07-11-2021
مقالات مختارة
منير الربيع
صحافي لبناني
يرتفع منسوب المخاطر بفعل تراكم الملفات غير القابلة للمعالجة. الأزمة السياسية والاستعصاء قابلان لأن ينعكسا على الواقع الشعبي أو الأمني. صحيح أن حزب الله لا يريد وليس من مصلحته توتير الأجواء في البلاد. وهو منذ حادثة شويا، وبعدها خلدة وبعدها الطيونة، يحاول لملمة الأوضاع. لكن المسار القضائي الذي تسلكه الأمور سواء في ملف موقوفي خلدة، الذين تمت محاكمتهم من دون محاكمة المتهمين بقتل الطفل حسن عمر غصن، سيكون لها تداعيات كثيرة، لا سيما بعد حركة قطع الطريق من قبل عشائر العرب احتجاجاً على ما وصفوه نظر القضاء بعين واحدة.
الأمر نفسه قد يتكرر في ملف الطيونة. إذ ان التحقيقات وعمليات التوقيف تتركز على عناصر مؤيدين للقوات اللبنانية. هذان الملفان القضائيان لا ينفصلان عن مسار الاستعصاء القضائي القائم والمستمر في ملف التحقيق بتفجير مرفأ بيروت، والذي دخل في مسار جديد وخطير قضائياً وقد تنعكس خطورته على الأرض.
استضعاف السنّة
كل القوى السياسية تتعاطى وفق سياسة التعامي عن هذه الوقائع، ولا بحث جدّياً في إيجاد معالجات فعلية وسريعة لهذه الملفات، القابلة لأن تنفجر في أي لحظة. يضاف ذلك إلى الأزمة المستمرة بين لبنان ودول الخليج. وبما أن البلد يتجه نحو انتخابات نيابية، فإن قواعد اللعبة اللبنانية الثابتة ترتكز على تحشيد الجماهير بخطابات التعبئة السياسية والمذهبية، مع ما ترخيه هذه السياسة من توتر على الأرض. ولا يخرج اجتماع دار الفتوى عن هذا السياق، في ظل استشعار السنّة لحالات الضعف أو الاستضعاف، سواء في ملف خلدة أو في ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية. تبحث جهات سنّية عن فرصة لإعادة استنهاض الشارع السنّي والموقف السياسي فيه. فيما الموقف الشيعي ثابت ومعبأ وعلى جهوزية كاملة.
حسابات العونيين
أما الساحة المسيحية فهي تشهد الحركة الأكبر، وذلك بسبب الانقسام الكبير في التوجهات السياسية، بين التيار الوطني الحرّ، الذي يريد الحفاظ على علاقته بحزب الله وفي الوقت نفسه يدعو إلى تحسين العلاقة مع دول الخليج، ولديه حسابات شعبوية تتعارض مع حسابات الحزب على أبواب الانتخابات، التي سيكون فيها التيار ورئيسه شخصياً بأمس الحاجة إلى التفاهم والتحالف مع الحزب.
وعلى الرغم من هذه الوقائع، يعتبر بعض العونيين أنه لا يمكنهم الاستمرار بهذا الموقع السياسي الذي يتحول فيه المسيحيون إلى بيادق في صراع سنّي-شيعي، أو إيراني عربي. ويبدون مقتنعين بأن النظام السياسي اللبناني قد انتهى، ولا بد من البحث عن صيغة جديدة برعاية دولية، تخرج لبنان من صيغة الطائف. ولكن بمجرد التفكير بتلك الفكرة يصلون إلى استدراك خطورة الخروج من الطائف الذي سيضرب المناصفة، والثمن الدستوري والسياسي سيكون في مصلحة حزب الله والشيعة على حسابهم.
ويشير أصحاب اوجهة النظر هذه من المؤيدين للعهد، إلى أن الواقع الذي وصل إليه حزب الله في لبنان بات معادلة واضحة مؤذية للجميع. فسياسات حزب الله عندما تؤدي إلى الخسارة فتنعكس الخسائر على الجميع، وعندما يربح الحزب يكون ربحه خاصاً به، فيما الآخرون -بمن فيهم حلفاؤه- يراكمون الخسائر وحسب. فيسأل هؤلاء: "هل معادلة الحفاظ على حقوق المسيحيين تستقيم فقط ضد سعد الحريري والسنّة؟ ولا مجال لحمايتها في مواجهة الشيعة".
مؤتمر دولي؟
مسيحياً أيضاً، أصبحت القوات اللبنانية تشكلّ عامل الفرق الوحيد حالياً، باعتبارها قوة سياسية لديها حضورها على الأرض، وذات توجه واضح يقوم على مواجهة حزب الله والتحالف مع دول الخليج والدول العربية، وتجد نفسها في قلب المعركة ضد الحزب وضد التيار الوطني الحرّ. وسط هذه الوقائع تسعى قوى أخرى إلى إعادة إحياء تجمعات سياسية تحت عنوان السيادة ومواجهة المشروع الإيراني، تضم جهات مسيحية بالتحالف مع قوى إسلامية أخرى، في إعادة لإنتاج ما يشبه المجلس الوطني لقوى 14 آذار.
تنذر الأزمات اللبنانية المستفحلة وآخرها الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج، بالكثير من المخاطر، فلم يعد للحوار الداخلي أي مقومات لمعالجة الملفات اللبنانية. أصبح البلد بحاجة لانتظار تطورات الوضع في المنطقة، وتوفر ظروف مؤاتية لعقد مؤتمر دولي إقليمي خاص بلبنان يسعى إلى إعادة تكوين السلطة فيه.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار