12-10-2021
محليات
في 14 تشرين الأول 2019، أعلن دونالد ترامب، الرئيس الأميركي آنذاك، حالة طوارئ تجاه سوريا، وفحوى هذا القرار الرئاسي، أنّ الإدارة الأميركية ستفرض عقوبات على الدول أو المنظمات أو الأفراد الذين يتسببون بعرقلة الأعمال العسكرية الأميركية ضدّ ما يُسمّى «الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» (داعش)، معتبرة أنّ هذه العرقلة هي بمثابة تهديد للأمن القومي الأميركي وللسياسة الخارجية الأميركية. والمقصود أساساً بهذا القرار كان تركيا والنظام الحاكم في سوريا.
تشمل العقوبات التي يمكن للإدارة الأميركية فرضها على من تعتبرهم مسؤولين عن تهديد الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية بموجب هذا القرار، حجز ممتلكاتهم، وتجميد عقود أشغال عائدة لهم، ومنعهم من دخول الأراضي الأميركية، وذلك بالإضافة الى حرمانهم من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الأميركية.
تحدّدت مدة صلاحية هذا القرار عند صدوره بسنة واحدة قابلة للتمديد، على أن يُتخذ قرار التمديد ضمن مهلة 90 يوماً قبل انتهاء صلاحيته، وقد مدّد ترامب صلاحيته العام الماضي لمدة سنة. وبعد أن قربت مهلة انتهاء صلاحيته في الرابع عشر من الشهر الجاري، قرّر الرئيس جو بايدن تمديد هذا القرار قبل انتهاء مدة صلاحيته بأسبوع، مبرّراً ذلك بما تشكّله الأزمة الحالية من مخاطر على المدنيين ومن تقويض "للسلم والأمن والإستقرار في المنطقة مع وجود تهديد غير مسبوق للأمن القومي الأميركي ولسياسة الولايات المتحدة الخارجية"، حسب ما ورد في الكتاب الذي وجّهه بايدن الى المجلس النيابي التابع للكونغرس لإبلاغه قرار التمديد.
جدير بالتوضيح، أنّ هذا القرار الأميركي لا يدخل ضمن استراتيجيا واضحة المعالم تجاه سوريا. فالرئيس السابق ترامب كان معروفاً باتخاذه قرارات فجائية في شتى الأمور، يعلنها بتغريدات عبر منصّة "تويتر"، الى درجة أنّه أعلن يوماً عبر هذه الوسيلة سحب القوات العسكرية الأميركية من سوريا، دون استشارة المسؤولين في الإدارة، ما أدّى الى استقالة وزير الدفاع آنذاك جايمس ماتيس. كما أنّ الرئيس الحالي جو بايدن، من جهته، لم يحدّد حتى الآن استراتيجيا أميركية لعلاقة بلاده مع سوريا، بل إنّ إدارته تتخذ قراراتها وفق التطورات على الأرض.
لقد ظهرت في الأشهر القليلة الماضية بعض المؤشرات التي توحي بحصول تغيّر ما في سياسة الولايات المتحدة تجاه النظام السوري، ومع أنّ المسؤولين الكبار في إدارة بايدن يؤكّدون أنّ السياسة الأميركية تجاه سوريا لم تتغيّر، إلّا أنّ ما يحصل على أرض الواقع من تطورات يشي بعكس ذلك. فاستجرار الغاز الطبيعي المصري الى لبنان عبر الأردن وسوريا، واستفادة النظام السوري مادياً من ذلك، مخالف لـ"قانون قيصر" للعقوبات الصارمة على سوريا المتخذ أيام ترامب، كذلك زيارة وفد من الوزراء اللبنانيين واجتماعهم في دمشق مع نظرائهم السوريين، وانفتاح بعض دول الخليج العربي على النظام السوري، والإتصال الذي جرى بين ملك الأردن والرئيس السوري بشار الأسد، وأخيراً اتصالات متعددة تمّت على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الأيام الماضية بين مسؤولين عرب ومسؤولين سوريين في نيويورك. كل ذلك حصل ولم نسمع أي انتقاد أو تعليق من الإدارة الأميركية، ما يوحي بوجود موافقة أميركية ضمنية على بعض الإنفتاح على النظام السوري، ربما تمهيداً لحصول تغيّر علني لاحق لدى الإدارة في هذا الإتجاه.
ملفت في هذا المجال المقال الذي صدر منذ أيام قليلة في صحيفة "الواشنطن بوست" الواسعة الإنتشار، كتبه الصحافي جوش روغن تحت عنوان: "بايدن يتبنّى ضمنياً التطبيع مع الأسد"، ويقول فيه إنّه، منذ لقاء ملك الأردن مع الرئيس بايدن في شهر تموز المنصرم، "يقود العاهل الأردني عبدالله الثاني حملة سريعة إقليمية للتطبيع مع نظام بشار الأسد".
وقد يكون قرار بايدن بالتمديد مدة سنة لإعلان الطوارئ بالنسبة الى سوريا نابعاً من رغبته في تبديد هذه الإنطباعات، بوجود تغيير في سياسة إدارته تجاه سوريا بسبب المعارضة القوية في الكونغرس لأي تقارب مع النظام السوري. ومعروف أنّ اللوبي الإسرائيلي يتمتع بنفوذ قوي في الكونغرس الأميركي، علماً أنّ قرار التمديد لإعلان الطوارئ يهدف من جهة الى تحذير النظام السوري وتذكيره بالعقوبات في حال قيامه بعمليات عسكرية في شمال شرق سوريا ضدّ المدنيين، كما أنّه موجّه، من جهة ثانية وبشكل واضح جداً، الى تركيا التي تنفذ بين الحين والآخر عمليات نوعية ضد الأكراد (قوات سوريا الديموقراطية) المدعومين من الولايات المتحدة، وذلك في ظل علاقات متوترة بعض الشيء بين تركيا والولايات المتحدة، نظراً لشراء تركيا نظام صواريخ "إس 400" من روسيا، على رغم من كونها عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي، وأيضاً في ظل انعدام الثقة بين بايدن والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وقد شاء بايدن أن يشير بوضوح تام الى أنّ العمليات العسكرية التي تنفّذها تركيا في شمال شرق سوريا تعرقل كثيراً الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد "داعش"، إذ في ذلك ما يشكّل خطراً على الأمن القومي الأميركي، كون "داعش" تخطّط في استمرار للقيام بعمليات إرهابية في الولايات المتحدة وضد المصالح الأميركية في العالم، وهذا ما يدلّ في وضوح الى أنّ تركيا بالذات مقصودة أيضاً في هذا القرار.
يُضاف الى هذه الأسباب التي قد تكون دفعت بايدن الى اتخاذ قرار التمديد لإعلان الطوارئ اعتبارات داخلية، أهمها ضغط الحزب الجمهوري للحدّ من اندفاع بايدن نحو إلغاء قرارات كان قد اتخذها سلفه، إذ أنّ بايدن، في الأيام المئة الأولى من عهده، أصدر 60 قراراً رئاسياً كان ثلثها لإلغاء أو تعديل قرارات لترامب. وبايدن مضطر الى مسايرة الجمهوريين في الكونغرس لحاجته الى تأييدهم لإمرار بعض القوانين التي يعلّق عليها أهمية كبرى، مثل قانون إعادة تأهيل البنى التحتية، وقانون الموازنة، وتعديلات يود إدخالها على القانون الضريبي
من جهة أخرى، إذا كان بايدن يبدو وكأنّه يغض الطرف عن محاولات بعض الدول العربية فتح قنوات اتصال مع النظام السوري، إلّا أنّه يصعب كثيراً عليه وعلى إدارته اتخاذ خطوات أو قرارات مماثلة، لأنّ في ذلك مخالفة واضحة من جهته لـ"قانون قيصر"، قد تعرّضه للمساءلة من قِبل الكونغرس، ولذلك عليه أولاً إلغاء أو تعديل هذا القانون، قبل أن تقوم إدارته بأي اتصال مع المسؤولين السوريين، هذا مع العلم أنّ الحزب الجمهوري سيعارض، في الظروف الحالية، أي تعديل لهذا القانون.
يُضاف الى هذه الإعتبارات الداخلية والخارجية، أنّ قرار بايدن بتمديد فترة الطوارئ في شأن سوريا، جاء بعد لقاءات عُقدت في واشنطن بين مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية، وبين قادة من المعارضة السورية الذين طالبوا الإدارة بعدم اعتبار بشار الأسد رئيساً للبلاد، وباستمرار الولايات المتحدة في سياستها الرافضة التطبيع مع النظام، وعدم رفع العقوبات، ورفض مساهمة الولايات المتحدة في تمويل إعادة الإعمار في سوريا في ظل النظام الحالي.
إنّ قرار بايدن، على صعيد آخر، يثبت أنّ الولايات المتحدة لا تخطّط للإنسحاب قريباً من سوريا، خصوصاً أنّ الإنسحاب الأميركي من أفغانستان في 30 آب المنصرم، حمل البعض على الإعتقاد أنّ إنسحاباً مماثلاً من سوريا سيلي الإنسحاب من أفغانستان، على خلفية ما يُشاع أميركياً عن وضع حدّ نهائي للحروب الأميركية في الخارج، ومطالبة داخلية متزايدة بوقف التدخّل العسكري في دول أخرى. ولكن تجديد إعلان الطوارئ في شأن سوريا يعني بقاء الولايات المتحدة عسكرياً في هذا البلد، وإن بنحو محدود، لارتباط الوجود العسكري بالحرب الأميركية المستمرة على "داعش".
ولكن بالنتيجة، يرى كثيرون في الولايات المتحدة وخارجها، أنّ قرار بايدن بتمديد إعلان حالة الطوارئ بالنسبة الى سوريا، هو مجرد قرار سياسي لن تكون له مفاعيل عملية على الأرض، بل هو موجّه خصوصاً الى الداخل الأميركي وبنحو أخص الى الحزب الجمهوري، لتبديد الشكوك حول ما يُشاع من تغيير في السياسة الأميركية تجاه سوريا، ولكن الإعتقاد السائد هو أنّ بايدن ينتظر ردّات فعل النظام السوري على مبادرات الإنفتاح العربية المختلفة، بما فيها احتمال عودة سوريا الى جامعة الدول العربية بناء للدعوة المصرية، مع الأمل في أنّ عودة علاقات سوريا مع عدد من دول الخليج من شأنها أن تؤدي الى تمييع النفوذ الإيراني والروسي في سوريا وربما الى بعض التغيير في سلوك النظام عموماً، وفي ذلك ما يمكّن إدارة بايدن من إقناع الكونغرس بتعديل أو حتى إلغاء "قانون قيصر"، وصولاً تدريجاً الى التطبيع الكامل مع سوريا واستعادة بعض النفوذ الأميركي في المنطقة. إلّا أنّ ذلك سيتطلب بلا شك، وفي حال صدقت التوقعات، وقتاً وجهداً أميركياً عموماً، وتغييراً ملموساً في المواقف السورية خصوصاً.
أخبار ذات صلة