مباشر

عاجل

راديو اينوما

هل يستمر ارتفاع الأسعار على الوتيرة نفسها؟ وما علاقة أسعار النفط العالمية؟

10-01-2022

إقتصاد

None

التضخّم أو ما يُعرف بالإرتفاع المُزمن بالأسعار، هو ظاهرة طبيعية في الإقتصاد ولها إجراءات نقدية ومالية خاصة تلجأ السلطات النقدية والمالية إليها لِلَجْمِها. إلا أن ظاهرة الإحتكار – التي هي آفة أخلاقية من طمع الإنسان – تُسرّع وتيرة هذا التضخّم إلى مستويات عالية وبوتيرة متصاعدة لا يمكن لجمها إلا بقوة القانون وبدعم من السلطات الأمنية والجهات الرقابية – ويطلق على هذا النوع من التضخم «التضخم المصطنع»، أو «التضخم المتعمد» – كما هو الحال في لبنان.

فارتفاع الأسعار يأتي عادة إما من زيادة الطلب أو قلّة العرض أو من ارتفاع كلفة إنتاج السلع (أو كليهما معاً) وهو في أغلب الأحيان يكون نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية التي ترفع كل أسعار السلع بآلية تُعرف بالتضخّم الضمني (Implied Inflation).

 

جائحة كورونا التي عصفت بالعالم في العامين الماضيين ضربت بشكلٍ كبير سلسلة التوريد وخفضّت المخزونات من المواد الأولية والمنتجة. وخلال العام الماضي، أظهرت اللِقاحات فعاليتها ضد كورونا وهو ما أعاد النشاط الإقتصادي إلى مستوياته ما قبل الجائحة وبالتالي زاد الطلب على النفط بشكلٍ مفرط ارتفع معه سعر برميل النفط بشكلٍ كبير (ما بين 50 إلى 60% منذ بداية العام). هذا الإرتفاع الكبير في أسعار النفط انعكس على كلفة إنتاج كل المواد الأولية الأخرى (زراعية، وطاقة، ومواد أولية للصناعة)، وبالتالي ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ ودخل التضخّم إلى الإقتصادات العالمية حتى قبل الخروج من الأزمة الإقتصادية التي خلّفتها جائحة كورونا.

 

منظمة أوبك بلس التي تضمّ منظمة أوبك وروسيا ودولا نفطية أخرى، رفضت زيادة الإنتاج (حتى الثلاثاء الماضي) على الرغم من الدعوات العديدة التي وجّهها الرئيس بايدن وغيره من الزعماء. والحجّة الأساسية للمنظمة أن انخفاض أسعار النفط خلال الأزمة العالمية، رتّب خسائر جمّة على هذه الدول وأدخل موازناتها في عجز كبير وهي التي تعتمد بمعظمها وبشكل شبه أحادي على مداخيل النفط. وبالتالي ترى دول المنظّمة فرصة في ارتفاع الأسعار لكي تعوض بعض الخسائر التي تحمّلتها خلال الفترة الماضية.

 

المشكلة التي يطرحها لجم إنتاج دول الأوبك بلس من النفط، تتمحور حول دخول الإقتصادات الكبرى في ركود تضخّمي سيكون من الصعب الخروج منه إذا استمر التضخّم لفترات طويلة؛ إذ من المعروف عمليًا أن ارتفاع مفاجئ بقيمة 15 دولارا أميركيا في سعر برميل النفط، قد يقضي على النمو الإقتصادي بالكامل وبالتالي هناك ضرورة لزيادة المعروض من النفط بهدف تفادي صدمات كبيرة قد تكون تداعياتها كارثية في المرحلة المقبلة.

 

إلا أن رفع المعروض من النفط، يصطدم بعدة عوائق وعلى رأسها النقص في الإستثمارات في المرحلة الماضية (منذ بدء جائحة كورونا)، وهو ما يجعل القدرة الفعلية للعديد من الدول المنتجة للنفط الأحفوري والصخري محدودة ويتطّلب وقتًا حتى تعطي هذه الإستثمارات المفاعيل المرجوة منها.

 

أضف إلى ذلك أن هناك حسابات جيوسياسية تقوم بها بعض الدول المنتجة للنفط (روسيا مثلًا) لرفض رفع الإنتاج من النفط وهو ما يعقّد الأمور أكثر. فخلال إجتماعها الأخير الثلاثاء الماضي، وافقت دول الأوبك بلس على زيادة الإنتاج بشكل خجول (400 ألف برميل يوميًا على فترة شهر) وهو أمر غير كافٍ لتلبية حاجة السوق من النفط أو لِلَجِمِ التزايد السريع في أسعار النفط.

 

فعلى سبيل المثال، أدى ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى زيادة كلفة إنتاج المواد الأولية الزراعية والصناعية، وهو ما انعكس ارتفاعًا في أسعار هذه الأخيرة. أضف إلى ذلك أن الأحوال الجوّية الناتجة من التغيّر المناخي أدّت إلى ضرب العديد من المحاصيل الزراعية وهو ما ساهم في نقص المعروض وبالتالي ارتفاع الأسعار، إضافة إلى الاهتزاز الأمني في كزاخستان الذي أثر سلبياً في مستويات الانتاج العالمي.

 

وكأن كل ما سبق لا يكفي، فقد أدّى انخفاض قيمة الدولار الأميركي (مؤشّر الـ DXY) إلى رفع الأسعار من قبل منتجي المواد الأولية بحكم أن هذه الأخيرة مقوّمة بالدولار الأميركي وهو ما يدفع المنتجين إلى رفع أسعارهم لتعويض الخسائر.

 

باختصار، إنها تجمّع عدد من العوامل ذات التداعيات السلبية تزيد الغموض في التوقّعات الإقتصادية في المرحلة المقبلة في ما يخص الإقتصاد العالمي، حتى ولو أن التداعيات تختلف بين الإقتصادات المتطوّرة والنامية والمنتجة للنفط.

 

التضخّم في لبنان

لبنان ذو الاقتصاد المنهار، يتحمّل تداعيات ارتفاع أسعار المواد الأولية (نفط، مواد زراعية وصناعية) مثله كمثل أي دولة أخرى في العالم. إلا أن الطبيعة «التفككية» لمقومات الدولة اللبنانية وفقدان أجهزة الرقابة فعّاليتها، أدّيا إلى فلتان في الأسعار حتى قبل ارتفاع الأسعار العالمية، وهو ما يُنذر بارتفاع مُطرد للأسعار في المرحلة المُقبلة بحكم ثلاثة عوامل:

 

أولًا – إستمرار ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية حتى منتصف هذا العام في أحسن التوقّعات، خصوصًا أن هناك طلبًا عالميًا على كل المواد الأولية نتيجة عودة النشاط الإقتصادي وعملية إعادة تكوين المخزون وتثبيت سلسلة التوريد.

 

ثانيًا – التوقّعات بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء واعتماد هذا السعر من قبل التجّار وهو ما سيؤدّي حكمًا إلى ارتفاع الأسعار بشكل تصاعدي مستمر نظرًا إلى أن الأسعار – لا سيما مع بقاء الإحتكار – لن تنخفض في لبنان (يكفي النظر إلى هيكلية الأسعار من خلال البيانات التاريخية).

 

ثالثًا – الإحتكار الذي ظهر بشكلٍ عنيف في العامين الماضيين والذي كانت تداعياته ارتفاعا مصطنعا (أو متعمدا) في أسعار السلع والبضائع من دون أن يكون للأجهزة الرقابية أي مفعول إيجابي على خفض الأسعار. وأكبر مثال على انتشار الإحتكار، العملية التي قام بها الجيش اللبناني في العام الماضي لمكافحة تخزين المحروقات والتي أدّت إلى إكتشاف ملايين الليترات من هذه المواد المخبأة من دون أن تجري محاسبة المرتكبين إلى وقتنا هذا (؟!). ومن أمثلة الإحتكار الأخرى وفلتان التلاعب بالأسعار، الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية التي يدفعها المواطن على سعر صرف السوق في حين أنها تُدفع للدولة على سعر الـ 1515 ليرة.

 

من هذا المنطلق، نرى أن المرحلة المُقبلة ستشهد ارتفاعًا في الأسعار سيكون له نتائج سلبية على مرحلتين: المرحلة الأولى تردّي فاضح في نوعية السلع والخدمات الُمقدّمة من قبل التجار، والمرحلة الثانية عدم قدرة المواطنين على الحصول على بعض السلع والخدمات نتيجة الإرتفاع في أسعارها. لذا من الضروري على حكومة الرئيس ميقاتي أن تعمد إلى وضع خطّة لمواجهة هذا السيناريو – شبه الأكيد – والذي سيرفع من نسبة الفقر ويزيد من دولرة الإقتصاد ومن تعلّق المواطنين اللبنانيين بالمساعدات سواء كانت من المغتربين اللبنانيين أو من المجتمع الدولي.

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.