14-01-2022
مقالات مختارة
خالد أبو شقرا
خالد أبو شقرا
الظلم الذي يلاحق اللبنانيين من "باب" انهيار الليرة، لن يوقفه دخول المتسلطين على قرار العمال من "شباك" الغضب وتعطيل الاقتصاد بالاضرابات. الاحتجاجات التي شلت البلد سـ"تنفّس" غضب الأُجَراء والسائقين، ولكنها لن تضيف على مكتسباتهم شيئاً. فـ"عين" السلطة "ليست بصيرة"، و"يدها طويلة" على تعطيل كل الحلول الجدية للخروج من الأزمة وانصاف عموم المواطنين.
مشكلة المضربين المعدودين، الذين استعانوا بقطع "الشرايين" الرئيسية بالحافلات والاطارات المشتعلة والسيارات لابقاء الناس في المنازل، و"صبغ" الاضراب بالنجاح، ليست بانخفاض تعرفة النقل إنما بتراجع تقديماتهم؛ وهم محقون في هذه النقطة بالذات. فالتعرفة في السيارات والباصات والشاحنات ترتفع بشكل متناسب مع أسعار المحروقات وقطع الغيار بالدولار، وهي تزيد عنها بأحيان كثيرة. إذ يسجل الصناعيون على سبيل المثال ارتفاع كلفة نقل المستوعب 20 قدماً، من وإلى المرفأ إلى 5 دولارات للكيلومتر الواحد، أي بمعدل 150 دولاراً نقداً لمسافة 30 كلم، فيما ترتفع الكلفة إلى 225 دولاراً للمستوعبات حجم 40 قدماً. أما الباصات التي كانت تتقاضى 2000 ليرة لنقل الراكب مسافة 40 كلم فأصبحت تعرفتها تتراوح بين 30 و35 ألف ليرة. والأمر نفسه ينسحب على السيارات العمومية، التي زادت تعرفتها وقلصت المسافة التي تقطعها بـ"السرفيس" الواحد. إضمحلال التقديمات الاجتماعية
لا أحد يشتغل بخسارة، وهذا حق؛ إنما المشكلة الأساسية التي تصيب العمال والموظفين عموماً، والسائقين خصوصاً، هي بتراجع التقديمات الاجتماعية. فالمؤسسات الضامنة وفي مقدمها الضمان الاجتماعي عاجزة عن تغطية فواتير الدواء والاستشفاء وبدلات نهاية الخدمة بقيمتها الحقيقية. مرد هذا العجز يعود بشكل رئيسي إلى استمرار احتساب سعر الصرف الرسمي على أساس 1515 ليرة للدولار الواحد فيما تجاوز 30 ألف ليرة في السوق السوداء. "كل المحاولات لتعديل النسب باءت بالفشل"، بحسب مصادر مطلعة على الملف. فـ"هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رفضت في آذار الماضي طلب مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي د. محمد كركي باستيفاء الضمان للاشتراكات عن الرواتب المحددة بالعملة الأجنبية، وعن المبالغ المدفوعة بشكل استثنائي بسبب الأزمة على غير سعر 1057.5". وقد استندت الهيئة بقرارها على المادة 35 من قانون موازنة 2020، وأيضاً على القانون 193 (الدولار الطالبي) تاريخ 16/10/2020، اللذين يحددان سعر الصرف الرسمي بـ 1057.5 ليرة للدولار. توحيد سعر الصرف أو تحريره المؤسسات التي تسدد ما نسبته 20.5 في المئة (من أصل 23.5 في المئة) من أجور عمالها كمساهمة في الضمان ما زالت تدفع الاشتراكات على سعر صرف 1500 ليرة. مع العلم، أن أكثرية المؤسسات تدفع الرواتب بالدولار النقدي، وهناك نية لتحولها جميعاً إلى التسديد بالدولار بحسب ما يرشح من تصريحات أرباب العمل. ومن الجهة الأخرى فان الفئة الأخيرة ترفض الاقتطاع من الزيادات بالليرة التي تعطى على الرواتب بحجة أنها مساعدات ولا تدخل في أصل الراتب. وبغض النظر عن "الجدل البيزنطي" الذي أفشل عمل "لجنة المؤشر"، فان هناك 3 حقائق مؤكدة: - أن احتساب الرواتب بقيمتها الحقيقية المقبوضة سيزيد عائدات الضمان بشكل كبير ويرفع من تقديماته. - أن تحرير سعر الصرف أو توحيده على سعر ما أقرب ما يكون إلى الحقيقة، يبطل الحاجة إلى اللجوء للاستثناءات في ما خص كيفية احتساب الرواتب بالدولار والعمليات التجارية والضريبية المقومة بالدولار ومنها: الجمارك، TVA، ضريبة الدخل، العقود بالعملة الأجنبية... وغيرها الكثير، والتي كانت محط نزاع منذ صدور القرار الشهير 893 عن وزارة المالية، والذي قضى باحتساب الضريبة على القيمة المضافة على سعر السوق مطلع العام 2021. - أن تحرير سعر الصرف هو شرط أساسي في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، إذ من غير المقبول الإبقاء على سعر 1507.5 كسعر رسمي لصرف الليرة مقابل الدولار في المعاملات واعداد الموازنات، ومنها الموازنة العامة تحديداً. الخلاص بخطة التعافي الشاملة الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المؤشر د. أنيس بوذياب يعتبر من جهته أن "توحيد سعر الصرف، أو حتى تحريره مهم جداً وضروري، شرط أن يأتي من ضمن الخطة الشاملة. أمّا إذا جرى تطبيقه منفرداً ومستقلاً عن سياق خطة التعافي، فسيكون واحداً من الاجراءات النقدية التي تعمق الأزمة ولا تحلها. ذلك أن توحيد سعر الصرف على مستويات أعلى بكثير من السعر الرسمي، سينعكس ارتفاعاً في أسعار كل السلع والخدمات والقروض والمعاملات التي ما زالت تحتسب على سعر 1507.5 مثل: الكهرباء، الهاتف، المياه، قروض المصارف، الضرائب، الرسوم والايجارات... وبالتالي ستنخفض القدرة الشرائية للمستهلكين أكثر، ولا سيما إن لم تترافق مثل هذه الخطوة مع العجز عن رفع الأجور وتأمين الحماية الاجتماعية ودعم الأسر الفقيرة". أما على المستوى النقدي فان تخفيض سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى 8000 ليرة أو حتى أقل سيؤدي إلى تكبير الكتلة النقدية بالليرة، و"من دون وجود قطاع مصرفي سليم وفعّال قادر على امتصاص الفائض واستعماله بما يخدم الاقتصاد من خلال ضخه بأوراق مالية وخلافه... فان هذه الكتلة المتضخمة ستنفجر في وجه المواطن"، برأي بوذياب، "مما يعمق المآسي ويزيد من تدهور سعر الصرف وارتفاع الأسعار". كل طرق الحل تقودنا إذاً إلى الخطة الاقتصادية التي تتضمن بالاضافة إلى تحرير سعر الصرف على قاعدة "الارتباط المتحرك" Crawling peg ورفع الدعم والاصلاح الضريبي، إعادة هيكلة القطاع المصرفي وترشيق القطاع العام، وقف الهدر، تعيين الهيئات الناظمة والإلتزام بتطبيق إجراءات الحماية الاجتماعية. المنظومة "العمياء" أخذت مكرهةً الشق الأول الذي يخدم مصالحها، وأهملت عمداً الشق الثاني من المطالب التي تصب في مصلحة المواطنين. وبحسب بوذياب، "قد يكون صندوق النقد من المرات القليلة التي يشترط فيها تأمين الحماية الاجتماعية ورفع التقديمات العامة للمواطنين، قبل الدخول في برنامج معه، وذلك لتيقنه من خطورة هذا العنصر على أي اتفاق مستقبلي، ولضمانه استقرار الأوضاع الاجتماعية واستدامة الدين". إنطلاقاً من هذا، يعتبر بوذياب بانه لم يعد هناك إمكانية للخلاص إلا من خلال الاستعانة بصندوق النقد الدولي، ولكي نصل إلى هذا المبتغى علينا تطبيق الاصلاحات، والتي من ضمنها التحرير المربوط لسعر الصرف وعندها تحل كل المشاكل التي تواجهنا اليوم في ما خص الاجور والرواتب والاقتطاعات والتقديمات تلقائياً. إنما المشكلة أن هناك أفرقاء في الداخل لا يرغبون في الدخول ببرنامج مع صندوق النقد الدولي مفضلين استمرار التمسك بمصالحهم الضيقة في المصارف والكهرباء والمرافق العامة". تحرك الأمس لم يكن أكثر من "زوبعة في فنجان"، مفعول محدود لردة فعل محسوبة وغير مستدامة. فيما المطلوب بحسب أوساط متابعة إسقاط هذه السلطة، قبل الانتخابات، والاتيان بمن يستطيع التفاوض لمصلحة لبنان. فالأخير قد لا يصمد على هذه الحال لغاية الانتخابات النيابية القادمة في أيار؛ هذا إن حصلت.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار