27-11-2021
مقالات مختارة
لم تطل فرحة اللبنانيين الذين انتظروا صور الأقمار الصناعية الدولية الروسية منها بنوع خاص في أعقاب العرض الذي قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقديم الخدمة الكبرى للبنان من اجل تسهيل التحقيقات الجارية في تفجير مرفأ بيروت. فسقطت معظم الأوهام بعد ثلاثة اسابيع بالضبط عندما أعلن عن مجموعة من الصور سلمت الى وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب يوم الإثنين الماضي فعاد بها الى خزنته الخاصة وسط قناعة اقتربت من ان تكون ثابتة بانها صور لما قبل الانفجار وما بعده.
وقبل الدخول في تفاصيل مجموعة الصور تجدر الاشارة الى ان مصدرها مؤسسة “روسكوزموس الحكومية للأنشطة الفضائية” (The Roscosmos State Corporation for Space Activities) وهي وكالة رسمية روسية تخضع للرقابة المشددة سلفا في الكثير مما يمكن ان تقدمه أو تهبه الى جهة ثالثة غير الحكومة الروسية. وهو امر لم يتنبه له كثر عندما طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من السفارة الروسية في 29 تشرين الاول الماضي الحصول عليها بعد يومين فقط على مبادرة الرئيس بوتين الذي كشف عنها في مؤتمر صحافي عقده في ختام أعمال “منتدى فالداي الدولي” الذي كان يعقد في 27 تشرين الاول الماضي في مدينة سوتشي عندما رد على سؤال من صحافية مهتمة بقضية انفجار المرفأ فدخل على خط التحقيقات واضعا قدرات بلاده بتصرف الجانب اللبناني ان كانت تسهل التحقيقات الجارية في الجريمة.
ولكن وان عاد البعض إلى تلك المرحلة فانه كان واضحا ان بوتين نفى سلفا وجود ايد غريبة وخصوصا السيناريو الاسرائيلي عندما اعتبر ” أن الكارثة كانت مرتبطة بـ “عمليات فساد واتجار غير مشروع” بهدف تحقيق رغبة القائمين بذلك “في تحقيق مكاسب ماليّة”. وانطلاقا من هذه الوقائع التي لا يرقى اليها اي شك في شكلها دون المضمون، كان يوم الإثنين الماضي موعدا للإيفاء بالوعد الروسي فحمل الوزير بو حبيب الامانة ونقلها الى خزنته في وزارة الخارجية من دون تقديم اي توضيحات حول محتواها بعدما باتت في حوزة اللبنانيين على وقع نقاش سياسي وقانوني ودستوري وديبلوماسي حول الأصول التي يجب ان تعتمد بكيفية التصرف بهذه الصور وتحديد الجهة التي يجب ان تكون بحوزتها قبل ان تصل الى قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار من دون ان ينتهي الى اي جواب واضح وصريح كما بالنسبة الى كيفية الاطلاع عليها والتثبت من محتواها.
وهكذا بعد اقل من ثلاثة اسابيع، وحتى هذه اللحظات لم يحصل اللبنانيون على ما تمنوه، فقد منن العديد منهم النفس بجديد ينهي الشكوك حول الكثير من الروايات المتشابكة. وهي أمور يمكن الحسم بشأنها عند الكشف عن شيء ولو قليل من حقيقة ما جرى في الدقائق القليلة ما بين الدقيقتين الخامسة والسابعة بعد الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الواقع في 4 آب 2020 والتي تروي بالصوت والصورة ما جرى في لحظات ما زالت غامضة من تفجير العصر في مرفأ بيروت .
وامام تكاثر الروايات والسيناريوهات الغامضة حول اهمية هذه الصور ومحتواها، ما هو ثابت ان الوزير بو حبيب التقى بعد عودته الى بيروت برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ولم يلتق بعد برئيس الجمهورية لاطلاعه على نتائج الزيارة ومصير الصور والأفلام التي هو من طلبها من الجانب الروسي مكتفيا بالإتصال المطول الذي اجراه يوم الاثنين الماضي قبل ساعات قليلة على مغادرته موسكو عائدا الى بيروت.
والى جانب هذا العرض التوثيقي للعملية كشفت مصادر واسعة الاطلاع من موسكو لـ “المركزية”، عن ان مجموعة الصور التي تسلمها لبنان ليست صورا عادية كتلك التي نعرفها وأنه من الضروري تحديد الجهة التقنية التي يمكن ان تفك رموزها. وهي جهات قد تكون محصورة بالجيش اللبناني وأجهزته التقنية، والذي عليه ربما ان عجز عن تفكيكها طلب المساعدة من جهات تمتلك قدرات تقنية وتكنولوجية متطورة للمساهمة في ذلك والاطلاع على شكلها قبل الحديث عن أهميتها وما يمكن ان تقدمه للتحقيق اللبناني.
وعلى هذه الخلفيات، وبانتظار الحسم في المسار التقني لتحديد النهايات الحتمية للصور فانه من الصعب تفسير الخطوة على المستوى السياسي والديبلوماسي. فما جرى إن غير في مجرى التحقيقات، وقدم معطيات جديدة لا يمكن التجاهل انها ستكون مؤثرة في مسار الامن والسلم الإقليمي والدولي. وهو ما يدفع الى مزيد من الاسئلة حول اهمية الخطوة الروسية التي رفضت دول اخرى القيام بمثلها. فقد سبق للبنان ان تمنى الحصول على مثيلات لها تتصل بلحظة الانفجار لا ما كان من قبلها وما بعدها، من جهات دولية عدة من الاميركيين والبريطانيين والفرنسيين فلماذا لم يقدم أحدهم على القيام بهذه العملية؟ مما لاشك فيه ان الجواب على هذه الأسئلة لن يكون متوفرا قبل الكشف عن اهمية الهبة الروسية. فلننتظر.
أخبار ذات صلة