13-02-2022
مقالات مختارة
في لبنان لا شيء يعلو فوق «الحروب الباردة» السياسية التي تشتدّ على رقعةٍ من حُطامِ واقعٍ مالي لا ينفكّ يزداد «تَفَتُّتاً» مع إمعان السلطة في «التقاتل» حتى بما يفترض أن يكون «آخر خرطوشة» إنقاذ تشكّلها موازنةٌ بمواصفاتٍ إصلاحية حدّدها بصرامة المجتمع الدولي ويتعيّن أن تكون فاتحةَ خطة النهوض التي ينتظرها صندوق النقد الدولي للتفاوض على أساسها مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وفي لبنان «دفْن للرأس في الرمال»، وتوغُّل في مكاسَراتٍ فوق «العظام المطحونة» لبلدٍ وشعبٍ يُخشى أن تطيح سلطاته بالفرصة الأخيرة لالتقاط «طوق نجاة» خارجي، سواء بتحويل مشروع موازنة 2022 «حلبة سباق» على التنصل من مضامينها التي تستسهل حلولاً على أنقاض الوضع المعيشي البائس لغالبية اللبنانيين، أو بتوعُّد المشروع بـ «مكامن» ستُنصب له في البرلمان، أو بزرْع «قنابل موقوتة» داخل الحكومة التي لم تكد تستعيد دورة انعقادها بعد تعطيل أكثر من 3 أشهر حتى وجدت نفسها في «حقل نيران صديقة» تتبادلها مكوّناتها تحت عنوانيْ الموازنة وتعييناتٍ سلكت «الخط العسكري» من فوق «رأس» الثنائي الشيعي حزب الله ورئيس البرلمان نبيه بري اللذين «استلّا» سلاح قطع الطرق عليها بقوةِ توقيع وزير المال على المراسيم «التي لن تُوقَّع».
وتمضي المشهدية «الضيعوية» في بيروت في حال ضياع قصوى عبّرت عنها «فضيحة» ما رافق وأعقب الإقرار «الملتبس» لمشروع الموازنة في جلسة الخميس، على وهج «هرج ومرج» فجّره ما يشبه «الغطاء الناري» لـ«إنزال» تعيينيْن عسكرييْن (العميد محمد المصطفى أميناً عاماً للمجلس الأعلى للدفاع، والعميد بيار صعب عضواً في المجلس العسكري) تم إمرارهما في شكل باغت الثنائي الشيعي الذي رفع الصوت متهماً رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي بـ «تهريب» الموازنة والتعيينيْن في شكل مخالف للدستور ولمنطق الشراكة وعلى قاعدة محاولة إرساء «ثنائية» داخل السلطة التنفيذية لن تمرّ.
وفي حين اعتبر الثنائي الشيعي مصوّباً على ميقاتي أن ما جرى «تجاوُز لاتفاق الطائف، وما قمتَ به في مجلس الوزراء غير مقبول وغير دستوري، والعين ستكون مفتّحة عليك أكثر في المرحلة المقبلة، وأنت تتحمّل المسؤولية عن هذه الموازنة»، ذهبت أجواء قريبة من رئيس الحكومة لوضع هبّة الاعتراض في سياق محاولة محاكاة المزاج الشعبي الرافض لبنود في مشروع الموازنة الذي وضعه وزير المال يوسف خليل، فيما نُقل عن مصادر وزارية «لنفترض أن خطباً ما حدث في الجلسة الأخيرة، وهو ما لم يحدث بالفعل، أو تم إمرار شيء تحت وطأة التعب أو قلّة الانتباه، لكن هل هذا يلغي مشاركة وزراء الفئة المذكورة بثمانية جلسات مكثفة وتدخلهم في جميع التفاصيل؟ هم كانوا يعلمون قبل غيرهم أن جلسة بعبدا هي للإقرار فقط لأن المناقشة تمّت، وأشبعت درساً»، غامزة من قناة محاولة الثنائي الذي «يصح تسميته من اليوم بالشعبوي» الانقلابَ على المشروع.
وإذ جاءت «المعركة» بين مكوّنات مجلس الوزراء لتطرح علامات استفهام كبرى حول تداعياتها على صورة الحكومة والحُكْم المطالَبيْن من الخارج بتقديم أداء جدّي يمنح ثقة للمجتمع الدولي بأن ثمة مَن هو قادر على الإمسك بزمام إدارة الخروج من الانهيار، فإن الأخطر في رأي أوساط مطلعة أن المناخ المتفجّر في جلسة الخميس لا بدّ أن تكون له «تتمات» سواء في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء المخصصة لبحث ملف الكهرباء «المكهْرب» أساساً على المستوى السياسي بين فريق عون وخصومه وبينهم رئيس البرلمان، كما على مناقشات الموازنة في اللجان النيابية التي تشي بأن تحمل كل عناصر «تصفية الحسابات السياسية» ونفْض اليد من الإجراءات الموجعة وربما الإطاحة بها على وقع بدء العد العكسي للانتخابات النيابية في 15 مايو المقبل.
واعتبرت الأوساط أنه لن يكون ممكناً فصل هذا العصْف، الذي لم يهدّد بعد بمعاودة تعطيل جلسات الحكومة بمقاطعتها مجدداً من الثنائي الشيعي وإن كان يحوّل كل جلسة «مشروع عرْكة»، عن البحث الذي سينطلق حكومياً في خطة النهوض التي يشترط صندوق النقد وجود أوسع توافق سياسي عليها، وسط توقفها عند أن الصندوق وفي الخلاصات التي أعلن عنها في ختام المناقشات الافتراضية التي أجراها مع السلطات اللبنانية حول إطار وسياسات برنامج الإصلاح الاقتصادي أقر بأن «الطبيعة المعقدة وغير المسبوقة للأزمة اللبنانية تتطلب برنامجا إصلاحيا وإقتصاديا وماليا شاملا»،
حدد إطاره الخماسي الذي أطل على موضوع «تمويل الإرهاب»، وعاكساً «رأفة» بالمودعين الصغار أكبر مما عبّرت عنه المسودة الأولى لخطة النهوض التي تعمل عليها الحكومة والتي من الواضح أن أمامها طريقاً شاقاً وشائكاً.
المسألة أن هناك منصباً شاغراً هو نائب المدير العام لأمن الدولة يريد الوزراء الشيعة تعيين خلف له، لكنهم لم يأتوا بالاسم المقترح. حصل هرج ومرج. لكن مجلس الوزراء بت التعيينات. وقال عون «ما فعلوه معيب. بماذا يشككون وبمَن؟ لا بأس إن زعلوا. الاسبوع المقبل نعيّن لهم مرشحهم بعد استكمال شروطه. طبعاً ما حصل لن ينعكس على جلسات مجلس الوزراء الذي سيواصل اجتماعاته».
وفيما لوّح بأن عرقلة سلفة الكهرباء ستكون بمثابة «جريمة مشهودة. واذا كان ثمة خطأ يصوَّب. أما أن تكون هناك مشاغبة، فهذه نية جرمية. لا اعتقد أن رئيس مجلس النواب، لا سمح الله، يفكر في تأخير السلفة تصفيةً لحساب سياسي»، برز موقف أطلقه من موضوع الانتخابات النيابية إذ ورغم إعلانها «لست خائفاً عليها في موعدها»، قال «أما ألا تجرى، فهذه ذريعة الوزارة المعنية، وزارة الداخلية، كأن تقول إن لا مال لديها لإجراء الانتخابات في الانتشار كما في الداخل. دعوْنا الهيئات الناخبة، وحددنا مواعيد الاقتراع في الخارج والداخل، وفتحنا باب الترشح، وأنجزنا لوائح الشطب. يبقى الآن المال. وأنا أكثر العالمين بأنه ليس لدينا مال لاجراء ليس للانتخابات فحسب، بل لأي أمر آخر. ربما لهذا السبب قد يتكون لديّ خوف على الانتخابات، وخشية من عدم إجرائها».
وعزّز هذا الموقف مخاوف أطراف سياسية من مسارٍ قد يُفضي لتطيير الانتخابات النيابية إن لم يكن بـ «لغم» اقتراع المغتربين والارتداد على الإبقاء على انتخابهم للنواب الـ 128 كل في دائرته (وهو ما يرفضه فريق عون) فبذريعة الشح المالي، في حين عكس الموقف الذي صدر عن مجموعة الدعم الدولية للبنان خشية مماثلة من إمكان التلاعب بهذا الاستحقاق الذي يرسم الخارج حوله خطاً أحمر.
فمجموعة الدعم ولاستشعارها بتباطؤٍ في وضع الانتخابات على السكة حضّت «على الإسراع بالأعمال التحضيرية احتراماً للإطار القانوني النافذ والمهل الدستورية ذات الصلة، وعلى تخصيص الموارد المالية اللازمة لإجراء الانتخابات داخل لبنان وفي الخارج، وتمكين وزارة الداخلية والبلديات ولجنة الإشراف على الانتخابات من تأدية وظائفها بالكامل وضمان تنظيم إجراءات تصويت المغتربين في الوقت المناسب».