09-02-2022
مقالات مختارة
كلير شكر
صحافية لبنانية
فلنَدَع كل التهويل الذي مارسه رئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل طوال الأشهر الماضية إلى حدّ التهديد بتمزيق تفاهم مار مخايل. ولندع كلّ «الاضبارات الاتهامية» التي سطّرها بحق «حزب الله» تحت عنوان «منع قيام الدولة». ولندع كلّ الشحن الذي مارسه العونيون بحقّ الثنائي الشيعي عبر المنابر ومنصات التواصل الاجتماعي، لدرجة الترويج، في آخر أيام عهد ميشال عون لطرح اللامركزية الإدارية والمالية الموسعتين (كان الحري بالفريق العوني أن ينطلق بعهده بهذا الطرح)... ولنركّز على الانتخابات النيابية وما تستدعيه من تفاهمات قد تصيب خطاب «التيار» وأدبياته بالصميم، بعدما فرضت عليه الواقعية الانقلاب على كلّ الطروحات الاعتراضية والمزايدات التي جُرّ إليها جرّاً خلال المرحلة الأخيرة، والتي تبيّن أنّها لم تسعفه مسيحياً.
إذ بينما كان باسيل يكوّم الملاحظات والعتب على أداء «حزب الله» محمّلاً إياه مسؤولية تضييع فرصة قيام الدولة، وينبش قبور خلافاته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، كانت طاولة النقاش الانتخابية قد فتحت بخجل مع حليفه الشيعي. لكن باسيل «يتغنّج». وحين أظهرت الاستطلاعات أنّ هذا التطرّف في خطابه بوجه الثنائي الشيعي لم يحسّن حضوره الشعبي، عاد إلى صالون المفاوضات مستسلماً لمبدأ التفاهم مع «الحزب» ومعه حركة «أمل»، لكونهما آخر حلفائه، ومن دونهما سيصاب «التيار» بانتكاسة مدوّية.
هكذا، اختزل كل معاركه الاعتراضية على أداء «الحزب» بمطلب واحد: التفاهم الانتخابي. اليأس الذي يحيط بجدول حساباته الرئاسية أملى عليه عدم مقاربة هذا الملف لا من قريب ولا من بعيد مع حليفه. فاكتفى بضمان حصول التحالف الانتخابي مبلغاً قيادة «حزب الله» تمسّكه بالتفاهم وبالتحالف في كل الدوائر، «عن قناعة وليس عن مصلحة»، كما يؤكّد أحد المطلعين على العلاقة الثنائية. اذ لم يعد تطوير تفاهم مار مخايل أولوية بالنسبة لباسيل، وبات التركيز على لغة الأرقام والحواصل والمقاعد.
وقبل ثلاثة أشهر من موعد فتح صناديق الاقتراع، حسم طرفا مار مخايل قرارهما بالتحالف الانتخابي في كلّ الدوائر المشتركة، بعدما أنهى «حزب الله» وفق المعلومات، تفاهمه مع حركة «أمل»، فيما يفترض أن تكون الخطوة الثالثة في جدول أعمال «الحزب» الانتخابي، معالجة وضع بقية الحلفاء بعد دراسة الأرقام، والعمل على توحيد الجهود والحواصل، حيث بالإمكان القيام بذلك.
تضيف المعلومات أنّ «الحزب» نجح في تذليل العقبات التي كانت بين «التيار» و»أمل»، وقد أبلغ رئيس المجلس نبيه بري بالاتفاق بين «التيار» و»الحزب»، وهو لم يتردد في «مباركة» الاتفاق والاعراب عن رغبته في توسيع اطاره ليشمل «أمل»، شرط ترك الخصوصية له في كلّ من دائرة البقاع الأوسط لتأمين مقعد ايلي الفرزلي، ودائرة صيدا - جزين لتأمين مقعد ابراهيم عازار، وطبعاً مقعد ميشال موسى.
بالمبدأ، ماكينة «الحزب» باتت جاهزة، ويفترض أن تبدأ دراسة الأرقام التي ستساعد على تحديد المقاعد الحليفة التي سيتولى «الحزب» مدّها بالأصوات الفائضة عنه. وفق المعلومات، سيكون للثنائي الشيعي مرشح في كسروان وسيكون على لائحة «التيار» لضمان نجاحه. وبالطبع ستجرّ هذه الخطوة سلسلة تفاهمات يريدها باسيل، اذ يضع عينه مثلاً على المقعد الكاثوليكي في بعلبك - الهرمل، ومقعد الأقليات في بيروت الثانية... وغيرها من المقاعد «الفلتانة» التي تعتبر بمثابة هدايا لا تكلّف مجهوداً.
ولكن إلى الآن، ثمة تساؤلات لم يحسم «الحزب» اجاباتها، ومنها مثلاً: لمن سيعطي أصواته في دائرة الشمال الثالثة التي توصف بكونها «دائرة الرؤساء»؟ كيف ستُحفظ مقاعد «الحزب القومي»؟ كيف سيتصرّف في عكار حيث لـ»الحزب» كتلة سنية مؤيدة وكتلة علوية حليفة؟
الانتخابات في موعدها
المهم، أنّ «التيار» و «الحزب» يتصرّفان على أساس أنّ الانتخابات ستحصل في موعدها بعدما جرى اسقاط مشروع مقايضة جديد، على قاعدة تعديل قانون الانتخابات لاخراج المغتربين إلى الدائرة 16، بسبب اصرار بري على ربط أي خطوة بهذا الشأن بمصير المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وقد أعرب باسيل عن عدم قدرته على تغطية أي قرار بهذا الخصوص، فتمّ التوافق على اقفال هذه الصفحة على نحو نهائي... لترك صندوقة المغتربين المقفلة إلى يوم 15 أيار، وتلقّف نتائجها.
في الواقع، يدرك هذا الفريق أنّ مشاركة غير المقيمين قد تشكّل مفاجأة في نتائجها، وقد لا تكون كذلك، بعدما شهدت التطورات الداخلية، حدثاً مفصلياً تجلى في قرار رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري بالانكفاء عن المعركة.
وفق المطلعين على العلاقة الثنائية بين «التيار» و»الحزب»، فإنّ نزول الحريري عن المسرح السياسي قد ينعكس انكفاء عاماً لدى أبناء الطائفة السنيّة بحيث تنخفض مشاركتهم في الاستحقاق بنحو 50%. واذا ما حصل ذلك، فسيكون لهذا التراجع تأثيراته المباشرة وعلى نحو ايجابي، على قوى الثامن من آذار، خصوصاً وأنّ السنّة حاضرون في أكثر من 70% من المقاعد، ترشيحاً أو اقتراعاً.
يقول هؤلاء إنّ غياب الحريري خلط الأوراق، وأعطى قوى الثامن من آذار أكثر من فرصة لاستعادة الأغلبية النيابية. اذ ارتاح حلفاء «حزب الله» السنّة في البقاع وعكار وطرابلس، وقد يتمكن حسن مراد من تحقيق حاصلين لا حاصلاً واحداً. فيما فقدت «القوات» حليفها السني الأساسي وصعّب التحريض الذي شنّه «المستقبل» عليها المعركة في ما لو رغبت بالعمل المباشر في البيئة السنية. وصارت معركتهم مثلاً في بعلبك - الهرمل أو في عكار صعبة.
يؤكد هؤلاء أنّ تشظّي الساحة السنية واحباطها، سيحسّنان فرص قوى الثامن من آذار لتعويض مشاركة المغتربين، ولو أنّ «التيار» غير مقتنع بالدعاية التي تقول إنّ الجزء الأكبر من غير المقيمين سيكون معارضاً. وبالتالي سيكون هذا العامل الجديد مساعداً للاحتفاظ بالأغلبية النيابية... ومع ذلك، يحسب «الحزب» كل الحسابات والاحتمالات، ومنها مثلاً تضييع الأغلبية، ولذا سيمنع تسرّب أي مقعد شيعي من تحت جناحيه (وتحديداً في بعلبك الهرمل)، للحؤول دون تكرار ترشّح «عقاب صقر جديد» لرئاسة مجلس النواب.
أبرز الأخبار