11-11-2021
محليات
قوّض الانقسام السياسي الذي توسّع إلى الجسم القضائي إلى حدّ كبير، الإجراءات القانونية المتصلة بملف انفجار مرفأ بيروت، ولم يفتح أي باب لحل أزمة انعقاد مجلس الوزراء، وسط انغلاق وصل إلى ذروته، أمس (الأربعاء)، بسجال مباشر بين رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري حول مثول الوزراء المُدّعى عليهم أمام المحقق العدلي في ملف المرفأ، القاضي طارق البيطار.
وجاء السجال بين عون وبري، تتويجاً لهذا الانغلاق السياسي والقضائي على خلفية ملف انفجار المرفأ الذي يدفع عون باتجاه مثول الوزراء السابقين المُدّعى عليهم أمام القضاء، فيما يعتبر بري، ومعه «حزب الله» و«تيار المستقبل» و«تيار المردة»، أن التحقيق العدلي ليس المرجع الصالح لمحاكمة الوزراء الذين يُفترض أن تتم محاكمهم أمام «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء»، بحسب ما قالت مصادر نيابية قريبة من المدعى عليهم لـ«الشرق الأوسط»، نافية أن تكون الاتصالات السابقة أفضت إلى حل للأزمة، حيث يطالب «الثنائي الشيعي» بإقالة المحقق العدلي، على ضوء الاتهامات له بـ«تسييس التحقيق» و«الاستنسابية» في الاستدعاءات.
وغرّد عون على حسابه في «تويتر» قائلاً: «الأبرياء لا يخافون القضاء... وكما قال الإمام علي: (مَن وضع نفسه موضع التهمة، فلا يلومَنّ من أساء به الظن)». وسرعان ما جاء الرد من بري، عبر صفحته في «فيسبوك»، بالقول: «على ألا يكون القضاء قضاء السلطة وما إدراك ما هي»، في تتمة للقسم الأول من تغريدة عون، حول الأبرياء الذين لا يخافون القضاء.
ويؤشر عون بشكل مباشر إلى الوزراء السابقين المُدعى عليهم علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس والذين استدعاهم المحقق العدلي في الملف، في وقت يؤكد هؤلاء أن المرجع الصالح لمحاكمتهم هو «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء». ويفترض استدعاؤهم رفع الحصانة النيابية عن النواب الثلاثة المدعى عليهم، وهم خليل وزعيتر والمشنوق، بالنظر إلى أن حصانتهم الوظيفية تفعلت منذ انطلاق الدورة التشريعية العادية في البرلمان في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتتهم «حركة أمل» التي يرأسها بري، مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي بإدارة «غرف» في القصر الجمهوري لتسييس التحقيقات في ملف المرفأ.
وتفاعل السجال مساء بين الرئاسة اللبنانية ورئاسة مجلس النواب، حيث اعلن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية أن محطة NBN القريبة من بري أوردت في مقدمة نشرتها الإخبارية «كلاماً مسيئاً تناولت فيه رئيس الجمهورية ميشال عون على خلفية التغريدة التي كان نشرها عن «أن الابرياء لا يخافون القضاء».
وسالت الرئاسة اللبنانية: «لماذا اعتبر من سارع إلى الرد على تغريدة رئيس الجمهورية نفسه معنياً بها، فما اورده الرئيس عون كان كلاماً في المطلق لم يستهدف احداً، لا بالاسم، ولا بالصفة، وهو جزء من تربية شكلت حِكم الإمام علي وأقواله، إحدى قواعدها الأساسية والتي يمكن الاستشهاد بها في تلقين تعاليم الأخلاق». وأضافت الرئاسة: «ليس في التغريدة اي مدلولات طائفية، فلماذا محاولة إضفاء أبعاد طائفية على وجهة نظر لا خلاف دينياً عليها، الأمر الذي يشكل تمادياً مشبوهاً ومكرراً في اللعب على الوتر الطائفي لأهداف واضحة القصد ولا تحتاج الى تفسير».
وتابعت: «لماذا اعتبر من ردّ على التغريدة بأن المقصود هو التحقيق في جريمة مرفأ بيروت، فيما هناك قضايا أخرى عالقة امام القضاء ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ملابسات أحداث الطيونة-عين الرمانة، وبالتالي فأي ريبة لدى أصحاب الردّ جعلتهم يعتبرون أن الكلام موجه اليهم؟».
وفي رد على الرد، قال مكتب الاعلام في رئاسة مجلس النواب في بيان مقتضب: «الذي أجاب على التغريدة إنما هو ردَّ على النوايا الصادقة التي تمتعتم بها». واضاف بمثل شعبي: «الجَمل في نيّة، والجمّال في نيّة، والحِمِل بنية أخرى».
وحال الخلاف حول إجراءات البيطار دون انعقاد جلسة لمجلس الوزراء منذ أربعة أسابيع، حيث تجمّدت اجتماعاته منعاً ليتفجر إثر الخلاف بين مكوناته، وخصوصاً وزراء «التيار الوطني الحر» من جهة، ووزراء «حركة أمل» و«حزب الله» و«المردة»، من جهة ثانية. ولم تثمر الاتصالات السابقة أي خرق في جدار الأزمة، حيث يرفض عون كف يد البيطار عن الملف، فيما لم تنشط أي اتصالات جديدة في الآونة الأخيرة، كما قالت المصادر، ما يؤشر إلى انغلاق سياسي بالكامل.
وتحاول الحكومة اللبنانية أن تنأى بنفسها عن هذا الكباش السياسي حول الإجراءات القضائية؛ إذ أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه يؤيد بقاء الملف في يد القاضي البيطار، مشدداً على «أننا لا نتدخل في القضاء». وقال بعد لقائه مطران بيروت للروم الارثوذكس المتروبوليت إلياس عودة أن اللقاء تطرق إلى انفجار المرفأ، لافتاً إلى أنه «بعد حادثة 4 أغسطس (آب) 2020 التي أوقعت 200 قتيل و6000 جريح وأضراراً كبيرة، لا ملجأ لنا سوى القضاء السليم الذي يجب أن يأخذ دوره بطريقة عادلة وتتبعه قوانين موحدة، ونتمكن من الوصول إلى نتيجة مع المحافظة على الدستور الذي هو فوق كل القوانين».
واصطدمت الإجراءات القضائية بحزمة دعاوى قضائية وطلبات رد طالت البيطار من قبل وكلاء المدعى عليهم، كما طالت قضاة ردوا طلبات الرد بأكملها. وتعقدت الإجراءات أكثر بتزايد تلك الدعاوى التي وصل بعضها إلى مجلس القضاء الأعلى والتفتيش المركزي، بانتظار البت بها. وأمام هذا المشهد، بات واضحاً أن الانقسام السياسي انسحب على الجسم القضائي، وتطور الانقسام إلى الإشارة إلى الطوائف التي يتحدر منها القضاة، وفرزهم بحسب المذاهب التي ينتمون إليها، بموازاة انخراط مجموعات شعبية مؤيدة لعمل القاضي البيطار بالأزمة، ووصولها إلى داخل قصر العدل، حيث أقفلت مكتب أحد القضاة.
ودخل وزير العدل، القاضي هنري الخوري، على خط هذا التأزم في داخل الجسم القضائي، محذراً من «تحويل قضية انفجار المرفأ، القضية الوطنية، إلى دراما قضائية مسرحها مبنى قصر العدل». وأسف لـ«خرق حرمة قصر العدل وأروقته الأمر الذي لم يشهده لبنان من قبل».
وشدد الخوري على «وجوب أن يبقى هذا القصر ملاذاً آمناً للقضاة والمحامين والمتقاضين؛ يمارسون فيه رسالتهم وواجباتهم بعيداً عن أي ضغوط مهما كانت».
وحذر من «تصنيف القضاة فرقاً مشتتة، ومن تحويلهم إلى قضية وطنية للدفاع عنهم أو الذم بهم، لأن ذلك لن يؤدي إلى تحقيق العدل والعدالة». وأكد الخوري أن «ملف انفجار المرفأ لأهميته وما رافقه من اصطفافات على صعيد الوطن يجب ألا يؤدي إلى نصرة قاض على آخر، وإلا شوه حكم الرأي العام المسبق الحقيقة، وعطل في النهاية مفعول ما سيتوصل إليه حكم القاضي قبل النطق به».
وشدد وزير العدل على أن «ملف المرفأ مستمر، وأن اتباع الأصول القانونية ستبقى هي المرتكز، وأن وزير العدل قام وسيقوم بكل ما أجازه له القانون بهذا الخصوص، مع حرصه على حماية الجسم القضائي كي لا يتحول إلى ضحية قبل أن ينتصر في حربه على تحصيل حقوق الضحايا».
من جانبه، اعتبر نادي قضاة لبنان في بيان أن «ما دخلت السياسة على شيء في لبنان إلا وهدمته، وما تعاطى الساسة في أمر إلا وشوهوه؛ من اقتصاد عطّلوه، إلى قطاع مصرفي نهبوه، إلى قطاع عام مسخوه، إلى شعب أحبطوه، إلى شباب هجّروه، إلى هواء لوّثوه، إلى بلد أفشلوه، حتى أمسينا على أبواب الدول والمؤسسات نستجدي فتات يومنا، وجاء الآن دور ما تبقى من قضاء خارج قبضتهم ليطوعوه».
ودعا السياسيين إلى «رفع أيديهم عن القضاء رحمة بالبلاد والعباد. وليكمل المسار القضائي طريقه من دون أي تعسّف أو إساءة».
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه