10-02-2022
محليات
تعد المعركة في «دائرة الشمال الثالثة» التي تُعرف بأنها دائرة «مرشحي رئاسة الجمهورية والزعامات المسيحية»، من أشرس المعارك الانتخابية التي تخوضها الأحزاب والمجتمع المدني بعد خلط أوراق التحالفات والتعويل على تبدّل المزاج الشعبي مع دخول مجموعات المعارضة على الخط، وحماسة المغتربين للاقتراع.
وإذا كان الجميع، على اختلاف توجهاتهم، يخوضون المعركة بهدف الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، فإن الهدف الثاني الذي يجمع معظم اللوائح ولا سيما الحزبية منها، هو هزيمة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يخوض معركته النيابية والرئاسية من البترون، وهو تحديداً هدف اللوائح المدعومة من حزب «القوات اللبنانية» و«تيار المردة» و«حزب الكتائب».
وكان باسيل قد فاز في الانتخابات السابقة بتحالفه مع النائب ميشال معوض و«تيار المستقبل» والحزب القومي، وهي التحالفات التي سقطت في معظمها هذه المرة بعد عزوف «المستقبل» واستحالة حصول باسيل على أصوات السنة في المنطقة، بعدما كان رئيس «المستقبل» سعد الحريري قد دعاهم إلى التصويت «لصديقه جبران» (آنذاك)، وتوجه معوض لخوض المعركة مع «حزب الكتائب» وابن الوزير السابق بطرس حرب، مجد حرب، فيما يبدو أن أصوات «الحزب القومي» ستتوزع بين «الوطني الحر» و«تيار المردة» برئاسة سليمان فرنجية، الخصم الشرس لباسيل في الانتخابات النيابية والرئاسية على حد سواء.
وفيما يخوض حزب «القوات اللبنانية» معركة الرئاسة أيضاً في هذه الدائرة وهو الذي يعد الأقوى حزبياً وحصل في الانتخابات السابقة على 3 مقاعد، فإن المجتمع المدني يدخل هذا الاستحقاق الأول من نوعه بعد الانتفاضة الشعبية معوّلاً على تبدّل المزاج الشعبي، بلائحة «شمالنا».
ويدرك «التيار الوطني الحر» حجم المعركة التي يخوضها رئيسه الذي سبق له أن خسر في الانتخابات النيابية عامي 2005 و2009 وفاز في انتخابات 2018 بنحو 12 ألف صوت، وهو ما أشار إليه بشكل واضح النائب في «التيار» أسعد درغام قائلاً في حديث تلفزيوني إن «باسيل سيكون الأول عن دائرة البترون، وفوزه سيكون عبرة للجميع»، مضيفاً: «فليتجمع الكل ويترشح عن البترون وسوف نرى، والكلمة الفصل تبقى للأهالي».
وبانتظار ما ستكون عليه صورة اللوائح الأخيرة في هذه الدائرة التي يتنافس فيها المرشحون على عشرة مقاعد وتضم البترون (مارونيان) والكورة (3 أرثوذكس) وبشري (مارونيان) وزغرتا (3 موارنة)، ستتنافس فيها خمس لوائح حتى الساعة وإن لم يُعلن عنها جميعها بشكل رسمي، وهي تلك التي تجمع «الكتائب» مع حرب ومعوض، ولائحة «التيار الوطني الحر» ولائحة «حزب القوات» ولائحة «تيار المردة» ولائحة المجتمع المدني تحت اسم «شمالنا».
ويقول مسؤول جهاز الإعلام في «حزب الكتائب» باتريك ريشا لـ«الشرق الأوسط»: «لا شكّ أن هدفنا الفوز في البترون وإسقاط جبران باسيل، كما أن دعم حرب يندرج في هذا السياق لأن اللائحة لا تحتمل دعم مرشحين اثنين». وفيما يلفت إلى أن التحالف مع النائب ميشال معوض محسوم انطلاقاً من وجود الطرفين في جبهة المعارضة، يؤكد أن الدراسات تشير إلى «فوزنا بمقعدين»، لافتاً إلى أن هناك مبادرات يعمل عليها بهدف التقارب والتحالف مع مجموعات المعارضة وبشكل أساسي مع «تجمع شمالنا» بهدف توحيد الصفوف قائلا: «أبوابنا مفتوحة والكرة في ملعبهم».
لكن في المقابل لا يبدو أن «شمالنا» متحمّسة للتحالف مع لائحة «الكتائب»، اعتراضاً منها على طريقة عقد تحالفاتها وهي التي تُجري انتخابات تمهيدية لتنتقل في المرحلة الثانية إلى إعلان أسماء مرشحيها في 20 فبراير (شباط) الحالي في الدائرة بناءً على خيارات الناخبين الذي يقترعون على الموقع الخاص بهم.
وفيما يلفت المرشّح عن منطقة البترون ربيع الشاعر إلى أهمية الخطوة التي يقومون بها لا سيما في هذه الدائرة في وجه الزعامات المسيحية التقليدية وهي التجربة الأولى من نوعها، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف هو بناء توجّه سياسي جديد وتغيير سلوكيات ليعتاد الناس على المحاسبة بعيداً عن الزعامات والوراثة السياسية. ويقول: «لا نبني مشروعنا على إسقاط شخص معيّن»، في رد على سؤال عما إذا كان هدفهم إسقاط باسيل، ويضيف: «لا يمكن أن نعمل عكس ما يريده أبناء المنطقة الذين تركوا الأحزاب التقليدية واختاروا (شمالنا) عبر إعادتهم إلى هذه الأحزاب والطلب منهم انتخاب مرشحيها»، مؤكداً: «نرفض استغلال الناس كِرمى لحاصل انتخابي».
وعن توقعاتهم الانتخابية، يقول الشاعر: «كنا قد أجرينا استطلاعاً للرأي قبل شهر، أي قبل انطلاق حملتنا الانتخابية الفعلية، أظهر أنه بإمكاننا أن نحصل على 1.55 من أصل عشرة مقاعد»، مؤكداً: «إذا توحّدت قوى التغيير وأصبح هناك جوّ انتخابي رافض سنشهد مفاجآت»، متوقفاً كذلك عند انعكاس انسحاب الحريري من المعركة، «وهو ما قد يؤدي إلى تأييدنا من عدد كبير من الطائفة السنية الذين يبلغ عددهم نحو 13 ألف ناخب».
من جهتها، تقول مصادر حزب «القوات اللبنانية» إن «الحزب يتعامل مع دائرة الشمال الثالثة كأي دائرة أخرى انطلاقاً من أولوية الوصول إلى أكثرية نيابية قادرة على تعزيز وتمكين القوى السيادية في مواجهة القوى غير السيادية إضافةً إلى أنها تشكّل ثقلاً قواتياً أساسياً». وفي معركة إسقاط باسيل تذكّر المصادر «بما سمّي التسونامي العوني والذي لم يستطع حينها التمدد إلى الشمال رغم الاتفاق الضمني مع (حزب الله)».
أما بالنسبة إلى رئيس «الوطني الحر» فترى «القوات»، حسب المصادر، أنه «إذا رسب جبران أم نجح هو في المعادلة الوطنية والسياسية في موقع الساقط لأن الرأي العام اللبناني أسقطه في انتفاضة 2019 وممارسة العهد السياسية أسقطت هذا الفريق بعد انكشافه على حقيقته من خلال ممارساته التي تتناقض مع العناوين التي رفعها».
ويرى الخبير الانتخابي كمال فغالي أنه لا يمكن حسم النتائج بناء على التحالفات واللوائح التي أُعلن عنها حتى الساعة في دائرة الشمال الثالثة على غرار معظم الدوائر الانتخابية، كاشفاً أن استطلاعات الرأي التي أُجريت في عدد كبير من المناطق اللبنانية أظهرت توجه نحو 70% من اللبنانيين إلى مقاطعة الانتخابات أو عدم رغبتهم في الإفصاح عن الجهة التي سيصوّتون لها بانتظار اتضاح صورة الانتخابات الكاملة، مع تشديده على أن توحّد مجموعات المجتمع المدني إذا حصل، سيغيّر كل المعادلة، مشيراً في الوقت عينه إلى تراجع شعبية مختلف الأحزاب في المنطقة كما في كل المناطق اللبنانية.
وبناءً على ما ظهر من تحالفات، يقول فغالي لـ«الشرق الأوسط» إن التحالف الذي جمع «الكتائب» مع معوض وحرب سيمكّنهم من الحصول على «حاصل انتخابي واحد»، أي مقعد واحد، (كان 11580 صوتاً عام 2018).
مؤكداً في الوقت عينه أنه إذا استطاع هذا الائتلاف التحالف مع مجموعة «شمالنا» عندها سيتمكنون من الحصول على مقعدين أو ثلاثة، لا سيما أن المغتربين في هذه الدائرة الذين يشكّلون النسبة الكبرى من المسجلين للاقتراع، يدعمون مجموعات المعارضة.
من هنا ورغم اعتبار البعض أن خسارة باسيل مهمة شبه مستحيلة، فإن هذا التحالف، إذا حصل، حسب فغالي، وارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات، من شأنه أن يطيح برئيس «الوطني الحر» وحظوظ فوزه ولائحته.
وقبل يومين أعلن رئيس «الكتائب» النائب المستقيل سامي الجميل، عن تحالفه مع مجد حرب، واصفاً الاستحقاق الانتخابي المقبل بالمعركة المصيرية بالنسبة إلى مستقبل البلد، ووصف الانتخابات في «الشمال الثالثة» بـ«أم المعارك» و«المعركة الكبيرة» خصوصاً في البترون، كاشفاً أنه «بعد دراسة كل الأرقام رأينا أن هناك ضرورة لتوحيد الجهود لربح المعركة وأن تصبّ الأصوات التفضيلية لصالح مرشح واحد»، موضحاً أن ظروف المعركة تقتضي التوحّد عبر مرشح واحد وبالتالي دعم ترشيح حرب بدل النائب السابق سامر سعادة، علماً بأن بطرس حرب كان قد حصل على نحو 6 آلاف صوت في الانتخابات الأخيرة من المرجّح أن تُمنح في معظمها لابنه.
وهذا الخيار الذي لاقى رفضاً من سعادة الذي نال عام 2018 نحو 2500 صوت، يبدو أنه سينعكس انقساماً بين الكتائبيين أنفسهم، بحيث أعلن سعادة أنه قد يأخذ قراره بالترشّح وبالتالي سيؤدي ذلك إلى توزيع الأصوات بين سعادة وبين من يدعم خيار «حزب الكتائب» ترشيح مجد حرب.
أخبار ذات صلة
أسرار شائعة
باسيل حاول اصلاح العلاقة مع مسعد بولس فهل نجح؟
أبرز الأخبار