مباشر

عاجل

راديو اينوما

الطائفية والتبعية تعوقان قيام الدولة في لبنان من 17 تشرين إلى الخميس الأسود... ما الذي تغيّر؟

25-10-2021

محليات

None

لا يمكن فهم الواقع السياسي الذي يعيشه لبنان، من دون العودة إلى السياق التاريخي المُرافق لنشوء الكيان اللبناني وتطوره السياسي والجغرافي والاجتماعي، من إعلان لبنان الكبير 1920 إلى استقلال 1943 مروراً بأحداث 1958 وصولاً لحرب 1975 واتفاق الطائف 1990 ثم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري 2005 وما تلاه من أحداث 7 أيار واتفاق الدوحة 2008 ثم انتفاضة 17 تشرين 2019 وقبلها التوترات المذهبية وحروب الإرهاب حتى تفجير مرفأ بيروت 2020 وأحداث الطيونة 2021.

 

فالنظام السياسي اللبناني هو نتاج هذه المحطات التاريخية الأليمة وتختزل عنواناً موحداً هو «اللاإستقرار». فباستثناء مرحلة 1990 - 2005، لم يشهد لبنان استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً منذ الحرب الأهلية حتى يومنا هذا، بل لطالما كان الصراع السياسي والطائفي وامتداداته الخارجية هو الحاكم والمتحكّم في المشهد الداخلي وتطور الحياة السياسية فيه.

 

فما الذي حال دون بناء دولة حقيقية تجمع مواطنيها بكل طوائفهم وتلاوينهم السياسية تحت سقف العدالة والمواطنة والسيادة؟ ولماذا تقاعست الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة عن تحقيق هذا الهدف؟ فهل العِلّة في الطبيعة التكوينية التأسيسية للنظام، أم في الطبقة السياسية التي عمّقت هذا النظام بدل تغييره أو على الأقل تقويم اعتلاله واعوجاجه، واستمدت استمراريتها من شرعيتها الدستورية كسلطة قائمة ومن مرجعياتها الروحية ومن وهج الخارج الإقليمي والدولي؟

 

ليس خافياً أن الطائفية هي مصدر كل اعتلال وانحلال وسرطان فتك بالجسد اللبناني، وقد وضع الطائف إصبعه على «جرح الطائفية» النازف وحدّد خارطة طريق لعلاجه بقيت حبراً على ورق، بل تعمق «الداء السرطاني» أكثر وتسلّل وتغلغَل في كامل جسد الكيان وخلاياه وحَوّلهُ جثة هامدة مع بقايا روح جرى تأخير إعلان وفاتها مع إنعاشها بتسويات سياسية جزئية وبجرعات مالية خارجية، لكنّ النتيجة كانت تصبُ في إعادة إنتاج النظام والتجديد لطبقته السياسية.

 

فقوانين الإنتخاب وقانون الأحزاب كانوا مفاتيح لاحتلال الأحزاب السياسية - الطائفية المؤسسات الدستورية في البرلمان ومجلس الوزراء والمؤسسات الأمنية والقضائية والمالية والنقدية على قاعدة المناصفة والمحاصصة والمقاسمة والمُقاصّة للمواقع والمناصب والصفقات والوكالات والسمسرات وإدارة القطاعات التجارية، حتى ضربت الطائفية اليوم بأطنابها بإخضاع وظائف مأموري الأحراش وخفراء الجمارك إلى المناصفة، حتى تفشى المرض العُضال في الجسم القضائي وأركان الأجهزة الأمنية، وتجسد ذلك في تفجير مرفأ بيروت ومسار التحقيقات وخلفيات القرارات القضائية، ليأتي أداء القاضي طارق البيطار ليكون الشعرة التي تقسم ظهر البعير على أساس طائفي في مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى ومحاكم التمييز والإستئناف والنيابات العامة والمحكمة العسكرية والأجهزة الأمنية والشارع وأهالي شهداء التفجير، فبات لكل طرفٍ سياسي قاضٍ ومحكمة وجهاز أمني يوائمون قراراتهم ذات الخلفية الطائفية والسياسية مع مصلحة الطائفة التي ينتمون إليها، بينما جرّ الواقع الاقتصادي الطوائف إلى مزيد من التقوقع والإنغلاق، فكل طائفة رسمت خطوطها وحدودها الجغرافية وأمنها الذاتي والغذائي، ونما بموازاة ذلك نظام خاص بالطوائف، فبات لكل طائفة أو مذهب مؤسساته الخاصة التربوية والدينية والاجتماعية وحتى النقدية، كل ذلك أضعفَ السلطة المركزية أكثر حتى عجزت عن تأمين المحروقات لمواطنيها، وصارت الطائفية السِمة الملازمة للنظام السياسي، فاستطيَب المسؤولون بهذا الغطاء لممارساتهم وحكمهم المؤبد.

 

ولا يختلف داء الطائفية عن وباء تبعية أغلب الأحزاب للخارج، فكل حزبٍ يتبع لدولة تشكّل مرجعيته الدينية أو السياسية أو المالية، فيرى مَلاذه ومصيره ووجوده وضمانة مكاسبه في النظام مُعلّقاً بها، فتكون مشاركته في المجلس النيابي والحكومة ممثلاً لهذه الدول وامتداداً لمصالحها وسياساتها وليس من الحسابات الوطنية الخالصة. فكيف يمكن لأحزاب أو مسؤولين يدينون بالولاء للخارج أن يبنوا دولة مستقلة تجمع مواطنيها في بوتقة واحدة؟ فبات لبنان محكوم بمعادلة: خارج إقليمي دولي يحمي منظومة سياسية طائفية مالية مقابل أن تؤمّن له مصالحه.

 

فعند تقاطع مصالح هذا الخارج، ينعم هذا اللبنان بالإستقرار الجزئي والهَش، وعندما تصطدم تحل أزمات داخلية مدمرة.

 

لا يمكن إغفال عامل وقوع لبنان على فالق اشتباك إقليمي - دولي يتنازعه كل حلفٍ لخدمة مصالحه، كما أن وجود الكيان الإسرائيلي على حدوده الجنوبية يهدّد الاستقرار بشكل دائم، إضافة إلى دور «حزب الله» الذي تنامى في الاقليم بعد تدخّله في حرب سوريا واليمن والعراق، ما استدرجَ حصاراً أميركياً خليجياً أنهكَ اقتصاده.

 

وعلى رغم هذه المعوقات، مرّت فُرَص وئام وسلام إقليمي - دولي بين المثلث الأميركي السعودي السوري، كان يمكن للطبقة السياسية استغلاله عبر تطبيق بنود الطائف باتجاه دولة مدنية عصرية عبر إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس شيوخ واللامركزية الإدارية وإعادة بناء الاقتصاد على أسس الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي ونَسج سياسة خارجية موحدة وفقاً للمصالح الوطنية. فكان صوت الرئيس نبيه بري يصدح دائماً بتطبيق الطائف والمادة 55 منه، لكن كمِثل الذي يصرخ في البرية.

 

وإذا كان البعض تذرّع بالوصاية السورية لعدم تطبيق الطائف، فإنهم لم يستغلوا لحظة التضامن الوطني حول شهادة الرئيس الحريري وبعد خروج الجيش السوري من لبنان، في إعادة بناء الدولة، بل جرى تسييس الجريمة وتحوّلت إلى مناسبة للإنقسام السياسي الحاد بين فريقي 8 و14 آذار حتى تعمّقت الطائفية والمذهبية أكثر.

 

وجاءت انتفاضة 17 تشرين لتشكّل فرصة تاريخية لوحدة اللبنانيين في ساحتَي الشهداء ورياض الصلح لدفع الطبقة السياسية الى تغيير النظام أو على الأقل إصلاحه، لكن أيضاً جرى استغلال الجموع وإثقال الإنتفاضة بعناوين سياسية برّاقة وشعارات رنّانة تعجيزية وتشكّل محل انقسام حاد، كإسقاط النظام وسلاح المقاومة والتطبيع مع إسرائيل... فلم تصمد أكثر من أيام قبل أن تعلن موتها بانسحاب ثلثي المتظاهرين إلى منازلهم فيما استُخدِم من تبقّى وقوداً لغب الطلب السياسي والتخديم الخارجي، وعادت الغالبية للتموضع في خنادقها الطائفية، وتغيّر الشعار الذي هتفوا له في الساحات مِن «لا للطائفية وكلن يعني كلن» إلى شعار «طائفتي أولاً وكلن يعني كلن إلا زعيم طائفتي»، لتبلغ ذروة التطييف في أحداث الخميس الأسود على خط التماس الطائفي في الطيونة بعد عامين بالتمام والكمال من انتفاضة 17 تشرين، ما يكشف المنسوب المرتفعِ للطائفية التي يجب إزالتها من النفوس قبل النصوص. وها هم اللبنانيون بعد عامين يخفضون سقف آمالهم وطموحاتهم ومطالبهم إلى الحد الأدنى من إسقاط النظام ومحاكمة أركانه والقضاء على الفساد، إلى وضع حد لطوابير الذل أمام محطات الوقود والأفران والصيدليات وتوفير المحروقات وتخفيض أسعار السلع وصرف الدولار ورفع بدل النقل والحد الأدنى للأجور ورواتب القطاع العام.

 

ثبتت الوقائع بأنّ إسقاط النظام أو الدولة المدنية بات أحلاماً تُراوِد اللبنانيين، وبات أقصى طموحهم تأمين الأمن وتوفير الخدمات الطبيعية لاستمرار العيش، فهل يمكن أن يتوحد اللبنانيون على المطالب الحياتية الطبيعية ويفرضون على الطبقة السياسية تحقيقها؟ وكأنّ لسان حال المواطنين يقول للطبقة السياسية وللنظام: «لا نريد إسقاطكم بل إبقوا وتنعّموا بغنم السلطة، ونحمل عنكم الغرم وسنجدد لكم في الإنتخابات النيابية المقبلة، لكن وفّروا الحد الأدنى من مقومات العيش».

services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.