15-07-2021
محليات
زيارة المدير التنفيذي في صندوق النقد الدولي محمود محيي الدين للبنان كانت مُلفتة في توقيتها، فهي أتت قبل زيارة الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى القصر الجمهوري وتقديمه تشكيلة من 24 وزيرًا إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. والتقى محيي الدين مع كلٍ من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي حيث بحث الوضعين المالي والاقتصادي ومساعي تشكيل الحكومة العتيدة التي تعتبر “إشارة انطلاق اساسية نحو التعاون مع صندوق النقد الدولي الاكثر جهوزية الان لهذه الانطلاقة”. وأعلم محيي الدين السلطات اللبنانية أن صندوق النقد الدولي وفي إطار برنامج توزيع حصص (SDR) قرر توزيع 650 مليار دولار أميركي على 190 دولة مساهمة في الصندوق في مدّة أقصاها شهران، وأن حصة لبنان من هذا البرنامج 860 مليون دولار أميركي. ويقترح توقيت الزيارة إلى لبنان أن الصندوق أوصل رسالة واضحة إلى السلطات اللبنانية مفادها أن لا أموال ستصل إلى لبنان إذا لم يكن هناك من حكومة تتعهد القيام بإصلاحات ضمن برنامج مع صندوق النقد الدولي. وما يُعزّز هذا الاعتقاد هو فقدان السلطة السياسية المصداقية داخليًا وخارجيًا وبالتالي لن يقبل المجتمع الدولي إعطاء السلطات اللبنانية الـ 860 مليون دولار أميركي من دون تشكيل حكومة وأغلب الظنّ أن الحجة الصندوقية ستكون مرتبطة بالفساد المستشري في القطاع العام مما يحول دون إعطاء هذا المال مباشرة إلى السلطة التنفيذية.
عمليًا هذه الزيارة تُشكّل عامل ضغط إضافي باتجاه تشكيل حكومة بعد أكثر من 8 أشهر على تكليف الرئيس الحريري، حيث من المتوقّع أن يكون نهار اليوم حاسمًا في ما يخص التشكيلة التي قدّمها الرئيس المكلّف إلى رئيس الجمهورية. فإذا كان جواب رئيس الجمهورية على التشكيلة إيجابيا، سيتمّ تحضير مراسيم التشكيل وسيتوجّه الرئيسان بري والحريري إلى بعبدا. أما إذا كان جواب رئيس الجمهورية سلبيا، فمن المتوقّع أن يكون هناك تصعيد في الشارع مع تفاقم الوضع المعيشي وقرب الذكرى السنوية الأولى لجريمة مرفأ بيروت التي ذهب ضحيّتها مئتان وسبعة شهداء، وأكثر من ستة آلاف جريح.
لكن كيف يُمكن للحكومة الجديدة، في حال تشكيلها، القيام بإصلاحات في ظل توتّر واضح في العلاقات بين القوى السياسية؟ الجواب ليس بأمرٍ سهل نظرًا إلى التعقيدات التي تطال علاقات القوى السياسية الأساسية (بحسب التمثيل في المجلس النيابي) فيما بينها. عمليًا الحكومة العتيدة ستُعاود المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي سيُعيد إلى الواجهة مطالبه في ما يخص: الكابيتال كونترول، تحديد الخسائر وتوزيعها، رفع الضرائب والتشدّد في الجباية، توحيد سعر صرف الدولار في السوق وتحريره بشكلٍ موجّه (أغلب الظن)، خصخصة بعض المرافق العامّة، حلّ مُشكلة مؤسسة كهرباء لبنان، وقف التهريب، إعادة هيكلة القطاع العام، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، خلق شبكة أمان إجتماعي... وغيرها من المطالب التي لن يتوارى صندوق النقد عن إثارتها ضمن خطّة تتبناها الحكومة العتيدة وتعمل على تطبيقها ضمن جدول زمني يُتفق عليه.
وإذا كانت بعض الخطوات الآنفة الذكر هي خطوات بديهية، إلا أن البعض الأخر سيُشكّل عقبة جوهرية نظرًا إلى الأبعاد السياسية التي تطالها و/أو تضارب المصالح التي تطال الخيارات المطروحة.
بالطبع كل ما سبق ذكره مرهون بتشكيل الحكومة تحت طائلة تردّي الوضع على كل الأصعدة (إقتصاديًا، إجتماعيًا، نقديًا، ماليًا، سياسيًا، وأمنيًا) وهو أمر يطرح سيناريوهات تشاؤمية عديدة أحلاها مرّ!
في هذا الوقت أصدر وزير المال غازي وزني قرارًا رفع بموجبه بدل النقل في القطاع العام من 8000 ليرة إلى 24 ألف ليرة لبنانية في النهار أي ما بين 480 إلى 528 ألف ليرة لبنانية في الشهر (بحسب عدد أيام الحضور 20 أو 22 يوما في الشهر).
هذا القرار آتى على خلفية واقع موظفي الدولة الذي هو واقع تعس جدًا حيث لم تنفع سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّها القانون 46\2017 نظرًا إلى فقدان كامل الزيادة مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء والممارسات غير القانونية التي يقوم بها التجار، أصبح هذا الموظّف في حال يرثى لها مع عدم قدرته في العديد من الحالات على دفع أجرة الذهاب إلى العمل والعودة إلى المنزل. أضف إلى ذلك أن العديد من الوزارات والمؤسسات لا تؤمّن مياه الشرب للموظّفين الذين يشترونها من جيوبهم وكذلك الأمر بالنسبة للقرطاسية التي يستخدمها الموظّف في عمله.
أمام هذا الواقع الأليم، هل الحلّ يكمن في رفع بدل النقل؟
من وجهة نظر اجتماعية، رفع بدل النقل هو جزء من الحلّ لأنه بدون هذا التصحيح ومع ارتفاع أسعار المحروقات المتواصل، هناك استحالة أن يكفي أجر الموظّف للذهاب إلى العمل!
لكن من وجهة نظر مالية، هذا الإجراء هو كارثة نظرًا إلى أن الحكومة هي في عجز مالي ومع إعلان إفلاس الدولة هناك استحالة للاستدانة من خارج مصرف لبنان الذي سيقوم بطبع العملة لكي يموّل هذه الكتلة النقدية التي تُقدّر بـ 2 تريليون ليرة لبنانية سنويًا ستأتي لتزيد من التضخم، وبالتالي إضعاف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي في ظل غياب أي مكافحة للاحتكار والتهريب والسوق السوداء وفي ظل غياب أي إجراءات حكومية تسمح بتأمين تمويل اقتصادي لهذه الزيادة! وإذا ما تمّ إقرار زيادة بدل نقل في القطاع الخاص، فإن الكتلة النقدية التي سيتم طبعها لتمويل بدل النقل سترتفع إلى 4.5 تريليون ليرة لبنانية سنويًا!
غياب الحلول العلمية تدفع السلطة في كل مرّة إلى ضرب هياكل الاقتصاد والمالية العامة والنقد الوطني عبر المفاضلة بين مُعاناة الموظّفين من جهة واعتماد حلول أكثر دمارًا على المالية العامة من جهة أخرى على مثال سلسلة الرتب والرواتب التي جلبت الكوارث على الليرة اللبنانية نتيجة سوء تقدير عدد المستفيدين وهشاشة التمويل الذي طُرح آنذاك.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
عون: حذّرتُ حزب الله وخائف عليه
أبرز الأخبار