30-10-2021
محليات
عندما تعاملت "نداء الوطن" مع موقف وزير الإعلام جورج قرداحي من حرب اليمن بوصفه أتى بمثابة "طلقة حوثية" في رأس حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كانت الرؤية جلية لا يشوبها سراب ولا ضباب ولا ريب بوصول العلاقات اللبنانية – السعودية إلى نقطة "اللاعودة"، وبانسداد الأفق العربي والخليجي أمام الحكومة بعدما ثبت بالملموس على أرض الواقع أنها "ساقطة عسكرياً" تحت سطوة "حزب الله"، نفطياً وقضائياً وأمنياً... وصولاً إلى تلقيها ضربة قاصمة مع تبني الحزب "سقطة" قرداحي الحوثية مانعاً إقالته، ليكون ذلك بمثابة التتويج الأخير لإعلان "سقوط" الحكومة اللبنانية نهائياً في قبضة المحور الإيراني في مواجهة العرب.
بالأمس، وقع المحظور ومعه وقع لبنان في عزلة عربية خانقة لشرايينه الحيوية مع إعلان المملكة العربية السعودية "الطلاق" الرسمي والديبلوماسي والتجاري مع الدولة اللبنانية، "كاسرةّ الجرة" مع لبنان وتاركةً البلد لمصيره البائس تحت رحمة أكثرية تخطفه وتسوق أبناءه مخفورين إلى مقصلة العداء مع الغرب والعرب... فأصبحت عملياً حكومة ميقاتي "في خبر كان" على حد تعبير مصادر مواكبة لتداعيات القرار السعودي، مؤكدةً أنّ "الأزمة تجاوزت في أبعادها مسألة إقالة قرداحي من عدمها، وباتت تتصل بالموقف من الحكومة ككل بعدما ظهرت في صورة عاجزة وخانعة أمام الأجندة اللبنانية المعادية للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي".
فمن رسالة "منحل عنكن وبتحلّوا عنّا" التي أطلقها الأمير السعودي عبد الرحمن بن مساعد منذ يومين، إلى "النقطة على السطر" التي وضعها السفير السعودي وليد بخاري أمس في متن تغريدة مشفّرة تعكس بوضوح وصول العلاقات اللبنانية مع بلاده إلى نهاية الطريق، تدرّجت الرياض في تصعيدها التصاعدي السريع تأكيداً على أنّ "الكيل طفح" من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، لا سيما وأنّ "التصريحات المسيئة للمملكة الصادرة من قبل وزير الإعلام اللبناني تمثل حلقة جديدة من المواقف المستهجنة والمرفوضة الصادرة عن مسؤولين لبنانيين تجاه المملكة وسياساتها فضلاً عمّا تتضمنه التصريحات من افتراءات وقلبٍ للحقائق وتزييفها" كما جاء في بيان الخارجية السعودية الذي أعلنت بموجبه قرار استدعاء السفير السعودي من لبنان ومغادرة السفير اللبناني الأراضي السعودية "خلال 48 ساعة" ووقف استيراد كافة الواردات اللبنانية من ضمن سلسلة "إجراءات أخرى" سيتم اتخاذها "لحماية أمن المملكة وشعبها".
وإذ حرصت على طمأنة الجالية اللبنانية على استقرار أوضاعها في المملكة، حمّلت الخارجية السعودية المسؤولية المباشرة عما وصلت إليه العلاقات مع لبنان من تدهور غير مسبوق على مرّ "الروابط التاريخية منذ استقلال الجمهورية اللبنانية"، إلى "حزب الله" باعتبار ان "سيطرته على قرار الدولة اللبنانية جعلت من لبنان ساحة ومنطلقاً لتنفيذ مشاريع دول لا تضمر الخير للبنان وشعبه (...) وكما هو مشاهد من خلال قيام "حزب الله" بتوفير الدعم والتدريب لميليشيا الحوثي الإرهابية".
وإذ توالت الأنباء العربية مساءً عن تداعيات مرتقبة للقرار السعودي ستنسحب على توجهات مجلس التعاون الخليجي إزاء العلاقة مع لبنان، تواترت معلومات صحافية وديبلوماسية عن اتجاه المجلس إلى الاجتماع خلال الساعات المقبلة لتدارس الموقف بحيث ستكون مسألة سحب السفراء الخليجيين من لبنان وفرض عقوبات سياسية واقتصادية على مسؤولين لبنانيين من الخيارات المطروحة على طاولة البحث، سيما وأنّ البحرين استبقت الاجتماع بالطلب من السفير اللبناني لديها المغادرة خلال 48 ساعة. وعلى الأثر، سارع ميقاتي إلى محاولة احتواء الموقف وتطويق التشققات العربية تحت أقدام حكومته، فأصدر بدايةً بياناً توجه فيه إلى "خادم الحرمين الشريفين وولي عهده" مقروناً بمناشدته "الإخوة القادة العرب المساعدة على تجاوز الأزمة"، قبل أن يتضح أنّ الكلام الإنشائي لم يعد صالحاً لإصلاح ما أفسده قرداحي، فعاد ليلاً إلى إصدار بيان أعلن فيه أنه اتصل بالأخير طالباً منه بشكل غير مباشر الاستقالة من الحكومة تحت شعار "تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية".
وفي الغضون، أتت الأنباء المرافقة لزيارة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني إلى بيروت لتبعد المركب اللبناني أكثر فأكثر عن ضفته العربية، بحيث كشفت مصادر مطلعة على أجواء هذه الزيارة أنّ قاآني حرص عند وصوله إلى لبنان مطلع الأسبوع عبر مطار رفيق الحريري الدولي على عدم إحاطة الزيارة بالسرية التامة كما درجت العادة إبان زيارات سلفه قاسم سليماني، إنما تعمّد تسريب الخبر في رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأنّ طهران لم تعد بحاجة إلى إخفاء سطوتها على الساحة اللبنانية.
ونقلت المصادر معلومات متواترة عن مقربين من محور الممانعة، تفيد بأنّ قائد الحرس الثوري حمل معه رسالة تدعو إلى وجوب "رص الصفوف" على مختلف الجبهات الإيرانية في المنطقة تحت وطأة التطورات الإقليمية المفتوحة على كافة الاحتمالات "بانتظار ما سينتج عن المساعي الجارية لإعادة إحياء المفاوضات النووية، والحوار الجاري مع السعودية والذي يعتبر الملف اليمني نقطته المركزية"، مع التركيز في الوقت عينه على ضرورة إيلاء الملف السوري أهمية جوهرية راهناً "مع قرب الحسم العسكري في إدلب بتفاهم روسي – تركي – إيراني، وما سيتبع ذلك من خطوات وإجراءات عملانية مطلوبة لإعادة تموضع مقاتلي "حزب الله" وسائر الفصائل المسلحة الموالية لإيران في سوريا تماشياً مع المستجدات الميدانية والسياسية".
أما على مستوى الداخل اللبناني، فتشير المصادر إلى أنّ رسالة قاآني ركزت على أهمية "تحصين حزب الله جبهته الداخلية بانتظار اتضاح صورة المعادلات الجديدة الآخذة بالارتسام في سوريا والمنطقة، مع التشديد على وجوب الحرص على عدم إتاحة الفرصة أمام إسرائيل لافتعال مواجهات عسكرية في هذه المرحلة من شأنها أن تعكّر صفو هذه المعادلات التي تعمل طهران على بلورة صيغها في أكثر من ملف وأكثر من اتجاه".
أبرز الأخبار