مباشر

عاجل

راديو اينوما

المصارف تربح "الليرات" وتخسر ثقة العملاء

07-09-2021

مقالات مختارة

خالد أبو شقرا

خالد أبو شقرا

None

قبل أن تُطفِئ الأزمة شمعتها الثانية بأيام قليلة، أطفأت "شعلةالاقتصاد اللبناني ومفخرته بالصناعة المصرفية على مدار العقود السبعةالأخيرةفبعد 13 يوماً من الاغلاق عقب ثورة 17 تشرين، فتحت البنوك على فصل جديد، عنوانهانعدام الثقةوبدلاً من العمل طيلة الفترةالماضية على استعادة ما فقدته من علاقة قويمة مع عملائها، "غرقتأكثر في "وحولالأزمة.

 

إذا سلمنا جدلاً بان إجراءات إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتصفية البنوك الرديئة، والتوزيع العادل للخسائر، بعد الاعتراف بها، مرتبطةبتشكيل حكومة انقاذية والاتفاق على الخطة الاصلاحية، فان لا شيء يبرر للمصارف عدم المحافظة على معايير العمل المصرفي البسيطة،وحصول عملائها بشكل مريح ومن دون تعقيدات على أبسط حقوقهم من الخدماتفالعملاء "رضوابفقدان ودائعهم بالعملة الأجنبيةوتقاضيها بأقل من 85 في المئة من قيمتها نتيجة توظيفها من قبل المصارف بشكل خاطئ، و"لم ترضَالأخيرة، فاستمرت بالاستنسابية فيما خص التعامل بالشيكات، ووضع العمولات العشوائية، ورفض فتح حسابات جديدة، وتوقيف صرافاتها الآلية وتقليص عدد موظفيها

 

حادثتان مختلفتان في الشكل ومتصلتان في المضمون 

مع بداية هذا الشهر توجّه عميل لواحد من أكبر المصارف لسحب راتبه، فلم يجد صرافاً آلياً ATM واحداً تابعاً للمصرف يعمل، في بقعةجغرافية كبيرة في العاصمة بيروتفهنا الماكينة فارغة من النقودوهناك مقطوعة عنها الكهرباء... وهكذا دواليك حتى وصل إلى أحدالمجمعات التجاريةوبعد انتظار دوره للسحب بـ "الطابوروراء المصّطفين الذين حُشروا لسحب الأموال من صرافات آلية متجاورة، تفاجأبان عملية سحب 400 دولار على التعميم 151، أي مليون و560 ألف ليرة، قُبلت ولكنه لم يحصل على النقود رغم تلقيه رسالة نصية بسحبهللمبلغوبعد العديد من الاتصالات مع خدمة العملاء، اقرّوا بالخطأ لكنهم رفضوا اعادة المبلغ إلى حساب الدولارفاقترحوا فتح حساببالليرة ووضع المبلغ به رغم عدم امتلاك العميل لحساب بالليرةومع رفض العميل والكثير من الأخذ والرد، والتهديد باللجوء إلى المحاكم رضخالمصرف

 

بحادثة أخرى، وضع أحد المصارف حظر block على حساب عميل لأنه رفض توقيع أوراق تجديد المعلومات التي تتضمن بنداً يسمح للبنكبالتصرف بالحساب كما يرتأي، بناء على التفويض الموقع أمام أحد كتاب العدل، وتغيير الاحكام والشروط من دون الرجوع إلى العميل بشكلمباشرفالمصرف أعطى العميل الحق بالاعتراض في مهلة 15 يوماً من تغيير الشروطإلا أن المفارقة أن المصرف لا ينشر التغييرات علىالموقع مثلما قال للعميل، إنما يجب على الأخير الإطلاع عليها مباشرة في الفرعوإن حدث ولم يعلم بالتغييرات، وهذا الاحتمال الأكبر، لايعود يحق له الاعتراض على أي تغيير يجريه المصرف على العقد بعد انقضاء المهلة الزمنية المحددةوبعدما باءت كل المفاوضات بالفشللتعديل هذين البندين، ونظراً لاعتماده على هذا الحساب الوحيد في معيشته، توجه الزبون إلى قضاء العجلة لرفع دعوى تجبر المصرف علىفك الحظر عن الحسابإلا أن المحكمة لم تقبل دعوى العجلة، بحجة أن المشاكل مع المصارف لم تعد تأخذ طابع العجلةالأمر الذي اضطرهإلى سلوك دعوى مدنية تتطلب الكثير من الوقت والكلفة

 

المودع عبء و"فريسةفي آن

لا يمكن فهم سلوك وتصرفات بعض المصارف تجاه مودعيها، إلا بالتفكير من وجهة نظرها التي "أصبحت تعتبر الزبون عبئاً وفريسة في آنمعاً"، تقول عضو فريق المحامين في رابطة المودعين المحامية ديالا شحادة، "فمن جهة "تفترسالمصارف أرباحاً غير مشروعة من خلالتسليم الودائع بالدولار (تشكل أكثر من 80 في المئة من مجمل الودائعبالليرة اللبنانية، وبسعر أقل بكثير من سعر الصرف الحقيقي، أيبمعدل لا يتجاوز 1/5 من قيمتها الحقيقيةومن الجهة الأخرى، تسعى للتخلص بأي شكل من الأشكل من عبء صغار ومتوسطي المودعينالذين لا يكفون عن المطالبة بحقوقهم ويرفعون الدعاوى القضائية في لبنان والخارج في وجهها". من هنا يمكن الملاحظة أن "معظم التعاميمالصادرة عن مصرف لبنان منذ بداية الأزمة (148 – 151 – 158) تستهدف بشكل أساسي التخلص من صغار المودعين الذين يشكلون نحو80 في المئة من مجمل المودعين واقفال حساباتهم بشكل نهائي"، بحسب شحادةفيما تضغط المصارف من جهتها لفرض عمولات مرتفعةعلى حسابات التوطين ومنع الافراد والشركات من فتح حسابات جديدة من اجل تقليص أعداد عملائها من صغار المودعين وأصحاب الرواتبالموطنةفلا يبقى لديها إلا "أصحاب الرساميل الكبيرة الذين يتشارك بعضهم مع أصحاب البنوك في المشاريع في الداخل والخارج، وليسمن مصلحتهم قلب الطاولة على المصارف وجرجرتها في المحاكموالجزء الآخر المتبقي يسهل التفاوض معه على تسويات في ما بعد"، منوجهة نظر شحادة

 

الربح على حساب المودعين

هذه "الجرائم المستمرة بحق المودعين"، بحسب توصيف شحادة، "تترافق مع تحقيق أصحاب المصارف أرباحاً هائلة حتى في ظل الازمةفعلى الرغم من تراجع أرباحهم الصافية من 2 مليار دولار في العام 2018، فقد استطاعوا تحقيق ربح ولو أقل بكثير في العام 2020. إلا أنهبمجرد تحقيقهم ربحاً صافياً سواء كان بالدولار أو الليرة في عز الأزمة، فهذا يعني أن الخسائر يتكبدها المودع بشكل أساسي". 

 

الهدف كان، ولا زال، حماية أصحاب المصارف لثرواتهم المحققة على مدار السنوات الماضية، وعدم التفريط بالارباح التي ما زالوا يحققونهااليوم في معركتهم في وجه "خصومهمالمودعينإلا أن تواطؤ السلطة التنفيذية ومصرف لبنان مع المصارف ساهم في "قنص المودعينأكثر"، برأي شحادة. "ترافق ذلك مع عدم وجود استجابة كافية على المستوى القضائي لتمكين وتقوية المغبونين". وعن رفض المحاكم إقامةالدعاوى أمام قضاء العجلة، اعتبرت شحادة أن "لا شيء يمنع اليوم من الاستمرار في تقديم الدعاوى في وجه قضاء العجلةفالأخير ليسقضاء حكم، بل يتخذ تدابير احتياطية لحماية الحق موقتاً ريثما يصدر الحكموواحدة من شروطه أن يكون الضرر الذي يلحق بمقدم الدعوىيتطلب أخذ تدبير فوري لوقف الاجراء المسبب للضرر، خصوصاً إن كان لا يمكن جبر أو تصليح الضرر الناتج في ما بعدوقد طبقت هذهالحالة على دعوى تحويل اقساط الطلاب إلى الخارج وتسديد فواتير طبية... وغيرهاإلا أن معظم قرارات قضاء العجلة استأنفت، وهي مازالت عالقة في القضاء من دون بت لغاية اللحظة

 

حرمان المودعين العاديين لمصلحة "السوبرتجار 

من وجهة نظر مصرفية يعتبر أحد الخبراء أن تشفي المصارف بحق المودعين، وتعمد خرقها لمعايير العمل المصرفي السليم يعود إلى أسبابأعمقفحصة المصارف الشهرية من الليرات يحددها مصرف لبنان لكل مصرف على حدةويستند بتحديد هذا السقف على عدد الفروعوالصرافات الآلية والرواتب الموطنة بالليرةإلا أن مصارف عدة تعمد إلى تجيير جزء من حصتها بالليرة لزبائنها التجار العاجزين عن احضارمبالغ نقدية من الخارج من أجل شراء الدولار على منصة صيرفة، كما ينص تعميم مصرف لبنانلهذا السبب تقلصت قدرتها على تلبيةطلبات زبائنها "غير المحظيينمن أصحاب الرواتب الموطنة لمصلحة بعض التجار أصحاب "السوبرواسطةوعليه من مصلحتها تقليلنسبة السحوبات النقدية عبر فروعها وصرافاتها إلى الحد الأدنى بأي شكل من الأشكال للمتابعة في مخططها.

 

المشكلة أن إجراءات المصارف لا تؤثر على حاضر البلد فحسب إنما تطال مستقبلهفاذا كان من المستحيل تأمين نهضة الاقتصاد من دونقطاع مصرفي قويم، قوي وسليم، فان استمرار تغييب القوانين الرادعة، وضعف المتابعة من لجنة الرقابة على المصارف وعدم تعيين رؤساءمستقلين لمجالس الإدارة سيفاقم المشكلة، ويجعل من الصعوبة استعادة دور لبنان في مجال الصناعة المصرفية على صعيد المحيط والعالم.

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.