14-08-2021
مقالات مختارة
عزة الحاج حسن
عزة الحاج حسن
في وقت كان يجاهر فيه رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، بالدفاع عن حقوق الناس ويدعوهم لعدم السكوت عن إذلالهم وإفقارهم، كان هو ونواب تياره يتقدّمون بطعن أمام المجلس الدستوري بقانون "الشراء العام" (نص القانون)، ليتضح ان الأولوية أمام نواب التيار الوطني الحر تبقى للوقوف في وجه قوننة عمليات الشراء العام (مثالاً، راجع "المدن" أمس الجمعة، واليوم) وما تعنيه من إضفاء الشفافية عليها وسد مكامن الفساد فيها ومزارب هدر المال العام. فقانون الشراء العام "المطعون به" يعد الخطوة الأولى على سكة الإصلاحات والحامي الأول للمال العام، هو نفسه ما وصفه نواب التيار بـ"illisible" أو غير قابل للتطبيق، فما هي المواد التي تم الطعن بها وما هي خلفياتها؟
قبل الدخول بتفاصيل المواد المطعون بها من قانون الشراء العام، لا بد من العودة إلى إقرار القانون، الذي شارك نواب التيار الوطني الحر بجلساته ومناقشاته. فقد خضع القانون لمناقشة معمّقة في اللجنة النيابية الفرعية خلال أكثر من 50 جلسة، وأكثر من 120 ساعة نقاش امتدّت على مدى عام كامل. كما نوقش في اللجان النيابية المشتركة في جلستين متتاليتين، قبل إقراره في الهيئة العامة بتاريخ 30 حزيران 2021، كما نُظمت أكثر من 45 جلسة نقاش مع ممثلي المنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع العام والخاص، وتمت مراجعة القانون أكثر من مرة من قبل منظمة الـoecd-sigma والبنك الدولي، ليأتي نواب التيار ويطعنوا به في اليوم الأخير من المهلة القانونية!
لا ضير من الطعن في سبيل تصويب بعض بنود القانون وتعديلها، لكن عند الإطلاع على المواد المطعون بها وهي المواد 72 و78، 88، 89 و91 تتضح للقارئ نوايا الطعن. فالتيار الوطني الحر الذي عرقل عشرات التعيينات لأسباب طائفية حيناً وتحاصصية أحياناً، من الطبيعي أن يقف حجر عثرة في وجه أي تعيينات جديدة مبنية على الكفاءة والشفافية وليس تقاسم الحصص.
لا كفاءات لا شفافية
فالمادة الأولى التي تم الطعن بها (72) عنوانها التدريب، وتفرض معايير وتدريب متخصص كما تعنى بتعزيز القدرات على المستوى الوطني، وتخصص برامج تدريبية لتعزيز النزاهة وتفرض شمول القضاة الإداريين والماليين المعنيين بتنفيذ قانون الشراء العام تدريباً دورياً وغير ذلك من الأمور المرتبطة بتعزيز الكفاءات.
طعن نواب التيار بمادة التدريب التي تقوم على مهنية الأفراد الذين يتولون صرف المال العام "ليس عن عبث"، تقول مديرة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لمياء المبيّض، في حديثها إلى "المدن". فعندما يكون لدينا كفاءات محمية بالقانون وجديرة ونظيفة الكف ويمكنها المساءلة يصعب ممارسة الفساد معها، وتصبح المؤسسات بوجودها قوية لدرجة أنها قادرة على قول كلمة "لا" لكل الطبقة السياسية وأعوانها والمتعاونين معها على الفساد واستغلال المال العام.
التعيينات من جديد!
أما المواد 78 فتشمل شروط وآلية تعيين رئيس وأعضاء هيئة الشراء العام و88 هي أحكام انتقالية تنص على إلغاء إدارة المناقصات وانتقال كادرها إلى هيئة الشراء العام، و89 تتعلق بصلاحيات هيئة الإعتراضات، وهي التي تعنى ببت الاعتراضات المقدمة بشأن الاجراءات أو القرارات الصادرة عن هيئة الشراء العام، والمادة 91 تتضمن شروط وآلية تعيين رئيس وأعضاء هيئة الإعتراضات. فقد تم الطعن بهذه المواد لأسباب تتعلق بتضارب الصلاحيات حسب ما أوضح النائب عن التيار الوطني الحر آلان ماطوسيان في حديثه إلى "المدن". فالنائب الذي وقع على الطعن أكد أن ثمة أمراً خطيراً بقانون الشراء العام يتمثل بأن "أعضاء هيئة الشراء العام هم أنفسهم من يتابع المناقصات وينفذها". وبعد الاستيضاح منه أكثر عما هو المقصود قال ما حرفيته "الشخص عينه يقوم بإجراء المناقصة ووضع شروطها والتدقيق والتلزيم والتنفيذ" بمعنى آخر "هيئة الاستشارات وهيئة الاعتراضات هي نفسها" على ما يقول ماطوسيان، وهذا ما وصفه بالأمر الخطير الذي استدعى الطعن بالقانون، وختم بأن قانون الشراء العام يشبه بجانب من جوانبه فكرة مجلس الإنماء والإعمار نفسها.
المخاوف التي طرحها ماطوسيان وبرر الطعن بها هي بالأساس غير موجودة في القانون، ولا تمت إليه بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وفق ما يؤكد رئيس دائرة المناقصات جان علية في حديثه إلى "المدن". فالقانون يقوم أساساً على عملية الفصل بين هيئة الشراء العام وهيئة الإعتراضات.
وبناء على ما تقدم يمكن تفسير موقف ماطوسيان من القانون بأن هذا ما قيل له ولزملائه النواب، من قبل راعي الطعن في التيار الوطني الحر، الذي يبدو جلياً أنه يستهدف من الطعن عرقلة القانون الذي قد يلجم الكثير من الممارسات الفاسدة والهدر في الإدارات العامة.
أهمية القانون
تستغرب المبيض كيف يمكن الطعن بقانون مهمته حماية الشراء العام وحماية المال العام من الاستهتار والهدر ويضبط كل ليرة تملكها الدولة، وتوضح: "نص قانون الشراء العام نص حديث وجريء مبني على نموذج دولي معترف بأنه أجرى نقلة نوعية بكل قوانين الشراء العام بالعالم. وهو نموذج UNCITRAL. نحن عملنا عليه كعمود فقري وحوّلنا نصوصه إلى نصوص لبنانية، وأجرينا كل ما يلزم ليكون نصاً معيارياً متناسقاً مع المبادئ الدولية، لأننا نعلم أنه بالمرحلة المقبلة على لبنان أن يخرج من جاهليته القانونية، ومن نصوصه القانونية القديمة، التي لطالما كانت تشكل مزاريب الفساد وسوء الممارسة. نحن حاولنا الانتقال من مرحلة يسهل فيها الفساد وهدر المال العام والكارتيلات وسوء الإدارة إلى مرحلة تكون فيها النصوص القانونية الجريئة معيارية، تجعل الممارسات شفافة وقابلة للمساءلة وعالية المهنية". من هنا أتى الطعن بالمواد التي تعنى بالكفاءة والشفافية.
أهمية هذا القانون، حسب المبيّض، أنه ورغم أننا بمرحلة حرجة جداً، إلا أننا تمكنا من خلال هذا القانون بجهود محلية ودولية بأن نرسل رسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن هناك فئة من اللبنانيين لا تزال تؤمن وتعمل للإصلاح الحقيقي للسنوات المقبلة. هذه الرسالة تم الطعن بها اليوم وهذا الأمر له أثر كبير على ثقة المجتمع الدولي التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم.
وإذ تأسف المبيض لكون الطعن تم بالمسار الإصلاحي الوحيد تقول "هؤلاء يشبهون أنفسهم. فهم ليس لديهم مشكلة برؤية طوابير الخبز والبنزين والدواء ولا يعنيهم فقر الناس ولا الفساد بالبلد ولا مشكلة لديهم بانتحار عنصر بالجيش اللبناني لعجزه عن تأمين طعام لعائلته. لا يأبهون لكل ذلك" مشيرة إلى عدم رغبتهم بالإصلاح وحماية المال العام.
موجبات الطعن "الوقحة"
وتعليقاً على الطعن المقدم أمام المجلس الدستوري، يقول عليّة بأن تقديم أي طعن أمام المجلس الدستوري مرحب به، خصوصاً امام النهج الذي اعتاد التعامل على طريقة "أبو كلبشة". فبمجرد توجههم إلى مؤسسة دستورية للطعن، فذلك إنجاز للبلد. وتبقى الكلمة الفصل للمجلس الدستوري.
أما في موضوع المواد المطعون بها، فيأسف عليّة كما المبيض أن الطعن يتناول مواد هي أساس القانون والشفافية مثل التدريب. ويسأل هل يريدون أزلاماً أم أناساً خبيرين بالإدارة؟ وهل وصل بهم الأمر أن يطعنوا ببند التدريب؟ معرباً عن خشيته من أن يكون الطعن بالتدريب تم على معايير النزاهة.
أضف إلى أن الطعن تناول المادة المتعلقة بهيئة الاعتراضات. فهذا ضرب للشفافية خصوصاً ان أساس أي قانون للشراء العام هو هيئة اعتراضات إدارية مستقلة تقوم بالبت بالاعتراضات، يقول علية، "يريدون الاستمرار بالتمسك بمسار الصفقات العمومية". متساءلاً كيف يمكن الطعن بطريقة تعيين تتم عبر لجنة تتضم رؤساء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة ثم ترفع الأسماء الى مجلس الوزراء للاختيار؟ فهل يريدون الاستمرار باختيار المساعدين والأزلام للقيام بالصفقات العامة؟
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار