09-10-2021
محليات
واقع البلد في ذروة ارتباكه؛ تصريحات ووعود سياسيّة وحكوميّة أسرع من الصّوت، تقابلها صدمات تتوالى على مدار الساعة، وتنهمر بأوجاعها على رؤوس اللبنانيين، فيما العلاجات بطيئة جدّاً او بمعنى أدق معدومة.
كلّ شيء في هذا البلد يرتفع صعوداً، من أسعار المحروقات التي حلّقت بالأمس، الى الدواء وكل المواد الأساسية، والسلع الاستهلاكية والغذائية، وتعرفة النقل، وتعرفة مولّدات الكهرباء، والدولار الذي عادت السوق السوداء لتدفعه نحو باب الـ20 ألف ليرة من جديد. وحده المواطن اللبناني هو الذي يسقط وينحدر نزولاً الى ما تحت الارض، فاقداً لمناعته، ومكشوفاً إلى حدّ لم يعد يعرف فيه من أين تأتيه الضربة.
وما هو أصعب من هذا الإنحدار المتسارع، هو ما تكشّف للمواطن اللبناني بأنّ الحلول والمعالجات مؤجّلة، خلافاً للوعود التي أُطلقت بأنّها ستوضع سريعاً على نار حامية، تترجمها وتضعها على السكة التي تريح الناس، ما يعني بقاء اللبنانيين محبوسين خلف قضبان الأزمة وضغوطها الهائلة من الآن وحتى يُسمح للحكومة بأن تفتح باب الإصلاحات وتشرّعه أمام تدفق المساعدات الدولية الموعودة. والعين في هذا السياق على جلسة مجلس الوزراء التي تقرّر عقدها الثلثاء المقبل في القصر الجمهوري، وما إذا كانت ستطرق هذا الباب، أم انّها ستندرج في السياق التحضيري للملفات، على غرار الجلستين السابقتين لمجلس الوزراء؟
خطوات فورية .. وإلّا!
إذا كان المنطق الحكومي يؤكّد بثقة ولوج الحكومة باب العلاجات والإصلاحات في المدى المنظور، ويتوسّل من اللبنانيين بعض الصبر، وخصوصاً انّ الامور لا تتمّ بكبسة زر، والحكومة عاكفة في هذه الفترة على بناء الأرضيّة الصلبة التي ستنطلق فيها في رحلة الألف خطوة وخطوة، الّا أنّ هذا المنطق، وإن كان مبرّراً، لا يبدو انّ له صدى شعبياً متفهماً له، وخصوصاً انّ الواقع اللبناني بأزماته المتدحرجة، لا يحتمل أي تأخير. بل يتطلب خطوات فورية إنقاذية وإصلاحية، لئلا تفرض هذه الأزمات جدل تحدّيات جديدة أكثر تعقيداً أمام الحكومة، يعيق جدول أعمالها الأساسي إن لم يعطّله. وهذا ما يشدّد عليه الموفدون الدوليون، وكذلك جرى التشدّد عليه في المحادثات المكثفة التي يجريها منسق المساعدات الدولية من اجل لبنان السّفير بيار دوكان.
ولفت ما نُقل عن دوكان خلال لقائه نقيب الأطباء البروفسور شرف أبو شرف ونقيب المهندسين عارف ياسين، بدعوة من رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، بأنّه سبق ان نبّه والبنك الدولي في تقرير سابق منذ ثلاثة اعوام، لما هو متوقّع وآتٍ، لكن المسؤولين في لبنان لم يتخذوا أي خطوات لتدارك الأمر يوم كان ذلك ممكناً»، وأكّد أنّ «لا مساعدات حقيقية ولا نجدة دولية قبل القيام بالإصلاحات المطلوبة، لاستعادة الحدّ الأدنى من الثقتين الداخلية والخارجية»، وأمل في أن «يتمكن اللبنانيون من إحراز تقدّم أو تغيير عبر انتفاضتهم».
باريس تنتظر
وقالت مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية لـ«الجمهورية»، إنّ باريس وإن كانت مرتاحة للتوجّهات التي حدّدتها الحكومة اللبنانية، والتي اكّدها رئيسها نجيب ميقاتي أمام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فإنّها في الوقت نفسه ما زالت تنتظر مسارعة الجانب اللبناني الى الاستفادة من الوقت المتاح، ومبادرة الحكومة الى إجراء الاصلاحات التي التزمت بها. معتبرة انّ أي تباطؤ في هذا المجال من شأنه أن يلحق المزيد من الضرر على واقع الأزمة في لبنان الذي يزداد صعوبة.
ولفتت المصادر، الى انّ وجود السفير دوكان في بيروت، يشكّل عامل تحفيز مباشر للسلطات اللبنانية لوضع البرنامج الحكومي قيد التطبيق السريع. مشيرة الى انّ ما لمسه دوكان حتى الآن، يشي باستعداد الحكومة لتحمّل مسؤولياتها في هذا المجال من دون أيّ إبطاء، وهذا يوجب ان تبدأ الخطوات الحكومية على أرض الواقع وعدم التباطؤ، وخصوصاً انّ المجتمع الدولي ربط توجّهه بالمساعدات نحو لبنان بإصلاحات آن الأوان لأن يُباشر بها.
وفي جانب آخر، لفتت المصادر، الى أنّ باريس تدعو كل الأطراف في لبنان الى عدم التدخّل في مسار التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، مؤكّدة انّ من حق اللبنانيين ان يعرفوا الحقيقة، وصولاً الى كشف المسؤولين عن هذا الانفجار ومحاسبتهم.
القانون المفخخ
وسط هذه الأجواء، وفي الوقت الذي يتوسّل فيه المواطن اللبناني أيّ خطوة أو مبادرة تُشعره بشيء من الطمأنينة، أقفلت المكونات السياسية الباب امام أي تغيير يطمح اليه المواطن اللبناني، من خلال إصرارها على العمل بالقانون الانتخابي الحالي القائم على الصوت التفضيلي والنسبية المشوهة في بعض الدوائر.
ومن خلال هذا الإصرار الذي جرى التأكيد عليه في جلسة اللجان النيابية المشتركة، أدانت تلك المكونات نفسها، فما حصل في تلك الجلسة كان فضيحة موصوفة، عزف فيها كل طرف على وتر الحفاظ على مواقعه على حساب البلد، ما اكّد كذب تبنّيهم لما نادى به اللبنانيون الغاضبون الذين نزلوا الى الشوارع في 17 تشرين، وزيف دعواتهم التي صمّوا بها آذان اللبنانيين بالإصلاح وإجراء الانتخابات على اساس قانون انتخابي يراعي تطلعاتهم بالتغيير، ويفرز واقعاً نيابياً جديدا تنبثق عنه سلطة موثوقة تقود لبنان نحو الإنفراج الموعود.
وإذا كان التوافق قد تمّ على تحديد موعد إجراء الانتخابات في 27 آذار 2022، فإنّ عبوة القانون الإنتخابي، وبحسب مصادر سياسية ما زالت مفخخة، ورُحّل تفجيرها الى الهيئة العامة لمجلس النواب، التي يُرجّح أن تنعقد مع بدايات العقد العادي الثاني لمجلس النواب الذي سيبدأ يوم الثلثاء في 19 تشرين الاول الحالي. حيث تؤشر الأجواء الى معركة كبرى يجري التحضير لها من الآن، وخصوصاً حول انتخاب المغتربين واستحداث المقاعد الستة العائدة لهم على مستوى القارات الست، وكذلك حول اقتراح التعديل الدستوري الرامي الى تخفيض سن الاقتراع من 21 سنة الى 18 سنة.
وبحسب المصادر، فإنّ المعركة المنتظرة، ليس القصد منها الحسم التغييري لجوهر القانون، خصوصاً انّ جميع الاطراف باتت على يقين انّ هذا التغيير ليس وارداً، والامر نفسه بالنسبة الى تخفيض سن الاقتراع، بل انّ المعركة ستكون معركة اصوات عالية ومزايدات حول المغتربين، برغم إدراك المزايدين استحالة استحداث المقاعد الستة في هذه الفترة، وبالتالي أقصى ما قد يتحقق في هذا المجال هو إبقاء الحق للمغتربين بالمشاركة في العملية الانتخابية على نحو ما كان عليه الوضع في انتخابات العام 2018.
حج حكومي الى بكركي
وكانت الساعات الماضية قد شهدت ما بدا أنّه حج حكومي نحو الصرح البطريركي في بكركي، تجلّى بداية في زيارة موسّعة قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على رأس وفد وزاري، للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، سبقت سفره في زيارة خاصة الى الأردن.
ولفتت في مستهل اللقاء، مخاطبة الرئيس ميقاتي للبطريرك الراعي بقوله: «صار لازمنا صلاة ودعاء كي نعمل في هذه الحكومة الجديدة. صحيح أنّ الوضع صعب لكن وجود حكومة أفضل من عدم وجودها». مضيفاً: «قرأت اليوم انّها ذكرى قداسة مار شربل، فلربما تحصل معنا عجيبة، وانا أتيت ومعي الوزراء في زيارة امتنان للبطريرك».
من جهته، قال الراعي: «لبنان بحاجة الى عمل بطولي لإنقاذ الوضع خصوصاً وانّ الحكومة تضمّ خيرة الوزراء».
ورداً على سؤال حول احتمال زيادة أسعار فواتير الهواتف، علّق وزير الاتصالات جوني قرم قائلاً: «ان شالله لأ».
وبعد اللقاء قال ميقاتي، انّه اطلع البطريرك على سير عمل الحكومة، «وطلبت منه البركة والصلاة والدعاء لاننا نحتاجها في كل لحظة».
وأضاف: «كان الجو جيداً، وطمأنت صاحب الغبطة الى أنّ الامور ستسير في طريق إعادة لبنان الى دوره الاقتصادي. كما تحدثنا عن الشأن الإجتماعي، ونقل البطريرك بدوره الهواجس الإجتماعية والمعيشية، خصوصاً شؤون المزارعين وكيفية معالجتها».
ورداً على سؤال عن الأوضاع المزرية التي يعيشها اللبناني، أكّد ميقاتي «أننا لا نفوّت فرصة الّا ونكون فيها مع هموم الناس، وانا اعرف هذه الهموم الكبيرة، ونحن نسعى، لكن بصراحة العين بصيرة واليد قصيرة، اذ لدينا مشكلات كثيرة ونسعى لحلها بروية، وقد اتخذ وزير الطاقة بالأمس إجراءات سريعة وقام بجولات على المحطات ونحن نلاحق كل المخالفات».
ورداً على سؤال حول فتح أبواب السعودية أمامه أجاب: «أنا باعتقادي أنّ السعودية هي قبلتي السياسية والدينية، وبالتالي لم تقفل أبوابها بأي حال، وعندما أؤدي صلواتي الخمس يومياً اتجّه نحو القبلة في السعودية».
وسُئل عن التهديد الذي تلقّاه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار فأجاب: «لقد استفسرنا عن هذا الموضوع ولا شيء مؤكّداً، التعليق الذي حصل قام به وزير العدل، وقد إتخذت الإجراءات اللازمة لإضافة الأمن والحراسة للقاضي البيطار، لكن أقول إنّه يجب أن نميّز بين الشعبوية والقانون والدستور، ويجب أن نتصرف بروية بعيداً من الشعبوية، لأننا نريد الوصول الى الحقيقة».
وفي السياق، زار وزير الداخلية بسام مولوي بكركي والتقى البطريرك، واعلن انّ «الانتخابات ستحصل في موعدها، وستكون نزيهة وشفافة وسيتمّ تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات والتأخير ليس عندي، وسأؤمّن نجاح الانتخابات الكامل والأكيد».
التحقيق العدلي
وفيما لفتت تغريدة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، والتي قال فيها «كفى التشكيك بالقضاء وطارق بيطار من أجل تحطيم ما تبقّى من صدقية هذه المؤسسة خدمة للنظام السوري وحلفائه»، سلك النواب المدّعى عليهم نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر الطريق نحو محكمة التمييز، حيث تقدّم المشنوق عبر وكيله نعوم فرح بدعوى أمام محكمة التمييز الجزائية، طلب فيها نقل التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت من يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بسبب الارتياب المشروع.
واستندت دعوى المشنوق الى نقاط عديدة، منها أنّ القاضي البيطار خالفَ الدستور الذي ينصّ على أنّ ملاحقة الوزراء من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وانّه، اي القاضي البيطار، اعتمد معيارين متناقضين، فأحال القضاة المدّعى عليهم أمام المرجعية القضائية المعنية بحسب القانون، على عكس ما فعله مع الوزراء، كما ادّعى على المشنوق قبلَ أن يستمِع إلى إفادته.
كما تقدّم النائبان خليل وزعيتر بواسطة نقيبة المحامين السابقة أمل حداد والمحامي رشاد سلامة، بدعوى أخرى أمام محكمة التمييز المدنية، طلبا فيها ردّ القاضي بيطار عن القضية، واعتبرا أنّه «خالف الأصول الدستورية، وتخطّى صلاحيات المجلس النيابي والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء».
وأفيد انّ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، أحال طلب زعيتر وخليل ردّ البيطار الى القاضية جانيت حنا في محكمة التمييز.
وكان وزير الداخلية قد قال من بكركي امس، انّه «بالنسبة الى أذونات الملاحقة، اؤكّد انني سأطبّق القانون وقد يكون الأمر مفاجئاً».
نصرالله وعبد اللهيان
من جهة ثانية، اعلن «حزب الله» انّ امينه العام السيد حسن نصرالله (الذي ستكون له اطلالة تلفزيونية الاثنين المقبل للحديث عن آخر التطورات)، استقبل وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق. وكان عرض للتطورات السياسية في لبنان والمنطقة.
وأشار بيان الحزب، إلى أنّ عبد اللهيان «أكّد ثوابت الموقف الإيراني تجاه لبنان ودعمه والوقوف إلى جانبه على كل الصعد. وشكر السيد نصرالله للوفد الزائر وقوف الجمهورية الاسلامية في إيران إلى جانب لبنان دولة وشعباً ومقاومة خلال كل العقود الماضية إلى اليوم، وأثبتت أنّها الحليف الصادق والصديق الوفي الذي لا يخذل أصدقاءه مهما كانت الظروف صعبة، وأنّ الآمال كبيرة جداً لخروج لبنان من هذه المحنة التي أصابته وبتعاون الجميع إن شاء الله».
وفي ختام زيارته وقبل مغادرته بيروت الى دمشق، عقد عبداللهيان مؤتمراً صحافياً اعلن فيه «اننا سنساعد لبنان الشقيق للعبور من أزمته»، وقال: «اكّدت للمرجعيات السياسية اللبنانية انّ الجمهورية الايرانية تكن احتراماً لسيادة لبنان ووحدته وحريته واستقلاله، وتعبّر عن رغبتها الكاملة من خلال التعاون الرسمي والثنائي بين الحكومتين الايرانية واللبنانية، من اجل دعم لبنان الشقيق ومساعدته من اجل العبور من المرحلة الصعبة والشائكة التي يعاني منها».
واشار عبد اللهيان الى انّ «إيران على استعداد لتأمين حاجات لبنان من الأدوية والاغذية والمستحضرات الطبية، وأكّدنا للمسؤولين اللبنانيين أنّ إيران على استعداد لإنشاء مترو الانفاق»، مضيفاً: «مستعدون للتعاون مع لبنان في كافة المجالات التي تختص بالبنى التحتية، من اجل تأمين الرفاهية للشعب اللبناني العزيز».
واضاف وزير الخارجية الايراني: «مستمرون في إرسال المشتقات النفطية الى لبنان الشقيق، ونأمل أن يكون هذا الأمر في المستقبل من خلال التفاهمات الرسمية بين حكومتي البلدين»، مشدّداً على انّ «ايران على اتمّ الاستعداد لوضع امكانياتها لإنشاء محطتين لتوليد الكهرباء في لبنان».
ورداً على سؤال قال: «الحوار الجاري بين المملكة العربية السعودية وايران هو حوار بنّاء، ونأمل ان يؤدي في نهاية المطاف خدمة لمصلحة البلدين. وايران والسعودية بلدان مهمّان ودورهما بالغ الأهمية في توطيد وترسيخ أمن واستقرار المنطقة».
أبرز الأخبار