23-09-2021
محليات
جاء في "أخبار اليوم":
في موازاة زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى باريس ولقائه غداً الرئيس ايمانويل ماكرون في غداء عمل، يستذكر سياسيون محطات فرنسية متصلة بالاستثمار في لبنان.
الحريري- ماكرون
ففي ٢٠ أيلول ٢٠١٩، استدعت باريس على عجل رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، ونظّمت له دوائر وزارة المالية الفرنسية ترويقة عمل مع مجموعة من الشركات المهتمة بالاستثمار في لبنان. كما زاره وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في منزله، مصطحباً معه مدير عام شركة "توتال" باتريك بوييانيه، وشدّد الأول، حسب عادته، على ضرورة السير قدماً بمشروع تزويد القوات البحرية في الجيش بطرادات فرنسية وتمويل جزء منه بموجب قرض. بينما طلب الثاني إعطاء شركة النفط الفرنسية امتيازات تتخطى التنقيب لتصل إلى محطات التغويز والتسييل.
يومها، استقبل الرئيس ماكرون الرئيس الحريري في قصر الإليزيه، وسمع الاخير كلاماً قاسياً لجهة تخلّف السلطات اللبنانية عن المباشرة بالإصلاحات، وتعذّر السير بمشاريع تنموية بتمويل خارجي بسبب مصالح داخلية. كما سمع الحريري التحذيرات الفرنسية بشأن تدهور الأوضاع المالية وتداعياتها السياسية والاجتماعية.
يومها ايضا أغدق الرئيس الحريري الوعود على محدّثيه واعداً بتسهيل تنفيذ جميع مطالبهم. وانطلاقاً من هذه الوعود التي تبيّن أنها لا تُصرف ولا تُغني، ظلّت فرنسا داعمةً للرئيس الحريري إلى حين تيقّنها اخيرا أنّ رصيده السياسي قد أُهدِر ولا بدّ لها من التعامل مع غيره.
بعد عامين ويومين
وبعد هذه الواقعة بعامين ويومين، يصل الرئيس ميقاتي إلى باريس، حيث على جدول أعماله المعلن غداء عمل مع الرئيس الفرنسي، يحضره كبير مستشاريه، الوزير السابق والنائب نقولا نحاس، بينما يتمّ التكتم عن لقاءات يمكن ان يجريها مع مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه ومع المستشار الدبلوماسي للرئيس ماكرون إيمانويل يون، وكلاهما شغلا منصب سفير فرنسا في بيروت وتربطهما علاقات وثيقة بعائلة الرئيس ميقاتي، وعلى الأخص بشقيقه طه الذي يشغل منصب سفير بالاو لدى الأونيسكو.
الرئيس ميقاتي ليس غريباً على دوائر القرار في فرنسا والتي تعرفه من خلال نشاطاته السياسية واستثماراته المالية. وباريس لم تعدّل في مصالحها وهي، على الأرجح، ستعيد تأكيد الأولويات، بعد إعادة ترتيبها نظراً لتدهور الأوضاع في لبنان، لكنها في الوقت عينه لم تحد عن أهدافها.
سلّة شروط
وتستقبل باريس الرئيس ميقاتي بسلّة شروط ومشاريع مشروطة بتأمين مصالحها، في قطاع الكهرباء كما وفي إعادة إعمار المرفأ حيث لم تعد تعارض باريس من حيث المبدأ العمل مع مجموعة الشركات الألمانية التي تقدّمت بمشروع متكامل بشأن إعادة إحياء مرفأ بيروت وجواره. وسوف تسعى باريس إلى "إغراء" الرئيس ميقاتي بهذه المقاربة الألمانية - الفرنسية المستجدة وهي التي تعي الدور الذي لعبه مدير مكتبه السابق السفير في برلين مصطفى أديب في التحضير والتسويق للمقترح الألماني.
غضب الرئيس الفرنسي
وما بين أيلول ٢٠١٩ وأيلول ٢٠٢١، كانت صدمة أيلول ٢٠٢٠، أراد حينها الرئيس ماكرون، عملاً بنصائح السفيرين الفرنسيين السابقين في لبنان، أن يحدّد وجهة القطار اللبناني وسعى إلى تحميل الرئيس المكلف وقتها ، السفير أديب ومن خلفه طه ونجيب ميقاتي اللذين سمياه وزكّياه عند الفرنسيين،مسؤولية الفشل في تأليف الحكومة. لم يفلح ماكرون في خطوته، واستشاط غضباً ضدّ الجماعة السياسية في لبنان وتدخّل كما ومستشاريه لإعادة تكليف الحريري، واستقبله في الإليزيه، ودفع بالوزير لودريان ومن لفّ حوله (مثل النائب غواندال رويار المتأهل من المسؤولة في حزب الكتائب جويل بو عبّود) إلى تصعيد الموقف والتهويل والتهديد بالعقوبات.
خلال تلك الفترة تزايدت الاتهامات الفرنسية بحقّ الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل بعرقلة تشكيل الحكومة، علماً ان صقور السياسة الفرنسية وهم المسيطرين اليوم على مقاليد السياسة الخارجية، لطالما اعتبروا أنّ نهج "التيار الوطني الحر" ومن منطلق تحالفه مع "حزب الله" سوف يؤدي إلى إعادة لبنان إلى الحضن السوري، وهو ما تعارضه فرنسا بشدّة وما تعتبره خطّاً أحمر يجيز استخدام جميع الأسلحة لمنع تخطّيه.
حنكة ميقاتي وخبرته
مع مرور عامين على لقاء الحريري بماكرون، هل يزور الرئيس ميقاتي فرنسا حاملاً معه الوعود كما سلفه، أم يأتيها محصّناً بتفاهمات داخلية واقعية؟ وهل يستقبل الرئيس ماكرون رئيس الوزراء اللبناني متسلّحاً بشيء من الواقعية بعدما خبر صعوبة ومحاذير التدخل الخارجي المفرط في الشؤون اللبنانية؟
لا شكّ في أن حنكة الرئيس ميقاتي وخبرته ستمكّنه من إقناع الفرنسيين بجدّية مشروعه. ولا شكّ أن الرئيس الفرنسي الذي انتظر عاماً وعشرة أيام ليشاهد ولادة حكومة، كان قد منح المسؤولين اللبنانيين عشرة أيام لتشكيلها في أول أيلول ٢٠٢٠، سوف يشدّد على بعض بنود مبادرته التي يمكن تنفيذها في ظلّ الأوضاع الراهنة. لكن مما لا شكّ فيه أن ماكرون سيتمسّك بتحقيق مصالح فرنسا في قطاع الغاز والكهرباء والبنى التحتية وإعادة الإعمار. وسيصرّ الفرنسيون على المباشرة فوراً بالمفاوضات مع صندوق النقد، وسيطلب الفرنسيون الحدّ من التواصل مع النظام في سوريا.
الغطاء الداخلي والوعود
فهل سيعدهم الرئيس ميقاتي بتنفيذ أجندتهم؟ وهل يحظى بغطاء داخلي للذهاب بعيداً في قطع الوعود لدى محدثيه الفرنسيين، أم أنّه سيستفيد من علاقاته الممتازة معهم لإقناعهم بإلزامية العودة إلى الواقعية عند مقاربة الملف اللبناني، وهي واقعية تجمع بين الاستقرار السياسي والمصالح الاقتصادية، علماً أنّ الرئيس ميقاتي والفرنسيين لا يختلفون حول هذا الأمر؟ وهل ستعدّل فرنسا عن تعقّب ملفات الفساد في لبنان، وهي العليمة بالعلاقات التي تربط الرئيس ميقاتي بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبمجموعات رجال المال والأعمال في لبنان؟
لعلّ الأيام المقبلة -وليس الأسابيع- سوف تبيّن الوجهة التي سيسلكها لبنان، انطلاقاً من مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي ستتابع فرنسا سيره من خلال تعاون وثيق مع الوفد اللبناني الذي سيتمّ التوافق عليه أثناء غداء العمل المرتقب يوم غد في الإليزيه.