28-09-2021
محليات
ترسل السلطات اللبنانية مزيداً من الإشعارات إلى إدارة صندوق النقد الدولي لإظهار النوايا الجدية في تغيير السلوك ومنهجية العمل قبيل استئناف جولات المفاوضات الجديدة التي لا تقتصر على الاتفاق على برنامج تمويلي فحسب، إنما توخياً للبناء على استجابة المؤسسة المالية الدولية لإعادة بناء جسور التعاملات والثقة مع الدول والمؤسسات التي أبدت استعدادات مشروطة للمساهمة في إخراج البلاد من قعر الأزمات المتراكمة منذ سنتين.
وقال مسؤول مالي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، إن الاجتماع الأول للحكومة هذا الأسبوع «يحظى برصد خارجي حثيث ترقباً لمقررات عملية من شأنها تكريس التوجهات المعلنة التي تم إبلاغها بمضامينها مع إدارة الصندوق عبر اتصالات ومشاورات غير رسمية شارك فيه وزراء ومسؤولون في البنك المركزي». كما «وردت كبند رئيسي في اجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في نهاية الأسبوع الماضي».
وخلال الاجتماع الاقتصادي والمالي في القصر الجمهوري الذي ترأسه الرئيس ميشال عون أمس (الاثنين) في حضور الرئيس ميقاتي ولقائهما الثنائي قبله، ركز الطرفان على مقتضيات استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتحضيرات اللازمة لذلك، وبما يشمل التوافق المسبق على مجموعة قرارات تنفيذية متتالية سيتخذها مجلس الوزراء وفي مقدمتها تأليف الفريق الرئيسي المفاوض وتسمية الفريق المساند، على أن يتوليا معاً وبمشاركة مسؤولي القطاع المالي إعادة صوغ خطة التعافي التي طرحتها الحكومة السابقة على إدارة الصندوق.
ويقدر المسؤول المالي أن إحراز تقدم نوعي في إدارة المهمة وإمكانية نجاحها سيكون مرهوناً بعدة عوامل متداخلة، «أولها السرعة من دون التسرع في إتمام التحضيرات وبدء المفاوضات الثنائية خلال أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير»، وثانيها «وجود تغطية سياسية عريضة تؤكد استجابة السلطتين التنفيذية والتشريعية في مواكبة البنود الأساسية التي يجري الاتفاق على الشروع بتنفيذها»، وثالثها «التثبت من أولوية التدقيق والمساءلة في الإنفاق بدءاً من معالجة أزمة الكهرباء».
وتقول مصادر مواكبة إن ميقاتي «سيتولى الإشراف السياسي المباشر على الملف، نظراً لحساسيته البالغة في ضوء التجربة التي خاضتها الحكومة السابقة عبر 17 جولة مفاوضات رسمية لم تحقق أي تقدم يذكر، على أن توكل رئاسة الفريق التقني إلى نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي والاستفادة من إمكانية تفرغه لهذه المهمة ومن واقع معايشته الوظيفية السابقة في الصندوق»، فضلاً عن «التنسيق المباشر مع لجنة المال النيابية وجمعية المصارف بغية توحيد الرؤى وأرقام الخسائر وضمان إظهار روحية الفريق الواحد».
ويقتضي هذا المسار، بحسب قراءة المسؤول المالي وتواصله المباشر مع مسؤولين في الصندوق، التخلي عن «اللعبة» اللبنانية المعهودة في توصيف المعالجات ثم التنصل من موجباتها على منوال تكرار التهرب من الالتزامات الإصلاحية المقابلة في أربعة مؤتمرات دولية سابقة خصت لبنان بمنح ومساعدات وقروض بمليارات الدولارات، كما الخروج من حال الإنكار التي أودت إلى إنفاق أكثر من 10 مليارات دولار من احتياطات العملات الصعبة على خيارات دعم عقيمة لم تصل ثلث مبالغها إلى المستهدفين.
ويندرج في هذا السياق إعداد البنود الموضوعية وتدرجها في خطة الإنقاذ الموعودة والبرنامج الزمني للإصلاحات والأدوار المناطة بالقطاعات الحيوية. ولن تنفع «الشطارة»، بحسب المسؤول المالي، في حرف تركيز إدارة الصندوق وخبرائه عن مسارات الأولويات المحددة بوضوح تام من قبلهم، والتي وردت في ورقة العمل التي رفعتها المديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغيفا، قبل أقل من شهرين، إلى مؤتمر باريس الدولي لدعم بيروت والشعب اللبناني الذي حشد له الرئيس الفرنسي مشاركة واسعة من المانحين العرب والدوليين.
وينوه المسؤول المالي بأن إدارة الصندوق تكرر تأكيداتها ومن دون أي مواربة، بأن الالتزام بجدول الإصلاحات سيحرر مليارات الدولارات لمصلحة الشعب اللبناني. وهذه هي اللحظة التي يتعين فيها على صناع السياسات اللبنانيين أن يقوموا بتحرك حاسم للحصول على مساعدة الصندوق والمانحين من المجتمع الدولي.
وفي الأولويات، «يتعين استعادة ملاءة الموارد العامة وصلابة النظام المالي، مرفقاً بالتحذير بأنه إن لم يكن الدين العام مستداماً، فسوف يرزح الجيل الحالي والأجيال القادمة من اللبنانيين تحت وطأة مزيد من الديون تفوق قدرتهم على السداد». وهذا ما يجعل الصندوق يطالب باستدامة الديون كأحد شروط الإقراض، مما يعني أهمية المسارعة إلى إجراء مفاوضات موازية مع الدائنين المحللين والخارجيين. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يتسم النظام المالي بالملاءة، فالذين سبق واستفادوا من العائدات المفرطة في السابق يجب أن يتشاركوا أعباء إعادة رسملة البنوك لضمان حماية مدخرات الغالبية العظمى من المودعين اللبنانيين العاديين.
وينبغي، بحسب ورقة العمل، وضع ضمانات وقائية مؤقتة لتجنب استمرار خروج رؤوس الأموال الذي يمكن أن يزيد من ضعف النظام المالي خلال فترة ترسخ الإصلاحات المطلوبة. وذلك يشمل إقرار مشروع قانون ضوابط رأس المال في النظام المصرفي (الكابيتال كونترول) وإلغاء نظام سعر الصرف المتعدد القائم حالياً، مما يساعد على حماية الاحتياطيات الدولية في لبنان مع الحد من مساعي التربح والفساد.
وأيضاً ثمة حاجة لخطوات صريحة لتخفيض الخسائر طويلة الأمد في كثير من المؤسسات العامة، كما ينبغي وجود درجة أكبر من قابلية التنبؤ، والشفافية، والمساءلة وإجراء تدقيق شامل في المؤسسات المفصلية ومنها المصرف المركزي، فضلاً عن إرساء شبكة موسعة للأمان الاجتماعي من أجل حماية فئات الشعب اللبناني الأكثر هشاشة.
أبرز الأخبار