الدواء

لم يعد هناك من مبرر عقلاني للاستمرار بقطاع عام يعيش على "التنفس الإصطناعي"، ويتناقض مع بديهيات مبادئ الإدارة. فالشركة الخاسرة تباع أو تخرج من السوق وتختفي. وبما أنه من المستحيل إزالة لبنان عن الخريطة، فعليه بيع إدارة مؤسساته للشعب الذي هو في النهاية مصدر كل السلطات. وهذا ما حصل في الكثير من دول كثيرة، يفيد راشد. حيث تحول الملك العام إلى أسهم بيد المواطنين. وتتحول الوزارات في هذه الحالة إلى منظمة REGULATOR. 

سوليدير مثال

للاستدلال أكثر على أهمية الطرح يمكن الاستشهاد بتجربة سوليدير. ففي الوقت الذي تنهار فيه مؤسسات الدولة وتتراجع قيمتها فان شركة سوليدير لم تستطع المحافظة على قيمة أسهمها فحسب، إنما رفعت من قيمتها. كما تحولت هذه الأسهم إلى ملاذ آمن لاخراج الودائع من المصارف. وهذا دليل على أهمية تحويل الأصول إلى شركات مساهمة مدرجة على بورصة بيروت. 

إبقاء المؤسسات العامة بيد الدولة يعني استمراراً للهدر، والفساد، والسرقة، والاستزلام والتوظيف الانتخابي، وترك باب الأزمة مفتوحاً على مصراعيه. المسؤولون يعلمون حق المعرفة هذه الحقيقة المرة، ولذا يتمسكون بها و"يخترعون" الخطط الهجينة التي تضمن بقاء الأمور على ما هي عليه. إذ إنه خلافاً لذلك ينتفي مبرر وجودهم، ويفقدون مردوهم المالي، ولا يعود بامكانهم توريث الكراسي لأبنائهم من بعدهم.

كيفية توزع أصول الدولة؟

تتوزع أصول الدولة على 4 قطاعات رئيسية بحسب دراسة «خصخصة الأصول اللبنانية العامة - لا يوجد حل سحري للأزمة» التي أعدها الزميل الباحث في السياسات في معهد عصام فارس البير كوستانيان، وهي:

- شركة طيران الشرق الأوسط، كازينو لبنان وشركة الريجي. 

- المواصلات والبنى التحتية، ويضمان: المطارات والمرافئ البحرية.

- العقارات، وتضم: الأراضي والمباني المشيّدة.

- المرافق العامة وتضم: شركة أوجيرو، وشركتي الاتصالات الخلوية MIC1 وMIC2 ومؤسسة كهرباء لبنان، ومؤسسات المياه.

ولعل أكبر أصل تمتلكه الدولة هو قدرتها على إعطاء التراخيص للمشاريع والاستثمارات الجديدة في كافة الميادين. منها، النقل، وتطوير سكك الحديد وشركات القطارات، والبناء، وإقامة المرافئ البحرية وتلزيم المطارات... وغيره الكثير. وهذا الحق الحصري لا يمكن الاستفادة منه إلا في ظل وجود دولة قادرة ان تعطي الثقة للداخل والخارج، وتتمتع بقضاء نزيه وعادل، وشفافية في العلاقة مع الغير، وحوكمة رشيدة.

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.