31-01-2022
مقالات مختارة
وليد شقير
وليد شقير
ثغرات عديدة تعتري الطريقة التي تمت فيها صياغة الرد اللبناني على البنود الكويتية الـ12 التي تسلمها لبنان في الشكل والمضمون، قد ترخي بظلها على التقييم الخليجي والعربي لهذا الرد، على الرغم من تفهم المسؤولين العرب أوضاع الحكم في لبنان وكيفية عمل المؤسسات الدستورية اللبنانية خارج إطار الدستور، ووفقاً لأعراف محدثة يفرضها الخلل في التوازن الذي يتحكم بالخريطة السياسية فيه.
أولى هذه الثغرات حصر صياغة الرد على البنود التي حملها الوزير الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح بالرؤساء الثلاثة من دون مجلس الوزراء. لم يكن عن عبث أن سأل القاضي السابق الذي يعرف جيداً القانون والدستور وأصول الحكم ودور المؤسسات، وزير التربية عباس الحلبي في جلسة الحكومة الجمعة الماضي عن الورقة الكويتية وعن الرد اللبناني عليها، مستنداً الى ان مجلس الوزراء هو السلطة المعنية بمعرفة البنود في شكل رسمي وبالرد المطلوب عليها. وإذا كان جواب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأن ليس هناك بنود بل «أفكار»، هدف إلى إقفال النقاش داخل الحكومة على سؤال الوزير الحلبي، وتجنب أي سجال حولها داخل الحكومة، فإنه قطع الطريق بهذا الأسلوب على إمكان حصول خلافات بين الوزراء في شأن ما يمكن أن يكون عليه الرد اللبناني. لكن الأرجح أن تخفيف ميقاتي من أهمية الورقة على هذا الشكل الذي ظهر في جوابه، يقصد عدم خروج مجلس الوزراء عن جدول الأعمال الذي فرضه «الثنائي الشيعي» حين حدد في بيانه الذي عاد فيه عن مقاطعة جلسات المجلس، بعنوانين هما الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي.
في اختصار لم يشأ رئيس الحكومة إغضاب «حزب الله». لكن كل هذا يذكّر المسؤولين الخليجيين المتابعين (وسائر اللبنانيين) لتفاصيل وفصول المسرح اللبناني، بأن السلطة في البلد تمشي على إيقاع التاريخ الحافل بالقدرة على تعطيل المؤسسات الدستورية من قبل «الحزب». ومرة أخرى يثبت أنه إذا صح أن السلطة التنفيذية في يد مجلس الوزراء، فإن هذا لا يلغي أن القرار هو في مكان آخر بدءاً من ترويكا الحكم.
الثغرة الثانية هي الإيحاء بأن «حزب الله» لم يشارك في صياغة الرد اللبناني وفق ما جاء في تصريح وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، باعتبار أن الصياغة تمت بينه وبين ميقاتي ورئيسي الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري. لكن «التشاور» المتواصل بين «الحزب» وبين الرئيس بري لا يتوقف. وفضلاً عن أنه ينسق مع «الحزب» لا سيما في القضايا الاستراتيجية الكبرى ومنها مسألة سلاح «الحزب»، ومطالبة الورقة الكويتية بـ»وضع إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الرقم 1559 و1680 و1701، فهو يدرك جيداً ما يهم «الحزب»، والخطوط الحمر في صياغة الرد.
أما التشاور بين الرئيس عون وبين «حزب الله»، فإن ما يعرفه الوسط السياسي اللبناني يعرفه بالتأكيد المسؤولون العرب الذين سيقرأون الرد الذي حمله بو حبيب. فالأخير قد لا يكون على اطلاع على عمق ووتيرة التعاون بين «الحزب» والقصر الرئاسي، والدور الذي تقوم به وحدة «الارتباط والتنسيق» في بعبدا مع جهاز الارتباط والتنسيق في الضاحية الجنوبية ومقر قيادة «الحزب». فالأخير مطلع على كل شاردة وواردة تتعلق بالسياسات الخارجية والداخلية المهمة من القصر الرئاسي منذ سنوات، بناء على التحالف المتين بينه وبين رئيس الجمهورية. بل هو يعرف بتفاصيل خطوات الرئاسة اللبنانية ولا سيما مداولاتها مع أي جهة خارجية، تنفيذاً لاتفاق مسبق على ذلك بينه وبين الفريق الرئاسي الذي ينقل إلى قيادته كل ما تتضمنه أي محادثات مع أي جهة خارجية. وبهذا المعنى فإن «الحزب» شريك في الرد الذي حمله الوزير بو حبيب إلى الكويت.
ما حصل على هذا المستوى، بغض النظر عن المسار الذي سيسلكه الحوار بين دول الخليج والسلطة اللبنانية حول مضمون الورقة والرد اللبناني، ربما يكفي لتفسير سبب قول الوزير الصباح في بيروت إن الأمور لا تجري بين ليلة وضحاها، ثم إشارته بطريقة دبلوماسية بعد تسلمه الرد إلى أن مجرد الرد اللبناني خطوة إيجابية. فهل أن دول الخليج تراهن على التحاور في شأن البنود الـ12 مع رئيس الجمهورية المقبل، طالما الرئيس الحالي والتركيبة الحاكمة لن يخرجا عما يريده «حزب الله»؟ هذه البنود تمتحن السلطة اللبنانية مرة أخرى، حول إشكالية القرار لمن في لبنان؟
أبرز الأخبار